رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثالوث الحوينى ويعقوب وحسان!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يكن لأحد أن يربط بين حجاب فريال أشرف وميداليتها الذهبية لولا هيمنة هذا الثالوث وما يدور فى فلكهم من أصحاب اللحى والشال الأبيض على عقول المصريين طيلة خمسة عقود كاملة.
لا يليق بنا ونحن بصدد تدشين جمهوريتنا الجديدة تكرار ظواهر أبو إسحاق الحوينى ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب ومن كان على شاكلتهم أمثال ياسر برهامى وغيرهم من الوجوه التى سيطرت على الزوايا والمساجد وشاشات الفضائيات منذ سبعينيات القرن الماضى.
لست معنيًا بتفاصيل شهادة كل من حسان ويعقوب فى القضية المعروفة إعلاميًأ بدواعش إمبابة، فجميعنا لاحظ كيف تبدلت المواقف، وحتى الأفكار وكيف اعتمد كل منهما على أسلوبه فى المراوغة ففيما التزم يعقوب بعبارة "لا أدرى" وتقديم نفسه كداعية متخصص فى مخاطبة العوام بحسب التعبير السلفى المتعالى على الناس، اعتمد محمد حسان على قدرته فى الاسترسال بعبارات بلاغية.
غير أن ما استوقفنى استخدام محمد حسان مصطلحات باتت جزءًا من الماضى السحيق والتراث البعيد التى تزكى دلالاتها ومعانيها روح الفرقة والتمييز بين مواطنى البلد الواحد.
فبينما كان ينتقد المحرضين على قتل رجال الجيش والشرطة والقضاء والمواطنين المسيحيين استخدم عبارة "أهل الذمة والعهد" إشارة إلى المسيحيين؛ وكأننا مازلنا فى قرون الإسلام الأولى عندما كانت الشعوب فى البلدان غير العربية تدفع الجزية لقادة الجيوش والأمراء.
مثل هذه المصطلحات ارتبطت بظرفها التاريخى وسوف تبقى جزء من التاريخ الإسلامى لكنها لم تعد بأى حال صالحة للاستعمال أو التداول فى ظل التطور الإنسانى وانتقاله من مرحلة الإمبراطوريات العظمى أو ما تسمى بدولة الخلافة إلى مرحلة الدولة الوطنية الحديثة؛ حيث المواطنة التى يستوى فيها الجميع أمام الدستور والقانون كأسنان المشط كواطنين ولائهم الأول والأخير للوطن وهويتهم تنبع من جذوره الضاربة فى أعماق التاريخ ليبقى الدين ولاءًا شخصيًا على مستوى العقيدة ولا ينبغى أن يكون بأى حال سببًا من أسباب التمييز بين أبناء الأمة الواحدة.
أدرك أن الخطاب الدينى السائد فى الفضاء العام لا يزال يستخدم من هذه المصطلحات التراثية الماضوية وهو ما لم يعد جائزًا فى دولة تسعى لتوطين التكنولوجيا وما يصحبها من قيم حداثية أو حتى ما بعد حداثية؛ غير أن حسان ورفقائه استخدموا هذه العبارات لتكريس مفهوم دولة الخلافة الإسلامية فى مواجهة الدولة الوطنية الحديثة ونذكر جميعًا كيف تعامل التيار السلفى مع مسألة الحجاب والنقاب على نحو جعل منه رمزًا سياسيًا لعقائد وأفكار وتوجهات ما يسمى بالإسلام السياسى؛ وكيف لم يألوا جهدًا لجعل هذه المظاهر الشكلية إلى جانب اللحية والجلباب القصير أيقونة للهوية المصرية.
