احتفلت البطريركية الاورشليمية بعيد النبي ايليا التسبيتي واقيمت خدمة القداس الالهي بهذه المناسبة في دير النبي ايليا الواقع على الطريق ما بين القدس وبيت لحم.
واعلنت البطريركية اليوم تفاصيل الاحتفال في بيان رسمي نشرته السكرتارية العامة حيث أوضحت أن البطريركية الاورشليمية تقيم تذكار القديس المجيد ايليا النبي الذي يرجع إصله من تسبيت، رجل الله الذي دُعي بالغيور. كان لهذا النبي العظيم إيمان عميق وتقوى قوية لدرجة أن الرب سمع صلاته وحبس الأمطار لمدة ثلاث سنوات وبصلاته أيضًا فُتحت أبواب السماء وهطلت الأمطار ثانية. سمع الله صلاته وتحدا ايليا انبياء البعل وانزل نارًا من السماء واكلت ذبيحة التقدمة التي قدمها على جبل الكرمل.
بالنسبة للكنيسة إيليا هو ” الملاك بالجسم، قاعدة الأنبياء وركنهم، السابق الثاني لحضور المسيح، إيلياس المجيد الموقر، لقد أرسلت النعمة، من العلى لأليشع، ليطرد الأسقام، ويطهر البرص، لذا يفيض الأشفية لمكرميه دائما وكانت نهاية النبي إيليا أنّه عبر وتلميذه أليشع الأردن. وفيما هما يسيران ويتكلّمان إذا مركبة من نار وخيل من نار فصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء.
واضاف البيان أنه ترأس خدمة القداس الالهي بطريرك المدينة المقدسة اورشليم كيريوس ثيوفيلوس الثالث يشاركة في الخدمة متروبوليت كابيتاليس كيريوس ايسخيوس، رئيس أساقفة قسطنطيني كيريوس اريسترخوس، رئيس أساقفة بيلا كيريوس فيلومينوس، متروبوليت إلينوبوليس كيريوس يواكيم، قدس الأرشمندريت بارثلماوس، قدس الأرشمندريت مكاريوس، قدس الأرشمندريت أيسيذوروس، المتقدم في الشمامسة الأب ماركوس الشماس المتوحد الأب إفلوغيوس، الأب خرالامبوس بنور والأب جوارجيوس برامكي كهنة كتدرائية يعقوب اخو الرب وقدس الأب يوسف الهودلي. ورتل قدس الأرشمندرينت إفسيفيوس الصلاة باللغة اليونانية وخورس كتدرائية يعقوب التراتيل باللغة العربية بقيادة السيد ريمون قمر. وحضر الخدمة القنصل اليوناني العام السيد إفانجيلوس فليوراس وعدد من المصلين.
اختتم البيان بعد القداس استضاف مُشرف الدير الراهب أخيليوس الحضور في قاعة الدير وأعد مأدبة طعام على شرف البطريرك والأساقفة والآباء.
وألقي كلمةبطريرك المدينة المقدسة كيريوس ثيوفيلوس الثالث بمناسبة عيد القديس النبي إيليا هذا نصها
وقام بترجمتها قدس الأب الإيكونوموس يوسف الهودلي يتفوه مرنم الكنيسة قائلًا: يا إيليا المغبوط من الله، لقد رأيت، ليس بزلزالٍ، بل بنسيم لطيف، حضور الإله، منيرًا إياك قديمًا، فارتقيت إلى السماء، راكبًا على مركبة ذات أربعة أفراس بحال مستغربة، صائرًا عجيبًا يا ملهَمًا من الله.
أيها الإخوة المحبوبون في المسيح
أيها المسيحيون الزوار الأتقياء
إن الملاك بالجسد قاعدة الأنبياء إيليا التسبيتي قد جمعنا اليوم في هذا الهيكل الموقر لكي نعيد لتذكاره الموقر وننشد تسبيحًا للمسيح إلهنا الذي مجّدهُ وشرفهُ.
لقد شُرِّفَ ومُجِّدَ إيليا اللاهج بالله من الله صائرًا إناءً حيًا للروح القدس الذي أسبغ عليه موهبة النبوءة من جهةٍ والمقدرة على صنع العجائب من الجهة الأخرى كما يقول صاحب المزمور ” لأن الربَ عظّم صدّيقه”(مز 4: 4)
حقًا لقد وُصِف إيليا التسبيتي بأنه جمال الأنبياء الممتاز المحلق في العلاء فقد صار كموسى آخر معاينًا لله وكبولس آخر “سَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا. (2كور 12: 4). لهذا فإن المرتل يقول عنه: إنّ التسبيتي قد حصل معاينًا لله. فإنّه، مع موسى، قد أبصر الأمور التي لم ترها عينٌ، ولم تسمع بها أذُنٌ، ولم تخطر على قلب بشرٍ من الأرضيين، مشاهدًا الربّ الضابط الكلّ،
ويورِدُ لنا القديس يعقوب في رسالتهِ الجامعة عن قوة الصلاة مستشهدًا بنموذج صلاة النبي إيليا إذ يقول: ” طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا. كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا. فمن خلال فاعلية صلاة النبي إيليا التسبيتي. اَلطَّاهِرُ الْيَدَيْنِ، وَالنَّقِيُّ الْقَلْبِ، (مزمور 23: 4) فإنه لم يربط فقط السماء بكلامه بل أيضًا أخزى جميع كهنة الخزي أي أنبياء البعل الكذابين وأقام بكلمةٍ ابن أرملة صرفت من أعمال صيدون وارتقى إلى السماوات بمركبةٍ نارية وبردائه منحَ أليشع نعمة مضاعفة. ويقول كاتب سفر حكمة سيراخ: وَقَامَ إِيلِيَّا النَّبِيُّ كَالنَّارِ، وَتَوَقَّدَ كَلاَمُهُ كَالْمِشْعَلِ..مَا أَعْظَمَ مَجْدَكَ، يَا إِيلِيَّا، بِعَجَائِبِكَ، وَمَنْ لَهُ فَخْرٌ كَفَخْرِكَ؟ (سيراخ 48: 1-4). ويتساءل هنا كاتب حكمة سيراخ قائلًا: كم مجدك عظيم يا إيليا بأعمالك العجائبية من يستطيع أن يفتخر أنه يشبهك، إن هذا الحدث يخص خبرة المعاينة أو بالأحرى الرؤية الإلهية والتي حدثت له عندما كان إيليا يائسًا ومنتفخًا من الكبرياء.
