الجمعة 03 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في ذكرى رحيله| الطاهر وطار.. روائي مزج الواقعية والفانتازيا

تعمد وطار التحليل النفسي لشخصياته أو تحليل الظروف الاجتماعية والاقتصادية

الطاهر وطار
الطاهر وطار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يعد الكاتب والروائي الجزائري الراحل الطاهر وطار، الذي غادر عالمنا في مثل هذا اليوم الموافق 12 أغسطس عام 2010، أحد رواد الرواية الجزائرية والعربية الحديثة. 

وانحدر “وطار”، من جذور شعبية ريفية، ثم امتهن الكتابة الصحفية والروائية منذ شبابه المبكر، وانتمى للفكر اليساري التقدمي، والتحق بصفوف جبهة التحرير، وشارك من موقعه الفكري في تحرير بلاده من ربقة الاستعمار الفرنسي. 

كان يرى أن "الكاتب الهادف والواعي لا يكتب روايات كثيرة مهما تعددت عناوين كتبه ومضامين إنتاجه، إنما يكتب رواية واحدة يظل طوال حياته يؤلفها إلى أن ينتهي، إنه ينظر إلى موضوعه، من مختلف الزوايا، وبدرجات ضوئية متعددة، وأيضًا بطاقات حرارية متغيرة". لذا، في أعماله، خاصة تلك المتعلقة بالمرأة، تعمد وطار التحليل النفسي لشخصياته، أو تحليل العوامل الاجتماعية والاقتصادية لواقع بطلاته وربطها معا، أنه يستخدم وسيلته الفنية وعن طريق التزامه بمنهج علمي جدلي، يستطيع أن يضع شخصية المرأة في سياقها التاريخي الصحيح، وقدم لنا نماذج متميزة للمرأة في أعماله، كل شخصية متصلة بالأخرى بشكل أو بآخر، ومكملة لها.
وقد صُنِفت رواية "اللاز"، وهي أولى رواياته، باعتبارها رواية سياسية تسمو بالطريقة الرمزية الواقعية تُعد طفرة كبيرة في الرواية العربية، استغرق في كتابتها ما يقارب السبع سنوات وانتهى منها عام 1972، وحملت رسالة مفادها أن الأصل هو التخلص من الاستعمار، بغض النظر عن الطبقات والانتماءات والمعتقدات، حيث أنه لأول مرة تحدث عن الثورة وبشكل ملموس، وطرح قضية الشيوعيين وعلاقتهم بتاريخ التحرر الوطني.
الرواية تعالج الصراع بين الثوار والشيوعية، حيث ذبح بعض الشيوعيين والمثقفين بسبب انتماءاتهم الأيديولوجية. التاريخ حقيقي، وعرض فيها الكثير من المشاهد النضالية والعنيفة، وأيضًا ساعات من الصفاء ومناجاة النفس، وكان ذلك من خلال شخصيات تم رسمها بدقة، لتمجد النضال الجزائري، وتمجد الحفاظ على المبدأ، فهي تتناول الشأن الجزائري في فترة الاستعمار الفرنسي والكفاح ضده، عبر حرب التحرير التي شهدت مؤازرة عربية، نشرت هذه الرواية في أكثر من بلد، وبأكثر من لغة، وعلى الرغم بأن الكاتب ليس مؤرخًا إلا أن الرواية بعض أحداثها تنتمي إلى التاريخ، كان هدف الثورة من رأي وطار في كتابته، هو القضاء على الانتماءات الأخرى وسعت لتصفية اليسار، وهكذا فعلت مع المتطوعين من الجنسيات الأخرى حيث أجبرتهم الثورة على التبرؤ من أفكارهم السياسية السابقة، ولأن قضية النضال ضد الظلم والمستعمر عالمية فقد انضم إلى المقاومة الجزائرية إلى جانب المجاهدين الجزائريين عدة أفراد ينتمون إلى أحزاب شيوعية أسبانية وفرنسية من الأوروبيين، إلا أن هذا النضال لا يقبل منهم في النهاية.
وفي رواية "عرس بغل" والتي وصفها الناشر بأنها "عالم مزج فيه الكاتب بين الواقعية والحلم والفنتازيا"، في إشارة إلى أن العنوان يمزج ما بين ما هو واقعي وحلمي وفنتازي، فبعنوان لن يشكل خلفية فقط لكنه يشكل حياة تسير وتصير بوعي وتصور متكاملين، يرسم وطار صورة الإنسان الذي يرى في الهروب من هموم الحياة وصراعاتها وسيلة لمتابعتها، ويحاول أن يعكس رؤيته في الفلسفية من خلال استنطاق شخصيته المحورية، على الرغم من هامشيتها ودونيتها في لحظة اللاوعي، ويجري على لسانها عبارات فيلسوف، فكتب: "كثرة الزيارات والجلسات، جعلتني أتعرض للإرهاق بسرعة، عندما أكون في الداخل، أنسى التعب لعلني أكون هذا المساء هارون الرشيد، وقد أكون بن السعود أو أبو لفانين، لماذا هربت من الأعراس، من الغناء والطرب والقهقهات الرنانة، ومن الفرحة على وجوه الفقراء وجئت إلى المقبرة، لا شيء من الأعماق، كل ما هنالك عرس بغل، أعراس بغل في حجم الكرة الأرضية، كلهم، كلنا، نهرب إلى مقبرة، كل من فيها ميتون إلا نحن، حياة الآخرين المرتبطة بحياتنا، لا تهمنا إلا بقدر ما تكون المقبرة، لا. لا. هذا كلام لا معنى له، كلام غير مستقيم، يمليه التعب، ها أنك قد وصلت، أهلًا وسهلًا بك في مدينتك، يجدر بك أن تكون "أفلاطون" هذا المساء، قد أكون من يدري؟". 
أما رواية "الشمعة والدهاليز" التي صدرت عام 1995، بدأ فيها وطار باستيقاظ الشاعر على أصوات متفاوتة ما بين القوة والتقارب، لم يستوعب ما هي هذه الأصوات ومن أين تأتي، فهي لم تكن أصوات المدافع، ولا حتى لدبابات وجنازر، بل كانت لهدير بشري قوي، ملئت هذه الأصوات جميع أنحاء الجزائر، ومن هنا اتخذ الشاعر قرار النزول، حتى يتبع الأصوات، وفي هذا الوقت كانت تتعالى آتية من بعيد، استحضر الشاعر العبارات كما كانت تتردد لأول مرة " لا إله إلا الله محمد رسول الله، عليها نحيا وعليها نموت عليها نلقى الله"، وكان هذا الشاعر هو محور الرواية كان عالم اجتماع عاش منذ طفولته فترة الاحتلال، وهو ابن قرية جبلية التحق بمدرستها المخصصة، حيث كان من المحظوظين من أبناء الموظفين في الإدارة الفرنسية، كان والده دائمًا يحلم له بمنصب مرموق حين يجيء الاستقلال، وهكذا تدور الرواية حول طرح أسئلة من الكاتب ما الذي يحدث ومن المسئول عن هذا الواقع الذي تعيشه الجزائر؟، من يقتل ويزرع الخوف والرعب؟ من يقتل من يموت؟.