الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

القس سهيل سعود يكتب: كونوا رحماء كما أن أباكم السماوي أيضًا رحيم

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«الرحمة والشفقة» كلمتان غالبًا ما نستخدمهما بشكل متبادل دون أن ندرك أن هناك فرقًا أساسيًا بينهما. ففى حين أن الكلمتين تشتركان فى نفس معنى، «الاهتمام بالإنسان الآخر الذى لديه ألم معيّن»، إلاّ أنها تختلفان عن بعضهما اختلافًا كبيرًا. هناك كلمتان فى اللغة العبرية الأصلية التى كُتِب فيها العهد القديم من الكتاب المقدس، اللتان تترجمان بكلمة «رحمة» باللغة العربية، هما: الأولى، «رحميم»، والتى تنحدر من كلمة الرحم أو رحم الأمّن حيث يكون الطفل الجنين محاطًا بالحماية والمحبة والاهتمام. والثانية، كلمة «هسيد»، والتى تعنى القدرة على تصوّر الإنسان نفسه مكان الآخر، ورؤية حاجته وآلامه من خلال عينيه. 

أما معنى كلمة «شفقة»، باللغة العبرية «شانان»، تعنى «أن تميل للآخر». وتحمل كلمة، «شفقة» باللغة الفرنسية واللاتينية صفة «الواجب»، أو الشعور بالعطف وبآلام واضطراب الإنسان أو حتى الحيوان، دون تعاطف حقيقى معه، والشعور بأن ما حدث معه لا يستحقّه. وفى بعض الأوقات قد يرافق الشعور بالشفقة، شعور باحتقار الآخر المتألم. تكلّمت الحضارة الرومانية التى ترعرعت المسيحية فى وسطها عن أربعة قيم أساسية، هي: الحكمة، العدالة، الشجاعة والاعتدال. لكن الرحمة لم تكن متضمنة، فى القيم الرومانية، إلى أن أتت المسيحية وجعلت من الرحمة أعظم الفضائل. احتقر الرومانيون الشفقة. وكتب الفيلسوف الرومانى أرسطو، «بأن مشاعر الشفقة هى مزعجة» 
الرحمة فى الكتاب المقدس هى فى الجوهر فضيلة وسمة إلهية أساسية. وهى تتضمّن غفران الخطايا. بينما الرحمة الإنسانية تبقى نسخة ضعيفة عن رحمة الله. قال المسيح: «كونوا رحماء، كما أن أباكم السماوى أيضًا رحيم» (لوقا6: 36). تعتبر الرحمة من أعظم القيم الكتابية والإنسانية. فهى جزء من مشاعر المحبّة التى تُبنى عليها الفضائل الإنسانية. فهى تتضمّن عمقا، عاطفة، شوقا كبيرا للتخفيف من آلام المتألّمين. كلمة «رحمة»، فى اللغة اللاتينية تعني، «أن تتألّم مع الآخر».
الشفقة هى شعور الإنسان بالأسف على حالة ألم، استجدت على نفسه أو على أناس آخرين. حول شفقة الإنسان على نفسه، كتب الكاتب جون غاردنر، قائلا: «الشفقة على الذات هو الموقف الأكثر تدميرًا للإنسان. إنه يصبح نوعًا من الإدمان. مع أنه يمنح الإنسان لفترة قصيرة الشعور بالسعادة، إلاّ أنه يفصل الإنسان عن الواقع الحقيقي. الشفقة على الذات تعكس عدم القدرة على قبول الوضع المستجد فى حياة الإنسان. التمحور الدائم حول مشكلات الإنسان واضطراباته. الشعور بأنه ضحية. العطش الشديد من أجل الحياز على عاطفة وتعاطف الآخرين. الشعور بالعجز الكلّى على التفكير. الشفقة على الذات هو إحساس مُبالغ بالشفقة والشعور الكبير بالخسارة. قالت الكاتبة هيلن كالار، «عدوّنا الأسوأ هو الشفقة على الذات. إذا ما استسلمنا له، لن نستطيع أن نقوم بأيّ شيء حكيم فى هذا العالم». الشفقة على الذات تعنى الارتباط بشكل لا ينفصل عما حدث معك فى الماضي. البقاء فى الماضى وفى ذهنيّة الماضى عندما تقع مصيبة ما. الشفقة على الذات تظهر الشعور بمدى منخفض جدًا من تقدير الإنسان لنفسه، فيعيش الذى لديه هذا المستوى من تقديره لنفسه، على تعاطف الآخرين وشفقتهم عليه. الشفقة هى شعور من جانب واحد، أما الرحمة فهى شعور متبادل من جانبين. الشفقة على الذات هى وسيلة جبانة للدفاع عن النفس. أن تشعر بالأسف على نفسك لما حدث معك هو أمرٌ طبيعي، لأنه قد يكون نقطة البداية لتطوّر تقبّل حالتك المستجدة والصعوبات التى ترافقها. إلاّ أن تحوّل الشعور بالأسف إلى الشفقة على الذات هو أمرُ غير صحيّ.
الرحمة، هى شعور داخلي، ينبع من قلب وفكر الإنسان، الرحمة تمتلك الارادة والقدرة، على التواصل وشفاء الآخرين المتألّمين. الشفقة تنظر إلى الآخر المحتاج للمساعدة على أنه فى مرتبة أدنى منه، على أنه ضحية. وهذه النظرة من الممكن أن تساهم فى زيادة آلامه. الرحمة لا ترى أبدًا الإنسان الآخر كضحية، لكن فقط كفرد يمرّ فى أوقات صعبة ومؤلمة. فالإنسان الذى ينظر للمتألّمين بعين الرحمة، فإنه لا يتعامل معهم بطريقة فوقية، وإنما بمساواة، فيمدّ يدّ العون إليهم ويدعمهم ويرفع من شأنهم فى الأوقات الصعبة. قال النبى ارميا الذى كان فى حالة ألم: «سمعوا إنى تنهدت، لا معزّى لي» (مراثى إرميا1: 21). يشعر المتألّمون بأنهم مهجورون، متروكون، بحاجة إلى أحد. فعطية التواجد مع المتألّم، تعوّض قليلًا عن عدم قدرة الإنسان الرحوم على مساعدة ومساندة المتألم فى آلامه. فالوجود إلى جانب المتألّمين يمنح القوّة والدعم لهم. الإنسان الرحوم يوصل رسالة مفادها، ليس فقط أنا أشعر بآلامك وأتألّم معك، ولكنه يقر أن عجزه عن مساعدته، هو أيضًا مصدر لألمه. فإظهار الرحمة، يعنى أن تكون بجانب من هم بحاجة إليك، دون أن تحكم عليه وتدينهم. الشفقة تعنى أن نشعر بالتعاطف مع المتألّم، بينما الرحمة، تعنى أن نشعر بالتعاطف مضافًا، إليه الرغبة فى مساعدة الآخر. الشفقة هى مشاعر، بينما الرحمة هى مشاعر وفضيلة.