يعد "محمد علي باشا"مؤسس مصر الحديثة، حيث نهضت الدولة المصرية في عهده اقتصاديا، وسياسيا وعسكريا.
فمنذ أن جاء "محمد علي" إلى سدة الحكم في مصر، لم يتوان لحظة في إعادة رسم خارطة البلاد وهيكلتها مرة أخرى، بما يتناسب مع آمال وتطلعات الشعب المصري آنذاك.
وفور أن انتهى داخليا من قتال المماليك والسيطرة عليهم، تمدد بجيشه إلى الخارج، حيث حارب بالوكالة عن الدولة العثمانية ضد الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية.
والتي كادت أن تفسد على الناس دينهم ودنياهم، حيث خرجت أفكارها من رحم النجدي "محمد بن عبدالوهاب"مكفرة السواد الأعظم من المسلمين، مخربة وهادمة قباب وأضرحة الصحابة والصالحين.
وكادت أن تطول أياديها التكفيرية والتخريبية المسجد النبوي الشريف، بضريحه الأنور حيث يرقد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابيين الجليلين، سيدنا أبوبكر وسيدنا عمر رضى الله عنهما!
فكان القتل والتخريب، وكانت الغلظة والترهيب، لجموع الناس في شبه الجزيرة العربية بدعوى التجديد الفكري، ومحاربة البدع!
حتى أن الشيخ "سليمان بن عبدالوهاب" شقيق النجدي "محمد بن عبدالوهاب" قد أعلن انشقاقه على شقيقه بأن ألف كتابا أسماه: "الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية".
وهكذا ظل "محمد علي" محاربا لا يشق لسيفه غبار، حتى واصل حربه ضد الثوار اليونانيين، ولولا مصلحة الغرب في الإبقاء على الدولة العثمانية وقتذاك، لأكمل "محمد على" مسيرته، نحو إسقاط الدولة العثمانية إلى الأبد.
لم تقتصر طموحات "محمد على باشا" على هذا النحو فحسب، بل امتدت لتوسيع إقليم الدولة المصرية وبالتالي تأمين كافة حدودها من جميع الجهات.
قدم "محمد علي" الى البلاد ضابطا صغيرا في الحملة العثمانية التي جردتها تركيا لاخراج الفرنسيين من البلاد.
كما عايش نهاية عصر الحملة الفرنسية، فلو كان إنسانا عاديا لانتهى شأنه بما انتهى اليه حال معظم ضباط الجيش التركي!
ولكنه بذكاء المقاتل رأى في الأفق تطلعات الأمة المصرية إلى الحرية، وما يحاك بصدرها من آلام الاحتلال،ومدى سخطها على النظام القديم!
فسايرها في تطلعاتها،وماشاها في آمالها، ورسم لنفسه خطة الوصول الى عرش مصر عن طريق ارادة الشعب، وهي فكرة مبتكرة بالقياس الى ذلك العصر تدل على ذكاء "محمد علي" ودهائه وبعد نظره.
وإذا كان "محمد علي باشا" من خلال رؤيتي إلى جانب المنصفين من السواد الأعظم خير اختيار لمصر،حيث صنع منها دولة قوية، استطاعت في عصره، أن تعلن عن نفسها، ككيان كبير، له ثقله المؤثر في كافة الأحداث إقليميا ودوليا.
وإذا كان الحال كذلك، فإن الغريب هو نشر "المؤرخ الإخواني" علي الصلابين كتابه: "الدولة العثمانية" ضاربا بكل خطوط التاريخ عرض الحائط،ناعيا على"محمد علي باشا"متهما إياه بالماسونية والتآمر على الإسلام!
وإن كان هذا ليس بغريب على مؤرخ الجماعة الإرهابية والذي عرف واشتهر بأنه صليب الرأي في الكثير والكثير من الثوابت التاريخية.
إلا أنه وجب الرد من القائمين على التاريخ تصحيحا للمفاهيم،وانقاذا لعقول الأجيال من العثمانيين الجدد، الذي يعملون غاية جهدهم خدمة للعثمانيين القدامى، بل وربطا مشينا في تزييف حقائق التاريخ!
فبلا أدنى تعصب أو مزايدة، لقد صنع "محمد على باشا" من مصر دولة قوية، ذات إرادة منفردة،قالت كلمتها،وتحركت همتها لضرب قوى الظلام، بل وغزوها في عقر دارها، وإسقاط أوهام المحتل،وتغيير النظرة الخارجية نحو مصر وإرادتها الحرة المستقلة إلى الأبد.
وإذا كنا متفقين أن أي نظاما بشريا له ما له وعليه ما عليه، وأن "محمد علي باشا" واحدا من هؤلاء الذين هم في ميزان التاريخ، الا أن محاولة تزوير التاريخ ببشاعة ودون تجرد، كما فعله "الصلابي" في مؤلفه المشار إليه آنفا،هو ضرب من الخيال، وحول فكري، يجب مواجهته بمصادرة هذا الكتاب وتتبع القائمين على نشره وتوزيعه.
فإذا كانت المواجهة العسكرية قد انتهت شيئا قليلا،مع معاول ومخالب الإرهاب المتطرف، إلا أن المعركة الفكرية كانت وما زالت وستظل قائمة، يجب مواجهتها، وأدا لأفكارها المغلوطة وتصحيحا للمفاهيم.
آراء حرة
محمد علي باشا والعثمانيون الجدد
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق