أقر أنا محمود الحضري كاتب هذه السطور أنني من بين الكارهين للعدو الصهيوني والمعادين لإسرائيل المحتلة لأراضينا العربية، وصاحبة الأطماع التي ليس لها حدود، والتي تعمل على تحقيق حلم الصهيونية لإقامة دولتها من النيل إلى الفرات.
هذا الكره أعلنه في كل مكان ومع كل نفس، ولا أخفيه، وأؤمن إيمانا راسخا أن إسرائيل لن تتوقف عن أطماعها في بلداننا العربية، سواء أقمنا علاقات معها أولا، بل تستغل كل خطوة اقتراب عربي منها لمصلحتها وتوظفه توظيفا غير مسبوق، كما أن إسرئيل لم ولن تتوقف عن عداوتها للعرب والأمة، وهو واقع يعمله الجميع.
ولا أتوقف عن الحديث مع أولادي وأهلي وعشريتي ولزملائي عن هذا العدو المحتل على حدودنا الشرقية، ولن يتغير رأي في هذا الموقف والتوصيف للعدو، والذي يحتاج لقوة ردع تواجهه، خصوصا أنه يستغل كل علاقاته للإضرار ببلادنا، وتعاونه مع إثيوبيا في حرمان مصر من حقها في مياه النيل مسألة لا ينكرها إلا من لا يرى الواقع، وقضية برنامج التجسس الشهير "بيجاسوس" دليل آخر لضرب العلاقة بين حكومات دولنا وشعوبها.
كل هذا وغيره واقع لا يمكن نكرانه، ولكن السؤال المهم، هل نحن في حالة استعداد عربيا دولا منفردة أو تكتلات دولية إقليمية، تجمعها رؤية مشتركة - إن وٌجدت- لمواجهة إسرائيل، ومن وراءها، بل السؤال الأصعب هل نحن متسعدون للمواجهة كمنظمات وتشكيلات "نضالية" أو غيرها "تابعة" للتعامل مع إسرائيل عسكريا، ببضعة صواريخ "صناعة يدوية" ومواجهة ترسانة عسكرية من طائرات ومدرعات؟!.
أطرح هذا الآن، في ضوء التطورات على الأرض، في لبنان، في مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان العربية، والتي تعاني من حالة انقسام -لأسباب لا داعي للدخول فيها-، أدت إلى غياب دولة عربية مهمة دون حكومة لشهور طويلة، وتسببت في مشكلات كبيرة وواسعة، وتأثيراتها السلبية امتدت لمفاصل الحياة الاقتصادية، وحالة من المعاناة يتحدث عنها الشارع اللبناني ونقلتها وسائل الإعلام المحلي والعالمي.
وحالت تلك الأزمات السياسية دون التوصل لحل شامل أو توافقي لتشكيل الحكومة، وازدياد حدة الأزمات، كما أدت إلى اعتذار سعد الحريري رئيس الوزراء المكلف سابقا، عن تشكيل الحكومة، وإسناد المهمة إلى نجيب ميقاتي الذي يعمل ويأمل لتشكيل حكومة تجمع كل اللبنانيين تحت لواء وطن يواجه عواصف.
وعلى الحدود يقف عدو كل العرب يراقب ويترقب تطورات الأوضاع في لبنان العربي، بل ربما يسعى إلى مزيد من الفوضى بهدف إغراق لبنان في مشكلات داخلية لا تنتهي، وهو هدف عام تعمل عليه إسرائيل، وبالتالي فهي إما تغذي ذلك، أو تدفع به، وكثيرا ما تنتهز الفرص لتوريط أطراف من الداخل في حرب، أو نزاع، لتفويت أي فرص للاستقرار وربما جر أي طرف لحرب غير متكافئة، وخلق مزيد من الفوضى، تصب في مصالحها.
القراءة المتأنية لما يحدث في جنوب لبنان، وشمال إسرائيل في الفترة الأخيرة، ربما يجسد هذا المعنى، وقد يكون البعض مع المقاومة لهذا العدو، وإن كانت المقاومة داخل الأراضي المحتلة غير تلك التي تجري عبر الحدود لمناطق شبه مستقرة، إلا أن الذكاء في عدم الوقوع في ورطة والانجرار إلى حرب لصالح طرف آخر، أو حرب بالنيابة ليقع الضرر على إناس يبحثون عن الاستقرار والعيش في بلد مطحون في الأزمات، أمر يتطلب أخذه في الاعتبار.
من المؤكد أن اللبنانيين هم من يعرفون قضيتهم ومعاركهم، ولا ندعي أننا نعرف أكثر منهم، فهم أصحاب المصلحة والذين يعرفون ويدركون قرارهم، متى وكيف يتخذونه، ولكن لعب بعض الأطراف بالنار هو بمثابة حرق ودمار لآخرين يكتون من الأزمات، في وقت لا يمكن المواجهة في صراع غير متكافئ في هذه المرحلة.
من المهم جدا أن ندرك حجم الخطر، والإنجرار لحرب بالوكالة من أجل خدمة أجندات خارجية، يقوم بها طرف لبناني، في كثير من الأمور تذهب مصالحه بعيدا عن مصالح الوطن، مثل أي جماعات ومنظمات، كل ما يعنيها جماعاتها وليس وطنها.
وعلى الضفة الأخرى يقف عدو متربص بأوطاننا، ليستغل الفرصة المناسة للانقضاض على الأوطان، مستغلا أزماتها، وانشغالنا بقضايا محلية، والمؤكد أن إدراك المصالح الوطنية الخطوة الأولى لأمن الوطن، وحين نكون مستعدين لمواجهة العدو.. ساعتها سيكون الإجماع رسالة الجميع، فلا تلقوا بالوطن إلى التهلكة.