الكثير منا يحب اللحظات التى يعيشها فى الموالد، نظرا لقدسيتها التى تحولت من عبادات إلى عادات، وأصبح دير السيدة العذراء مريم، الذى يقع فى قرية درنكه بمحافظة أسيوط، محط أنظار العالم أجمع، وهو يبعد نحو ثلاثة كيلومترات من قرية درنكة، ويرتفع أكثر من 100 متر عن سطح البحر؛ حيث أقيمت الكنيسة فى هذا الموقع، منذ القرن الأول الميلادي، ثم تحولت إلى دير فى القرن الرابع الميلادي، كما كان الدير مكانًا للاحتماء من مياه النيل وقت الفيضان.
ونظرًا لمكانة هذا الدير، أجرت «البوابة نيوز»، حوارًا مع الأنبا كيرلس وليم، أسقف أسيوط للأقباط الكاثوليك.. فإلى نص الحوار:
* حدثنا عن أهمية الاحتفال فى درنكة؟
** فى البداية أود أن يعرف الجميع أن الاحتفالات جميعها مميزة، لكن يأتى فى مقدمة موالد العذراء، مولد جبل درنكة، ومولد العذراء فى الدير المحرق، وكنا نحتفل بأشكال متعددة، ويحدث لفيف كبير، ويأتى إليه الزوار من المسلمين قبل الأقباط.
* وماذا عن الاحتفالات فى ظل تفشى وباء كورونا؟
** نأسف لأن ذلك الوباء حرم الملايين من الوفاء بالنذور، وزيارة المكان المبارك بالمسيح والسيدة مريم، ولم يتم منع الاحتفالات على مر العصور، إلا بعد انتشار فيروس كورونا «كوفيد ١٩»، وحدث ذلك بحضور أعداد قليلة، وأغلقت الأديرة أبوابها، خوفا على المؤمنين من تفشى الفيروس.
* حدثنا عن صوم العذراء؟
** نحن نسميه صوم الفريضة الشعبية، لأن الشعب زرع طقوسه على الكنيسة القبطية، بوجوب صومه.
* وماذا عن اختلاف المواعيد فى الصوم؟
** تعدد الطوائف جعل أيام الصيام تختلف بين بعضنا البعض؛ فتبلغ مدته عند الروم الأرثوذكس 15 يوما، بينما تبلغ مدته 5 أيام فقط عند السريان والأرمن الأرثوذكس، بينما يصوم الروم الكاثوليك يومى الجمعة بين 1 و14 أغسطس، ويصوم الكلدان الكاثوليك يوما واحدا للعذراء فقط، أما فى الكنيسة الكاثوليكية فيبدأ الصوم يوم 31 يوليو ويستمر حتى 15 أغسطس، من كل عام، ويُعد من أصوام الدرجة الثانية، ويباح فيه تناول الأسماك.
* وما أسباب ذلك الصوم؟
** سأروى لكم شيئا هاما؛ الرسول توما عندما ذهب مع تلاميذ المسيح إلى القبر، لكى يتبارك بزيارة السيدة العذراء، لم يجدوا جثمانها، وحكى لهم أنَّه رأى الجسد صاعدًا، فصاموا 15 يومًا، فأصبح عيدا للعذراء، يحتفل به الجمع.
* وما طقوس الاحتفال؟
** يقيم الدير احتفالاته من يوم 7 أغسطس، حتى 21 أغسطس، فى كل عام، مما جعل هذا الشهر مقدسًا فى الرحلات لأسيوط، وكالعادة تبدأ بزفة الأيقونة، وهى عادة تتميز الموالد المسيحية بها.
وهذه الأيقونة تكون صورة للعذراء مريم، ويسير فى هذا الموكب الأسقف والشمامسة، ويطلق عليها دورة العذراء، ويحمل الجميع الصلبان، ويرتلون الألحان الكنسية.
* وما أبرز العادات فى الاحتفالات؟
** الجميع يحضر أقفاص حمام، ويتم حضورها الاحتفال وهى طبيعى تعود إلى مساكنها بعد أن يطلق الجميع سراح الحمام، رمزا للسلام والتآخى والمحبة، وهكذا يكون الجميع قد حصل على بركة العذراء.