فَقَالَ إيليا فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا فَقَالَ “الرب” «اخْرُجْ وَقِفْ عَلَى الْجَبَلِ أَمَامَ الرَّبِّ». وَإِذَا بِالرَّبِّ عَابِرٌ وَرِيحٌ عَظِيمَةٌ وَشَدِيدَةٌ قَدْ شَقَّتِ الْجِبَالَ وَكَسَّرَتِ الصُّخُورَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الرِّيحِ. وَبَعْدَ الرِّيحِ زَلْزَلَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الزَّلْزَلَةِ. وَبَعْدَ الزَّلْزَلَةِ نَارٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي النَّارِ. وَبَعْدَ النَّارِ صَوْتٌ مُنْخَفِضٌ خَفِيفٌ وهناك كان الرب
فكل من العاصفة والزلزال ونار الرؤية الإلهية لإيليا وكذلك الرعد والبرق للرؤية الإلهية لموسى يتعلقون بالطبيعة الإلهية التي لا يسبر غورها. وأما العلامة الرابعة الذي هو الصوت المنخفض الخفيف، قد أُعطيت حصريًا في رؤيا ومعاينة إيليا وتتميز وتختلف تمامًا عن رؤيا موسى وهذا يوضح بشكل فعال سَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، ومحبة الله وطول أناته الذي يريد أن يلتقي مع مؤمنيه في السكينة والهدوء لا في العلامات العنيفة.
وبكلامٍ آخر إن النسمة أو الصوت الخفيف بحسب الأب يوئيل يانوكوبولس يشكل رمز محبة الله إذ أن طريقة ظهور الله تعلم النبي إيليا الذي كان يوجد في قمة اليأس والقنوط بسبب انتصار الشر، أنه كان على النبي أن يفكر في محبة الله وطول أناته الذي لا يشاء موت الخاطئ إلى أن يرجع ويتوب.لأن الرب يقول لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ». وبحسب القديس بولس الرسول أن الله يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ.
ويفسر مجازيًا القديس كيرلس الإسكندري معاينة النبي إيليا لله على جبل حوريب قائلًا:” من يطلب الله حقًا كالنبي إيليا سيجده في جبل حوريب وسيلِدُ مجددا من خلال تعب النسك وممارسة الفضائل وسيجده أيضا في مغارة حوريب والتي اقصد بها التواضع التي هي قمة المعرفة والتي تكمن في اكتساب ممارسة الفضائل.
وبكلام آخر فإن القديس كيرلس يعتبر النبي إيليا مثالًا ونموذجًا للعمل الروحي الحقيقي وللبحث عن الله أي المعرفة الإلهية فبالطبع فإن كل مؤمن يجاهد عمليًا متمثلًا بالنبي إيليا سيستحق ليس فقط لاكتساب الفضائل بل أيضًا للمعاينة التي هي رؤية مجد الله
الجدير بالذكر أيضًا أيها الإخوة الأحبة بأن الله يختار الظواهر الطبيعية كالريح العظيمة أي العاصفة والزلزال والنار ولا يُظهرها فقط للأنبياء ولأبراره بل أيضًا يُظهرها لأولئك للذين يرفضونه وينكرونه وذلك لكي يعلموا بأن الله هو الذي من لا شيء خلق العالم أي الخليقة المنظورة وغير المنظورة، لهذا فإن القديس بولس الرسول يذكر سقوط الإنسان والخليقة التي تبعت سقوطه قائلًا: إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْباطْلِ -لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الله الَّذِي أَخْضَعَهَا –عَلَى َرجَاءِ.
فنحن مكرمي تذكار النبي المقدس متضرعين إليه بما له من الدالة لدى الله ومع المرنم نهتف ونقول:” إنّ إيليا النبي، لمّا شاهد آثام الناس الكثيرة، ومحبّة الله للبشر التي لا تحدّ، احتدم غيظًا، وأنشأ كلام القساوة لدى المتحنّن هاتفًا: أيها القاضي العادل، أسخط على الذين عصوك. لكن تحنّن الصالح، لم يجنح بالكلية لعقوبة الذين خالفوه، لأنّه، على الدوام، يتوقّع توبة الجميع، المحبُّ البشر وحده الذي ينبغي له كل مجد وإكرام وسجود إلى دهر الداهرين.