استعدت الكنائس والأديرة القبطية لاحتفالات صوم العذراء، الذى بدأ اليوم السبت ويستمر لمدة خمسة عشر يومًا، وينتهى ٢٢ أغسطس الجاري، وهو صوم له مكانة كبيرة لدى الأقباط، تصومه الغالبية بزهد وتقشف «وكثيرون يفضلون أن يكون صوما انقطاعيا عن الأكل والشرب حتى الغروب، وهو من أصوام الدرجة الثالثة أو الرابعة، ويسمح فيه بتناول الأسماك والبقوليات».
ويبدأ الصوم حسب التقويم القبطي؛ أول مسرى «الموافق السابع من شهر أغسطس»، من كل عام، وحتى السادس عشر من مسرى، وهو يوم صعود جسد السيدة العذراء، وهو صوم روحاني، به عدة طقوس وتراتيل، منها: زفة الأيقونة الشهيرة بجميع الكنائس؛ تخص السيدة العذراء، إكرامًا لها، واحتفاءً بحياتها. ويضم أيضًا تذكارات ظهورها فى مصر، خاصة أعلى قباب كنيستها بالزيتون، والذى أصدرت الحكومة والكنيسة وقتها بيانًا بصحته، وحضره الرئيس جمال عبدالناصر، وأيضًا الظهورات النورانية، عام ٢٠٠٠م، وأصدرت مجلة الكرازة، بيانًغا تؤيد صحة الظهور.
طقوس ونهضة صوم العذراء مريم
وخلال أيام الصوم الخمسة عشر، يتم تنظيم نهضات روحية، يتم خلالها تقديم الترانيم والألحان، إلى جانب إقامة القداسات اليومية، وأيضًا احتفالات روحية، يطلق عليها نهضة العذراء، وكثيرون يصومون صوم انقطاعيًا عن الأكل والشرب، حتى الغروب، بينما زفة الأيقونة يشارك فيها الخدام والشمامسة، بحمل أيقونة كبيرة للسيدة العذراء.
أصل صوم العذراء مريم
اختلفت الآراء حول سبب صوم الأقباط، وقيل إن الكنيسة فرضته إكرامًا للسيدة العذراء، المطوبة من جميع الأجيال، بينما يؤكد الكثيرون أن الرسل هم الذين رتبوه، إكرامًا لرحيل العذراء، وأن القديس توما الرسول، بينما كان يخدم فى الهند، رأى الملائكة تحمل جسد أم النور إلى السماء، وعاد إلى فلسطين، وأخبر التلاميذ بما رآه، وتمنوا أن يروا ما رأى توما، فصاموا هذا الصوم، فأظهر لهم الله فى نهايته جسد البتول، ولذلك دعى «عيد صعود جسد أم النور».
بينما يذكر التقليد الكنسي، أن العذراء نفسها هى التى صامته، وأخذه عنها المسيحيون الأوائل، ثم وصل إلينا بالتقليد، لأنه كان سائدًا قديمًا، فأقره آباء المجمع المسكونى الثالث بالقسطنطينية سنة 381 م، وطلبوا من الشعب ضرورة صومه.
القمص أبرام ايميل، وكيل عام كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس فى الإسكندرية، وراعى الكنيسة المرقسية الكبرى، قال: «يعتبر صوم العذراء أكثر الأصوام المحببة للأقباط، ويتم خلال الفترة التى يصومها الأقباط، إقامة طقوس قداسات صباحية، ويتم عمل نهضة روحية، فى جميع الكنائس التى تحمل اسم السيدة العذراء مريم، وأيضًا الكنائس الأخرى، التى تحمل أسماء قديسين».
وأضاف القمص أبرام إيميل: «وفى المساء يتم صلاة رفع بخور العشية، ثم عظة روحية خاصة، وأنه من الأصوام الشعبية المحببة إلى قلوب الأقباط، والغرض منه معرفة فضائل السيدة العذراء مريم، وأهم صفاتها التى عاشت به، بإيمان ومحبة وتواضع».
