ربما وأنت تسمع قصته تعتبرها شيئا من الخيال، أو تظن أنها فيلمًا دراميًا من الطراز الأول، لكن الواقع قد يكون أغرب من الخيال.. قرروالده أن يتزوج مرة أخرى، لأن زوجته لا تنجب ذكورًا، وشاء القدر أن يكون ابنه الأول في طريقه إلى الحياة.
فقررت الأم أن تحرمه من هذا الابن، بسبب زواجه عليها، فقررت إيداع الطفل فى ملجأ للأيتام بالقاهرة، ثم تزوجت هي الأخرى، وأنجبت كماأنجب الوالد، ليصل عدد الإخوة إلى عشرة أخوة، من بينهم البنات والبنين.
حالة من اليتم الشديد، عاشها محمد، الشهير بـ"حمودى"، داخل ملجأ أيتام، رغم أن لديه أسرة مشهورة ومقتدرة، فى بورسعيد، لكنهما(الأب والأم)، انشغلا عنه؛ وظل هو يدفع فاتورة أخطائهما، ونشأ الولد الفنان فى الملجأ، يتساءل عن سبب وجوده هنا، ولماذا تركه أهله هكذا،فتفجرت بداخله طاقة إبداع هائلة، وبدأ يرسم على كل شىء أمامه، يرسم حكايته وقصته، ويعبر عما بداخله.
ترك الملجأ فى سن مبكرة، فلم يعد يطيق العيش فى هذا المكان، وهو لديه أسرة فى الأساس، لينتهى به المطاف تحت أحد كبارى القاهرة،وحيدا شريدا، عرضة لكل صعبات الحياة.
يقول محمد، صاحب الـ٢٤ عامًا، إنه قضى ٤ سنوات تحت الكوبرى، مل فى كل شىء، من مسح للسيارات، وشيال، وفى مقهى، لم يترك عملًا يسد قوت يومه، دون البحث عنه، قاده الطريق لتوزيع مخدرات، فى بداية الأمر، بعد أن قرصه الجوع، وكال له الضربات والصدمات،لكنه لم يقض فى هذا العمل أسبوعًا، حتى نجاه الله من هذا الطريق.
ويضيف "محمد"، أن الله لم يتركه فى طريق السوء أبدا، وكان يبعده عنه دائما، فقابل الحياة بالصبر، صبر على الجوع والعطش، صبر على البرد والتشرد، وفى هذه الأثناء ويسبب هذه الظروف، لم يكمل تعليمه، فقرر احتراف الرسم.
ذهب لوالده حتى يساعده فى ثمن الكورسات، ومصاريف الأدوات والمعيشة، فلم يلب له رغبته، رغم مقدرته على هذا، فما كان من الفتى إلاالعمل ليل نهار، حتى جمع مصاريف حلمه، استأجر حجرة فى إحدى الأماكن الشعبية، فلم يعد يطيق الشارع، ونظرة الناس، ثم حصل على الكورسات اللازمة لتنمية مهاراته في الرسم، حتى احترف الرسم، وافتتح مرسم فى هذا الحى الشعبي.
كقطعة ذهب في الوحل، كشفها المطر، فصار بريقها يجلب الأنظار، ويتساءلون من أين هذه اللوحات، وكيف تصنعها، وماذا تفعل، فكسب شهرة واسعة فى هذا المكان، وكلما شارك في عدد من المسابقات والمعارض، حقق نجاحات عديدة، فلما عرف أهله بنجاحه، تواصلوا معه،فلما طلب أن يعود لبلده بورسعيد، ويترك القاهرة، لم يلبوا طلبه وتخلوا عنه مجددا.
وتساءل محمد، عن الذنب الذي اقترفه، ليدفع أخطا والديه، ويعيش وحيدا في الحياة، يبكي كلما رأى أبن يسير إلى جوار أبيه أو أمه، تمرعليه الأعياد دون أن يعرف لها طعم، لكنه رغم هذا أقسم أن يصل لما يريد، ويصبح فنانًا كبيرًا، يمتلك معارض كبيرة، ويحقق شهرة واسعة،حيث قال "أعرف أن من لديه أب لا يحمل هم الدنيا، ولا يخش الناس، فما بالكم بمن معه رب؟!".