يغيب عن الكثير من الباحثين من أن حركة الإخوان المسلمين لها علاقة بالعنف بصورة المختلفة، وأن هذه العلاقة ليست حبيسة الأوراق التي كتبها الإخوان المسلمين أو كتبت عنهم وتحكي مرحلة نشأة النظام الخاص للجماعة أو ذراعها العسكري، فأي متابع ومراقب يستطيع أن يقرأ عنف الإخوان بدءًا من الفكرة التي طرحها المؤسس الأول للتنظيم حسن البنا ومرورًا بممارسات التنظيم قديمًا وحديثًا وانتهاء بالتطبيق العملي للفكرة، علاقة الإخوان بالعنف لم تقتصر على ممارسته ولكن على تصدير فكر العنف للأفراد والجماعات الأخرى.
هذه الفكرة التي توصل إليها الباحث والأكاديمي الدكتور جمال سند السويدي في كتابة (جماعة الإخوان المسلمين في دولة الإمارات العربية المتحدة.. الحسابات الخاطئة)، فنجح صاحب الكتاب في تحليل واقع التنظيم وفكرته التي نشأ عليها، وقارب بين ما طرحه التنظيم نظريًا من خلال أفكاره وبين ممارسات التنظيم قديمًا وحديثًا في مصر وفي كل الدول التي يتواجد فيها وبخاصة الإمارات.
كان الوزير جمال سند السويدي في فكرته التي طرحها في كتابه الذي صدر منذ أسابيع قليلة مقنعًا إلى حد كبيرًا، فأغلب استشهادات الكتاب كانت من واقع الأدبيات المروية عن التنظيم من قادة التنظيم أنفسهم، ولذلك نجح في تفكيك الفكرة من أقوال التنظيم وقادته، وهذا من أفضل صور المواجهة التي لا نلمسها عند كثر من الكتاب المتخصصين المعنين بدراسة ظاهرة الإسلام السياسي.
الحسابات الخاطئة من أهم الكتب التي شرحت واقع التنظيم في أخر 10 سنوات، وتبدو أهمية الكتاب في قدرته على تحليل وضع التنظيم وقراءة مآلاته المستقبلية، فرغم أن الكتاب أغرق في الكتابه عن الإخوان المسلمين في مصر إلا أنه كان مقنعًا عندما تحدث بشكل مقتضب عن الإخوان في الإمارات، والذي استقى الكتاب عنوانه منه، ولذلك يعد هذا الكتاب من أهم الكتب التي تناولت الإخوان المسلبمين قديمًا وحديثًا وقراءة وضعية التنظيم مستقبلًا، فقد أجاب صاحبه على السؤال الأهم، إلى أين يذهب مستقبل الإخوان؟
إمتاز الكاتب كعادته بإسلوب رشيق في العرض، فجمع كتابة بين الكتابة العلمية الرصينة وبين العرض التحليلي الرشيق، فما أن تقع عينك على السطر الأول من الكتاب فلا تتركه إلا وقد إنتهيت من قراءة ثلاثمائة صفحة تحكي تاريخ أسود لأخطر جماعة متطرفة، وهنا نجح الكتاب في جذبك للقراءة عن تنظيم متطرف، فغالبًا هذه النوعية من الكتب والكتابات لا يكون لها رواجًا بين القرّاء، وهذا ما ميز قلم "السويدي" الذي نجح في استثمار خبراته البحثية وقراءاته قي تقديم وجبة دسمة ولكنها سهلة الهضم لكل من يفتح دفتي الكتاب.
وضع جمال سند السويدي يده على الجرح عندما كشف أن مشكلة الإخوان المسلمين ليست في أداءها السياسي المترهل، وعندما كشف أيضًا أن سقوط التنظيم في مصر لم يكن سقوطًا سياسيًا فقط؛ خطر التنظيم في أفكاره، وأن سقوط التنظيم دليل على تكلس أفكاره وعدم مناسبتها للواقع وعدم مطابقتها لصحيح الدين، هم عبئ على الدين والدولة معًا، وهو سر انتفاضات الشعوب ضدهم، انهيار التنظيم لا يمكن اختصاره في سقوط، وإذا جاز القول فإن السقوط مرتبط بسقوط الفكره قبل أن يكون للأداء السياسي.
أعاد الكاتب في كتابة القراءة التي كنا نبحث عنها دائمًا ونفتقدها عند كثير من الباحثين المتخصصين في دراسات التنظيمات المتطرفة، وياليته استمر واستثمار قدرته هذه وخبراته المتعددة في إنتاج موسوعة تضم كل تنظيمات العنف والتطرف على مدار مائة عام، يقرأ لنا من خلالها هذه التنظيمات قراءة واقعية ممزوجة بالتحليل، فتطرف هذه التنظيمات لا يحتاج في مواجهتها إلى السب والقذف بقدر ما يحتاج إلى القرأة الدقيقة فقط، فحال وترحال هذه التنظيمات يكفي لانصراف الناس عنها.
ما نود قوله في التعليق على الحسابات الخاطئة للوزير جمال سند السويدي، بأنه نجح من خلال كتابه في قصف جبهة الفكرة المؤسسة للتنظيم المهترئ، صحيح التنظيم ضعيف وفي أضعف حالاته، ولكن فكرته مازالت مغرية للآخرين، وهو ما يفرض علينا عبئًا في المواجهة يتطلب منا فقط كشف واقع التنظيم وقراءته قراءة دقيقة، وهو ما فعله الكاتب وظهرت ملامحه بجلاء في الكتاب.