تجديد مغارة درنكة
الاحتفال بأماكن زيارة العائلة المقدسة، له طابع خاص؛ حيث تقوم الأديرة التى تضم اماكن أثرية زارتها السيدة العذراء بالاستعداد للاحتفالات، بعد توقف استمر عاما ونصف العام، بسبب فيروس كورونا.
ومن أشهر الأماكن التى تحتفل بالعذراء أسيوط والمنيا، خاصة دير المحرق ودرنكة، وقامت إبروشية أسيوط بتجديد المغارة الأثرية، استعدادا لاستقبال الزوار، بينما قامت إبروشية سمالوط بإعداد أماكن للمبيت، واستقبال الزوار مسلمين وأقباط.
حكاية ظهور أول صورة للعذراء بأسيوط
كشف الكاتب الصحفي، الدكتور عبدالرحيم على، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير مؤسسة «البوابة»، قصة نشر أول صورة لظهور العذراء بأسيوط؛ وهى الصورة التى نشرتها صحيفة الأهالى وقتها، وانفرد بها وقت أن كان محررًا بها.
ونشرت مجلة آخر ساعة، التابعة لجريدة أخبار اليوم، تحقيقًا كتبه محمود صلاح، رئيس التحرير، بعنوان: «خواطر الأسبوع.. هل هذه صورة العذراء مريم؟»، وجاء فيه: «صباح يوم الأربعاء الماضي، صدرت جريدة الأهالي، وهى تحمل على صدر صفحاتها الأولى صورة كبيرة، عنوانها يقول: «أول صورة فى العالم لمريم العذراء فوق كنيسة أسيوط».
وكان الخبر المكتوب إلى جوار الصورة يقول: «تنفرد الأهالى بنشر هذه الصورة، التى التقطتها مواطنة مسلمة من سكان أسيوط، عندما سطعت الأنوار القوية فوق قباب كنيسة مارمرقس الرسول، وقرر الأهالى بعد أن تلقت هذه الصورة، الانتقال إلى أسيوط، لسماع أقوال المواطنين الذين يتابعون الظاهرة، التى بدأت منذ نحو 3 شهور، حيث تحدث المواطنون عن نور ساطع ينبلج فجأة فوق الكنيسة، وأسراب من الحمام الأبيض، تحلق فوق القباب وتختفى فجأة».
وأفردت «الأهالي» صفحتها الثالثة بالكامل، فى نفس العدد، لتحقيق صحفى ممتاز، كتبه عبدالرحيم على، والمصور خالد سلامة، اللذان سافرا إلى أسيوط، لمتابعة الظاهرة، والتقيا بالأب بانوب، وكيل مطرانية أسيوط، والأب يعقوب سليمان، وكيل المطرانية، والحاج أحمد الذى يعمل خفيرًا فى جراج يواجه الكنيسة، والحاج محمد بيومى «صاحب مقهى صغير أمام الكنيسة»، كما التقيا بعدد آخر من المواطنين؛ منهم: أحمد سيد أحمد، وممدوح فتحى أبوالعلا، وثروت سامى مرزوق.
وأكد كل هؤلاء لمحرر جريدة «الأهالي»، ظاهرة ظهور السيدة العذراء فوق الكنيسة، وظهور نور قوي، يغمر قباب الكنيسة وما يجاورها، وظهور أسراب من الحمام فجأة ليلا، تطير فوق الكنيسة وسط الظلام، ثم تختفى فجأة رغم أنه معروف أن الحمام لا يطير فى الظلام.
والحقيقة أن جريدة «الأهالي»، لم تكن هى الأولى التى تحدثت عن ظاهرة ظهور السيدة العذراء فوق كنيسة أسيوط، فقد اهتمت الكثير من الصحف والمجلات بهذا الأمر.
وكانت «آخر ساعة»، من أولى المجلات، التى حاولت البحث عن حقيقة الظاهرة، وسافرت الزميلة الصحفية «منى ثابت» إلى أسيوط، وسجلت بالصورة والكلمة، تدافع عشرات الآلاف من الناس، وهم يحتشدون فى الشوارع، وعلى أسطح المنازل المحيطة بالكنيسة، أو كما قالت بالحرف الواحد «حشد متنوع الفئات والطبقات والثقافات والجنسيات والأديان والطوائف.. مراسلو وكالات أنباء أجانب صعايدة بالجلاليب.. شباب جامعات.. تلاميذ مدارس.. زوار من الأرياف والمدن.. أطباء ولواءات وموظفون من كل مهنة.. بسطاء وأثرياء.. باختصار شعب الله كله»!
