بدأ الأقباط رحلتهم مع صوم السيدة العذراء مريم، وتبدأ أيضا رحلتهم مع مسيرة حياتها الحافلة التي استمرت ٦٠ عامًا على الأرض منهم قرابة خمس سنوات داخل مصر وبين شعبها.
وُلدت العذراء بمدينة الناصرة والدها كان اسمه يواقيم ووالدتها لقبها حنة وكانت عاقرًا مما جعلها تمر بمرحلة حزن طويلة وطلبت من الله أن يمنحها طفلا وذهبت إلى الهيكل قائلة: "إذا أعطيتني ثمرة فإني أقدمها نذرًا لهيكلك المقدس".
استجاب الله لدعوات الأم حنة ومنحها طفلة أطلقت عليها اسم مريم وعندما وصلت إلى عمر ثلاث سنوات سلمتها أمها إلى الهيكل حسبما دعت في صلاتها وظلت العذراء مريم ١٢عامًا داخل الهيكل ورحل الأم والأب مبكرًا، وحسب الشريعة اليهودية كان يحظر أن تظل في الهيكل ويقول التقليد الموروث إنهم قرروا أن تخطب رسميًا لشخصٍ يحل له أن يرعاها ويهتم بشئونها، فجمعوا من سبط يهوذا اثني عشر رجلًا أتقياء ليودعوها عند أحدهم وأخذوا عصيهم وأدخلوها إلى الهيكل، فأتت حمامة ووقفت على عصا يوسف النجار، فعلموا أن هذا الأمر من الرب لأن يوسف كان صِديقًا بارًا، فتسلمها وظلت عنده إلى أن أتى إليها الملاك جبرائيل وبشرها بميلاد المسيح.
باركت السيدة العذراء أرض مصر مرتين: الأولى في اختصاصها مصر للهروب إليها مع الطفل يسوع ويوسف النجار من وجه هيرودس، والثانية في تجليها في مناظر روحانية نورانية داخل قباب الكنيسة المدشنة على اسمها الطاهر في منطقة الزيتون من ضواحي مدينة القاهرة وفوقها وذلك في يوم 2 أبريل سنة 1968 م. (24 برمهات سنة 1684 ش.) والذي استمر لعدة ليالي متوالية، واستمرت بركتها بظهورات نورانية عام ٢٠٠٠م بأسيوط.
العذراء مريم والتهجير إلى مصر
جاء ملاك الله إلى يوسف النجار خطيب العذراء مريم وطلب منه أن يأخذ المسيح المولود وأمه مريم ويهرب إلى أرض مصر بعد أن أمر هيرودس بقتل أطفال بيت لحم بسبب نبوءة أن طفلا عمره عامين سيحطم ملكه عندما يكبر وتم تهجير العائلة المقدسة، التي هربت من فلسطين إلى رحاب مصر وقد وثق المتحف القبطي القصة في مخطوط البشائر الأربعة، باللغة العربية، ويذكر في بشارة القديس "متى" الآية "قم خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر".
وأيضا أيقونة تمثل دخول العائلة المقدسة إلى إحدى القرى المصرية، نرى فيها السيدة العذراء مريم تركب على دابة، بينما يسير القديس يوسف النجار وهو يحمل الطفل يسوع على كتفيه.
وعادت العذراء مريم بعد رحلة طويلة وتركت آثار وبركات عظيمة تعيش فيها مصر حتى الآن لتصبح أقدم رحلة حج مسيحي في العالم.
آلام وصبر واحتمال
بدأت رحلة السيد المسيح ومواجهة اليهود بعد معجزاته التي أحدثت ضجة كبيرة لدي كهنة اليهود وبدأت محنة التلفيق والمطاردات حتى انتهت رحلته على الأرض ليترك آلاما جديدة وتكفل بها تلميذ المسيح وكان اسمه يوحنا الحبيب.
بعدها بسنوات اقتربت من الموت، ويقول التقليد الكنسي إنه إذ كانت العذراء مريم ملازمة الصلاة في القبر المقدس ومنتظرة ذلك الوقت السعيد الذي فيه تُحَل من رباطات الجسد، أعلمها الروح القدس بانتقالها سريعًا من هذا العالم الزائل. ولما دنا الوقت حضر التلاميذ وعذارى جبل الزيتون، وكانت السيدة العذراء مضطجعة على سريرها وإذا بالسيد المسيح قد حضر إليها وحوله ألوف من الملائكة، فعزاها وأعلمها بسعادتها الدائمة الذاهبة إليها، فسُرَّت بذلك ومدت يدها وباركت التلاميذ والعذارى، ثم أسلمت روحها الطاهرة بيد ابنها وإلهها فأصعدها إلى المساكن العلوية. أما الجسد الطاهر فكفنوه وحملوه إلى الجسمانية، وفيما هم ذاهبون به اعترضهم بعض اليهود ليمنعوا دفنه، وأمسك أحدهم بالتابوت فانفصلت يداه من جسمه وبقيتا معلقتين حتى آمن وندم على سوء فعله، وبتوسلات التلاميذ القديسين عادت يداه إلى جسمه كما كانت.