عبر شرائط الكاسيت إلى عصر شاشات الفضائيات نجح هؤلاء الملقبون خطأ بشيوخ أو علماء الدين فى تسويق الفتوى الشرعية كسلعة كلما زاد الطلب عليها امتلئت بطونهم وعمرت جيوبهم فصار الناس يسألون عن توافه الأمور مثل موضع اليد عند الصلاة من جغرافيا الجسد، بل ويسألون عما تجاوزه الزمن من إشكاليات فى العقيدة مثل وضع الصور على الحوائط أو اقتناء التماثيل الصغيرة.
بيد أن إعمار جيوبهم لم يكن الهدف الأوحد من تسليع الفتوى إذ كان ذلك يخدم وبشكل رئيس الأهداف الخبيثة لحركات الإسلام السياسى وفى القلب منها الأب الشرعى للإرهاب تنظيم الإخوان وهو هدم أركان الدولة الوطنية الحديثة التى تقوم على الدستور والقانون بالأساس بإشعال ما أسميها فتنة دولة الفتوى الشرعية فى مواجهة دولة القانون، لذلك وقد وجدوا جميعًا فى قضية فوائد البنوك طريقهم السهل لإذكاء تلك الفتنة لتحريم ما يجيزه القانون ويقره الدستور وقد جرى ذلك ومازال يجرى فى مسائل عديدة.
وحتى بدون استخدام عبارات التكفير المباشرة للدولة ومؤسساتها فيكفى أن تطعن فى شرعية بعض القوانين ونصوص الدستور وتخضعها لمنطق الحلال والحرام فى ذهن المتلقى لتغرس فى عقله فكرة تكفير الدولة والمجتمع أو على الأقل مخالفة الدولة للشريعة الإسلامية؛ تمامًا كما أنه يكفى أن تتمسك بمصطلحات مثل أهل الذمة لترسخ فى الذهنية العامة أن المسيحيين وغير المسلمين عامة مواطنين من الدرجة الثانية.
وهنا أعنى تأثير الخطاب الدينى الذى يتبناه هؤلاء على عموم الناس الذين لم يذهبوا بعيدًا لترجمة هذا الخطاب إلى معتقد متطرف يقودهم حتمًا إلى الانخراط فى جماعات إرهابية مسلحة تستحل الدم والمال والعرض.
ما أعنيه عموم المجتمع الذى وإن كان يجنح دائمًا للاعتدال لكننا نجد أبنائه العاديون المعتدلون ظاهرًا يخرجون بمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعى تعتبر أن حجاب فريال أشرف هو السبب فى فوزها الباهر ومن رواسب تأثيرات ذلك الخطاب أيضًأ ما يثار بين الحين والحين من قضايا خلافية ساذجة مثل حق المسلمة الملتزمة بالمايوه الشرعى "البوركينى" فى دخول أى شاطئ ترتاده حاسرات الرأس ممن يرتدون "البكينى" أو حتى الرجال الذين لا يلتزمون بالشورت الشرعى، وحق المسلمات الملتزمات بالعباءة الإسلامية والحجاب فى دخول مطاعم قد يقدم بعضها الخمور.
لا أعتقد فى سلامة نية من يثير مثل تلك القضايا فهى محاولة جديدة للعبث بهوية المجتمع وقيمه وما تعارف عليه من عادات وسلوكيات وتقاليد؛ لكن ما يهمنى أيضًا هو تفاعل الجمهور العام الذى يجر للخوض فى هذا الجدل بغرض خداعه لتمرير بعض الأفكار والتوجهات الخبيثة إلى عقله وقلبه.
إذا أردنا للجمهورية الجديدة أن تمضى على طريق الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة فعلينا إسكات مصدر الفتنة وهذا الخطاب الدينى الملتحف بعباءة السلفية فإنما ينطوى على رسائل بث الفرقة ونشر الجهل والتخلف وكل القيم المضادة للدولة الوطنية ولا حق لهؤلاء وأمثالهم فى حرية إبداء الرأى أو التعبير ويكفى ما عانيناه طوال عقود من هيمنة شيوخ السلفية وخطابهم على العقل المصرى.