وكان الشيء الذى أجمع عليه الجميع تقريبًا، وكما ذكرت الزميلة الصحفية منى ثابت: «رأيت ضوءًا كالبرق فى سرعة ظهوره واختفائه.. ضوءًا نقيًا صافيًا هادئًا.. ينبثق من منارتى الكنيسة.. يضيء الحوائط الأسمنتية.. ويزداد الاندفاع والاتساع.. يكسو النور، ويغمر أجساد وقلوب جموع الشعب المزروع فى كل شبر حول الكنيسة.. ينطلق النور مرات متتالية، خاطفة مثل فلاش الكاميرا.. كالحلم.. ثم يستكين».
وتابعت: «لكننا هنا الآن لا نحقق فى مسألة ظهور السيدة العذراء.. إنما نحن فقط نسأل: هل صحيح أن الصورة التى نشرتها جريدة الأهالي.. هى حقا «أول صورة فى العالم لمريم العذراء؟»، ذلك.. هو السؤال! وأعترف أننى توقفت كثيرا أمام الصورة، ليس.. بعين الشك!، ولكن «بعين تريد الحقيقة».
ومضى «يوم الأربعاء»، الذى نشرت فيه جريدة «الأهالي» الصورة، وانتظرت فى الأيام التالية صدور أى تعليق من الكنيسة؛ ووجدت أن ضميرى كصحفى وكإنسان يفرض على محاولة البحث عن حقيقة هذه الصورة. وكان من الطبيعى أن يكون أول من ألجأ إليه فى بحثي.. هو قداسة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية.
فاتصلت بمكتب قداسة البابا شنودة، وتحدثت إلى سكرتيره الخاص الأنبا يؤنس، وأخبرته بقصة الصورة التى نشرتها جريدة «الأهالي». وكتبت تقول إنها أول صورة للسيدة مريم العذراء فى العالم، وطلبت منه أن أتحدث إلى قداسة البابا شنودة حول هذا الموضوع. أمهلنى الأنبا يؤانس سكرتير البابا وقتها بضع دقائق، ظللت فيها على سماعة التليفون. ثم عاد ليقول لي: إن قداسته يبلغك أنه لم يذهب إلى أسيوط حتى الآن.
سألته: ماذا إذن؟؛ قال: قداسته ينصحك بسؤال مطران أسيوط، الأنبا ميخائيل.. أو من ينيبه.. ووجدت أن رد قداسة الباب شنودة منطقى فعلا.
وأن من الأصح أن أسأل مطران أسيوط.. ألم يتحدث الناس عن ظهور العذراء فى أسيوط؟، لكنى قبل أن أتصل بمطران أسيوط، كان لا بد لى من أن أتصل بشخص آخر. الصحفي.. الذى نشر الصورة!
وقالت: اتصلت بالزميل «عبدالرحيم على»، الصحفى بجريدة الأهالي.. وسألته: من أين حصلت على الصورة التى ذكرت جريدتك أنها أول صورة للسيدة مريم العذراء؟، قال لي: هذه الصورة حصلت عليها منذ شهرين تقريبًا، من إحدى صديقات زوجتي، وهى سيدة مسلمة من سكان أسيوط، كانت قد ذهبت إلى كنيسة مارمرقس الرسول فى أسيوط، ليلة ظهور العذراء، وكانت معها إحدى صديقاتها، وكانت هذه السيدة تحمل معها كاميرا، وما إن ظهر النور القوى فوق قباب الكنيسة، حتى وجهت الكاميرا نحوه، وعندما قامت بتحميض الفيلم فوجئت بظهور هذه الصورة للسيدة مريم العذراء.