لم يكن توما الرسول حاضرًا وقت رحيلها واتفق حضوره عند دفنها فرأى جسدها الطاهر مع الملائكة صاعدين به، فقال له أحدهم: "أسرع وقبِّل جسد الطاهرة مريم"، فأسرع وقبَّله.
وعند حضوره إلى التلاميذ أعلموه برحيلها فقال لهم: "أنا لا أصدق حتى أعاين جسدها، فمضوا معه إلى القبر وكشفوا عن الجسد فلم يجدوه فدهش الكل وتعجبوا، فعرَّفهم توما الرسول كيف أنه شاهد الجسد الطاهر مع الملائكة صاعدين به، وقال لهم الروح القدس: "إن الرب لم يشأ أن يبقى جسدها في الأرض". وكان الرب قد وعد رسله الأطهار أن يريها لهم في الجسد مرة أخرى، فكانوا منتظرين إتمام ذلك الوعد الصادق حتى اليوم السادس عشر من شهر مسرى حيث تم الوعد لهم برؤيتها. وكانت سنين حياتها على الأرض ستين سنة جازت منها اثنتي عشرة سنة في الهيكل وثلاثين سنة في بيت القديس يوسف البار وأربع عشرة سنة عند القديس يوحنا الإنجيلي كوصية الرب القائل لها: "هذا ابنك" وليوحنا: "هذه أمك".
قد بنيت أول كنيسة على اسمها بمدينة فيلبي، وذلك أنه لما بشر الرسولان بولس وبرنابا بين الأمم آمن كثيرون منهم بمدينة فيلبي وبنوا فيها كنيسة على اسم البتول.
ألقاب السيدة العذراء
حصدت العذراء مريم ألقابًا عديدة في مقدمتها العذراء والبتول، خاصة بعد أن جاءها خبر بشارة المسيح ولم تكن متزوجة.
في أعظم معجزة إلهية حدثت في تاريخ البشرية ومنحها المؤرخون صفات كثيرة منها البتول والملكة والقديسة والمكرمة لتكريم جميع الأديان السماوية معلنا طهارتها والعروس وصهيون وأم الكلمة وأم النور وأم الخلاص وأم الملجأ والأم الباقية عذراء والمشتملة بالأنوار والعذراء كل حين خاصة بعد صعود المسيح لم تتزوج ولقبت أيضا ببستان العطر، فخر العذارى وفخر الصديقين، والحمامة الحسنة.
وخصص كتاب «تاريخ الكنيسة أيام وأعياد السيدة العذراء مريم» يوم 7 مسرى (أغسطس) بشارة يواقيم بميلاد السيدة العذراء. 1 بشنس (مايو) ميلاد السيدة العذراء و3 كيهك (ديسمبر) - تقديم السيدة العذراء مريم إلى الهيكل في سن 3 سنوات 24 بشنس الأول من (يونيو) مجيء العائلة المقدسة إلى أرض مصر 21 طوبة (يناير) -وفاة السيدة العذراء مريم. 16 مسري (أغسطس) -صعود جسد السيدة العذراء.
و21 يؤونة (يونيو) - تذكار بناء أول كنيسة على اسم العذراء في فيلبي 24 برمهات (أبريل) - ظهور السيدة العذراء مريم في الزيتون بالقاهرة - مصر واحتفل الكنيسة كل يوم 21 من الشهر القبطي بتذكار للسيدة العذراء مريم والدة المسيح.
الرسالات السماوية وتكريم مستمر
بعد قرابة ألفي عام على رحيل العذراء مريم تحتفي جميع الرسالات السماوية بذكراها وجهادها ونجد آيات من القرآن والإنجيل منهم سورة كاملة باسم "مريم" في القرآن الكريم وسورة آل عمران في إشارة إلى جذور العذراء مريم حيث ترصد الآيات البشارة
* «قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّى نَذَرْتُ لَكَ مَا فِى بَطْنِى».
سورة مريم آية 19 في بشارة جبريل لمريم، «أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا»،
بينما يوثق البابا شنودة مكانة. عظمة العذراء التي قررها مجمع أفسس المسكوني المقدس، الذي انعقد سنة 431 م. بحضور مائتين من أساقفة العالم، ووضع مقدمة قانون الإيمان التي ورد فيها "نعظمك يا أم النور الحقيقي، ونمجدك أيتها العذراء القديسة، لأنك ولدت لنا مخلص العالم، أتى وخلص نفوسنا":
و"هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني"
ويبدو تبجيل العذراء في تحية الملاك جبرائيل لها "السلام لك أيتها الممتلئة نعمة. الرب معك. مباركة أنت في النساء".