الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حان وقت الحساب وطي صفحة الإخوان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا شك أن ما حدث مساء 25 يوليو سيغير بصفة جذرية واقع تونس ومستقبلها القريب. ولعل وقت الحساب قد حان في تونس والذي يقود إلى جملة من الاستخلاصات في هذه اللحظات الفارقة التي يقوم فيها الجميع بجرد حساب السنوات العشر الماضية توصيفًا وتحليلًا وكذلك استشرافًا للمستقبل القريب.

 أول الاستخلاصات أن الأحزاب هشة وضعيفة ومبنية على ائتلاف بعض القوى ذات الشعبية المحدودة في الشارع وليس لها "سابقة أعمال" مع المواطنين ولم يكن انضمامها للأحزاب على أسس ومبادئ واضحة وإنما كان "الحزب" مجرد أداة وكارت عبور لدخول مجلس النواب. وقد انضمت بعض تلك الكتل لدعم إخوان تونس واصطفت معها في البرلمان مقابل مكاسب في "البزنس" والتعيينات وهي تجني الآن السخط بنفس درجة السخط الشعبي الذي انهال على الإخوان وستصيبها التطورات الأخيرة في البلاد ما أصاب النهضة من أفول نجمها ليس فقط شعبيا وإنما أيضا داخل قواعدها المنشقة حاليا بأعداد كبيرة عنها وكذلك خارجيا بعد أن انكشف المستور عن ضلوعها في الفساد وتبييض الأموال والاتجار في البشر وعمليات الاغتيال الإرهابية والإجرامية. لذلك فإن التطورات الحالية ستسفر عن طي صفحة "الإخوان" لأن مآلهم التراجع والأفول بعد لفظهم من الشارع وضربهم من قياداتهم وقواعدهم حيث يجدوا أنفسهم اليوم معزولين بعد أن انفض عنهم حتى أقرب مناصريهم. وسيتعمق هذا العزل أكثر فأكثر عند بدء التحقيقات أمام النيابة وفتح الملفات السوداء على مصراعيها حيث لن ينجو راشد الغنوشي وجماعته من الحساب العسير على جرائمهم في حق الناس والوطن!

الاستخلاص الثاني أن الاتحاد العام التونسي للشغل مهما مرت عليه من هزات وإضعاف مرتبطة بطبيعة القيادات أو بطبيعة المراحل فإنه يبقى رمانة الميزان في الصراع السياسي والأزمات الاجتماعية. وهكذا كان تاريخه أيضا كشريك مع قوى المقاومة في حرب التحرير والصراع من أجل الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي كما كان دوره في إرساء الجمهورية الأولى جنبا إلى جنب مع بورقيبة. لذلك فوزنه في هذه اللحظة سيكون معادلا فارقا في الدفع نحو الانفراجة من الأزمة الراهنة. لذلك كان المهم إعلانه عن الدعم للرئيس في قراراته بتجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة. وينكب حاليا على إعداد خريطة طريق لتكون جاهزة غدا الثلاثاء تمهيدا لتسليمها الى الرئيس قيس سعيد خلال أيام للاستئناس بها كمشروع مقترح للخروج من الوضع الراهن.

الاستخلاص الثالث أنّ الدستور الذي تم وضعه في 2014 كان يخدم الإخوان وأنصارهم ولم يصب في المصلحة العامة وقد استماتت النهضة في  تمرير تلك النسخة الهجينة غير المسبوقة التي تقسم الحكم إلى ثلاثية للحكم: البرلمان ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية؛ مع الحد من صلاحيات الرئيس إلى أدنى فاعلية وذلك حتى تتمكن من السيطرة على كافة مقاليد الحكم حيث كانت النهضة تدرك حق الإدراك أنّها لا تمثّل أغلبية أفراد الشعب التونسي، وأنّ رصيدها الانتخابي لم ينفكّ يتراجع. 

أما الآن وبعد ثورة التصحيح التي طالب بها الشعب خلال الاحتجاجات واستجاب لها الرئيس، فإن تعديل الدستور أصبح حتمية، لأن تونس لا يمكن أن تخترع "العجلة" ولأن التجارب السابقة للدول في النظام البرلماني أو النظام الرئاسي هي منوال يمكن الاختيار منه والبناء عليه بما يخدم مصالح الشعب وليس تفصيل نظام لخدمة مصالح أطراف سياسية لاستقواء بعضها على بعض. 

أما الاستخلاص الأخير فهو أن الشعب وتنمية مقدراته والاستثمار في موارده البشرية وفي كفاءاته هو الضمانة الوحيدة للاستقرار وحماية التجربة الديمقراطية الوليدة. لذلك فكسر شوكة الإخوان ليس فقط بالاحتجاجات والتصميم على محاسبة من يثبت ضلوعه في الفساد  وتمويل الإرهاب والاتجار في القاصرات وإرسالهم لمتعة الدواعش في سوريا الأبية ولكن أيضا بثقافة وتنوير أحرار تونس نساؤها ورجالها. والمطلوب هو مواصلة المشروع المدني والتنويري الذي حملته الحقبة البورقيبية على عاتقها والتي اهتمت بجودة التعليم والاستثمار في المرأة والشباب ونشر الفكر المستنير والثقافة بمعناها الواسع. وبهذا المشروع فقط يمكن الاطمئنان إلى أن الإخوان إلى زوال وأن الفكر المتشدد المتأسلم والجماعات الإرهابية مآلها الاضمحلال لأن التربة الخصبة ستلفظ الحشرات والطفيليات السامّة وتتغلب عليها.   

olfa@aucegypt.edu