سألته: وهل ذكرت لك هذه السيدة، أنها شاهدت بعينيها السيدة مريم العذراء، التى ظهرت فى الصورة؟ قال: لا.. لقد ذكرت لى أنها فقط شاهدت النور القوي، المهم أنها أعطتنى الصورة، وقد احتفظت بها كل هذه الفترة، ثم فى النهاية عرضتها على مجلس تحرير «الأهالي»، الذى قرر ذهابى مع المصور خالد سلامة إلى أسيوط، لنحقق الظاهرة، وقد شاهدت هناك بعينى فعلا أشياء لا يمكن تفسيرها بمجرد النظر، كما شاهدت حمامة بيضاء كبيرة، تظهر فجأة فوق رؤوسنا، ثم تختفى فى الظلام.. لكن عن نفسى لم أشاهد الصورة ذات الملامح، التى أعطتنى إياها هذه السيدة، ونشرتها الأهالي.
مرة أخرى أقول وأؤكد لنفسي: اننى فى رحلتى هذه لا أناقش مسألة «ظهور السيدة العذراء»!، لأننى أعلم أن الكثير من المصادر تحدثت عن ظهور سابق للعذراء فى الماضي،
سألته: وكيف كانت أوصاف السيدة العذراء فى هذه الظهورات المختلفة؟
قال: دائمًا.. كانت ترتدى الرداء الأبيض والعباءة الزرقاء.. وكانت تظهر بصورة ملامح فتاة شرقية.. من فلسطين.
هل أنا فى حاجة لسؤال رجال دين آخرين؟ نعم.. بالتأكيد.
أسأل الأنبا بسنتي، أسقف المعصرة وحلوان. فيقول: لقد عاصرت بنفسى ظهورات السيدة العذراء عام 1968، فى كنيسة العذراء بالزيتون، وكانت تظهر بهيئة منظورة مجسمة، تقريبا مثل الصورة المألوفة لدينا، لكنى لم أذهب إلى أسيوط، حيث كنت مسافرا إلى أستراليا والإمارات.
أقول له: انظر إلى الصورة التى نشرتها جريدة الأهالي.. ما رأيك فيها؟، يقول: الصورة «الطقسية» أو التقليدية للعذراء فى الكنيسة القبطية، تصورها حاملة السيد المسيح وهو طفل، وتكون هى عن يمينه، وهى دائما ترتدى تاجًا باعتبارها الملكة، وأحيانا تكون حولها نجوم على أساس أنها السماء الثانية، وأحيانا يكون حول رأسها هالة مضيئة وهى الهالة التى تميز القديسين.
وكان مجلس الكهنة بأسيوط، قد أصدر بيانا عن هذه الظهورات والتجليات وما رآه الناس يوم 30 أغسطس الماضي، قال فيه: فى الآونة الأخيرة نشرت «جريدة الأهالي» موضوعا عن هذه الظهورات الروحية، ونقلت أحاديث عن شهود العيان المجاورين للكنيسة من المسلمين والمسيحيين، وأظهرت المحبة الكامنة عندما أتت بحديث لفضيلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الجامع الأزهر، الذى ركز على مكانة العذراء عند الأخوة المسلمين، وكذلك نشرت الأهالى حديثا مع قداسة البابا شنودة الثالث، عن هذه الظهورات السماوية الباهرة. مما جعل المقال وما احتواه من أحاديث وصور ليست غريبة علينا.. أما بالنسبة لصورة العذراء التى نشرتها الأهالي، فهى واحدة من الصور التى التقتطها عدسات أو كاميرات الزائرين وشهود العيان
«وأجمع الجميع على أن العذراء ظهرت فوق قباب الكنيسة، وأنهم شاهدوا أنوارا تتلألأ حول مبنى الكنيسة، وبداخل المنارتين وبالتحديد ابتداء من الساعة العاشرة والنصف ليلا، واستمر ذلك حتى الصباح، أى من نهاية يوم الخميس 17 ديسمبر إلى فجر الجمعة 18 ديسمبر.. وعند سماع هذه الأخبار قام كهنة كنيسة مارمرقس بأسيوط بمغادرة الدير.. وذهبوا إلى الكنيسة ليتحققوا من الخبر فى نحو الساعة التاسعة صباحا، فوجدوا زحاما شديدا أمام وحول الكنيسة، ووجدوا بعض رجال الأمن، الذين كانوا متواجدين طوال الليل، كما وجدوا بعض مراسلى الصحف.