قال الدكتور مصطفى إبراهيم تيسيرتش الأزهري مفتي البوسنة السابق: الحمد لله على كرامة الإنسان التي هي عزة مصرَ التي هي هبة النيل الذي قال فيه رسول الله كما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ: كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ".
وأضاف خلال كلمته بالمؤتمر العالمي السادس لدار الإفتاء المصرية: أينما وُجِدَ النهر وُجِدَ المسلمون وأينما وُجِدَ المسلمون وُجِدَ ماءٌ طاهرٌ وماءٌ طهورٌ للمتطهرين وهم صانعو الثقافة الإنسانية والحضارة العالمية الفريدة، حيث احتوت كل الشعوب والأمم المختلفة.. قال سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}. فحول نهر الْفُرَاتِ جعل الله مدينة بغداد حيث وضع الإمام أبو الحسن الأشعري الأسس الصحيحة لعقيدة أهل السنة والجماعة؛ وحول نهر النِّيلِ جعل الله مدينة القاهرة حيث جرَّد أبو جعفر الطحاوي العقيدة الإسلامية من البدع؛ وحول نهر سَيْحَان َ وَنهر جَيْحَانَ جعل الله مدينة البخاري حيث جمع الإمام محمد بن إسماعيل البخاري صحيحه في الحديث، وجعل الله مدينة سمرقند حيث تبلورت العقيدة الصحيحة لأهل السنة والجماعة على يد الإمام أبي منصور الماتريدي، إمامِ أهلِ السنةِ والجماعةِ وإمامِ الهدى وإمامِ المتكلمينِ ورافعٍ أعلامَ السنةِ والجماعة وقالعٍ أضاليل الفتنة والبدعة.. فقد أضاء هؤلاء الأعلام الثلاثة من الماضي الطريق الحاضر العاجل والطريق المستقبل الآجل لأمتنا في العقيدة الصحيحة والشريعة السمحة التي تدعو إلى السعادة والسرور.
وتوجه بالتحية للعلماء والمشايخ والوزراء والأساتذة الأجلاء قائلًا: نحييكم ونبارك فيكم هذا اليوم العظيم وأنتم داخلون وقائمون بمصر آمنين!
وقدم مفتي البوسنة السابق الشكر والعرفان للشيخ العلامة شوقي علام مفتي جمهورية مصر العربية قائلًا: شكرًا لكم من شغاف القلب على الدعوة الكريمة لنا لهذ المؤتمر السنوي التقليدي حول الفتوى النظري والعملي تحت الرعاية الكريمة للرئيس عبد الفتاح السيسي، حفظه الله ورعاه كما يرعى هو علماء الأمة.. هلَّا سمعتم قولًا شهيرًا لبطل حِطِّين ومحرر القدس صلاح الدين الأيوبي حينما قال في عبد الرحيم البيساني، المعروف بالقاضي الفاضل (526هـ - 596هـ) أحد الأئمة الكتَّاب، ووزير السلطان: "لا تظنوا أني فتحت البلاد بالعساكر إنما فتحتها بقلم القاضي الفاضل"، وفي رواية "لا تظنّوا أني ملكت البلاد بسيوفكم بل بقلم القاضي الفاضل".
وثمَّن د. تيسيرتش دعوة سماحة المفتي علام لحضور المؤتمر، بقوله: كلما دعوتمونا إلى مصر بسلام آمنين زادت رغبتنا إلى العودة لبيتنا فيه نفخة روحنا من "قالوا بلا شهدنا" ونسخة علمنا من المصطفى نبي الله وفيه ما فيه من تجربة وحكمة سيدنا يوسف عليه السلام وفيه ما فيه من حديث موسى {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}، وفيه ما فيه من فتح عمرو بن العاص، وفيه ما فيه من تربية ٱلْخَضِر لتلاميذه على الصبر في طلب العلم والمعرفة في الأزهر الشريف المنارة الفريدة في القرن العشرين للطلاب الوافدين من جميع أنحاء العالم كما نحن اليوم الوافدون في رحاب دار الإفتاء المصرية من جميع أنحاء العالم للتشاور والتعاون والتناسق في مجال الفتوى للمستفتين حول العالم.
واختتم كلمته بتوجيه الشكر لمصر قائلًا: فشكرًا جزيلًا لمصرنا الحبيبة والدائمة في قلوبنا على عطائها الدَّائم لأمتنا المجيدة. إن كلمات الثَّناء لا توفيها حقها، ولا أخفي عليكم في هذا اليوم المبارك وفي هذا المقام الموقر على أن ما في نفسي من الإيمان الراسخ بعد الله، وما في نفسي من الإسلام الظاهر بعد والديَّ، وما في نفسي من الإنسانية السمحة بعد الإبادة الجماعية في بلدي البوسنة، فقد ربَّتني مصرُ فيها بالأزهر الشريف وعلّمتني قول الفصل عند مواجهة القول الهزل، وأحاطتني بحنانها، والتي دائمًا وأبدًا أجدها بجانبي في أزماتي، إلى أغلى من عرفها قلبي، ولذلك بكلِّ الحبِّ أهديها كلمة شكر وتقدير:
يا مصر
أَلبَسَتِني نِعَماً عَلى نِعَمِ وَرَفَعَتِ لي عَلَماً عَلى عَلَمِ
وَعَلَوتِ بي حَتّى مَشَيتُ عَلى بُسطٍ مِنَ الأَعناقِ وَالقِمَمِ
وَالشكرُ مَهرٌ لِلصَنيعَةِ إِن طُلِبَت مُهورُ عَقائِلِ النِعَمِ