* وما علاقة المعمودية بالمسلمين فى الاحتفالات؟
** فى البداية فإن طقس المعمودية هو أحد أسرار الكنيسة السبعة، ولكن لا علاقة له بالمسلمين، بينما يشترك المسلمون والأقباط فى تقديم النذور والذبائح على أعتاب الأديرة، ومحبة فى بركات السيدة مريم، كما سبق ونوهت بأن الاحتفالات بالسيدة مريم مشتركة، وليست حكرا على المسيحيين.
* وكيف حصلت درنكة على هذه المكانة فى قلوب المصريين؟
** السيدة مريم لها قدسية بالغة، وانا سأعدد الكتب السماوية التى تحدثت عنها بشكل مباشر؛ فالكتاب المقدس قال عنها «جميع الأجيال تطوبنى».
وجاء عنها فى القرآن أن الله اصطفاها وطهرها على كل نساء العالمين وتتجلى هذه الكرامة فى مواسم وأعياد السيدة العذراء خصوصا فى احتفالات صوم العذراء حيث يتوافد الألوف من البشر على الدير ملتمسين البركات.
* وماذا عن زيارة السيدة مريم لدرنكة؟
** الكثير يعلم أن رحلة السيدة مريم مع السيد المسيح كانت لها محطات متعددة، واختبأت وقتا ما فى مغارة بجبل أسيوط، هربا من اضطهاد هيرودس، وظلوا هنا لمده ثلاثة أشهر، مما جعل المكان مباركا بشكل كبير، لدى المسلمين والأقباط نظرًا لمكانة السيدة مريم عند المسلمين.
والاحتفالية والموالد يشارك فيها الألوف من المسلمين والأقباط، خلال فترة صوم السيدة العذراء من 7 - 22 أغسطس، من كل عام، وتصل الاحتفالات إلى الذروة فى الليلة الختامية للعيد حيث يسهر المصلون؛ حتى الصباح الباكر مرددين المدائح والتماجيد للسيدة العذراء على أنغام الطبول.
* المديح الفلكلورى له دور فى تلك الاحتفالات.. نود أن تذكرها لنا؟
** نرى اكتشافات عديده فى الموالد وخاصة هنا فحفظ لنا الفولكلور القبطى الكثير من هذه المدائح نذكر منها «على دير العدرا ودينى اوفى ندرى والرب راعينى، امدح فيكى يام النور مهما يكون قلبى مكسور، امدح فيكى يا أم يسوع ياشفيعة كل الجموع، ومكانك على جبل مرفوع على دير العدرا ودينى، نزورك مع الأصحاب يامذكورة فى كل كتاب، تخضع لك كل الأوثان على دير العدرا وديني.
* وماذا عن التقاليد الشعبية للاحتفالات؟
** بالتأكيد هناك تقاليد مثل ظهور أنوار مبهرة أعلى المنارة فى الدير تمثل طيف السيدة العذراء فيصرخ المصلون، مهللين وأنا أرى أن فى هذه الاحتفالات أروع مظاهر الوحدة الوطنية لأننا نحتاج لذلك على مر العصور أن نربط بعضنا بالبعض كما يحرص المسلمون والأقباط حاليا.
* وهل تدخل الإخوان كما ذكر البعض فى منع تلك الاحتفالات؟
** فتره الإخوان انتهت، وأنا أرى أنها ماتت مكانها، ولا عودة لهم؛ فالصغير منهم فى جحورهم الآن، ولكن سابقا المتطرفون حاولوا كثيرا أن يحرموا تلك الاحتفالات، لكنهم فشلوا فى منعها، أو تهديد المشاركين.
وتوفر الدولة حماية واستعدادات مكثفة وقوات أمنية، تظل ملاحقة المواطنين بشكل مستمر لنشر الزوار خيام المبيت، التى تصل إلى أسبوع، وتمهيد الطرق، ووسائل النقل فى مشهد سنوى مصرى.