قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، إن النزاع الدبلوماسي بين قطر وجيرانها الخليجيين يؤدي إلى تعطيل استثمارات بمليارات الدولارات في المنطقة، ويبطئ مساعي حادة لتحسين كفاءة اقتصادات المنطقة من خلال إصلاحات في قطاعي التجارة والنقل، وتعني ثروة قطر الضخمة من الغاز الطبيعي أن الدولة الخليجية الصغيرة قد تتمكن - على الأرجح - من مواصلة مسيرتها إلى أجل غير مسمّى، على الرغم من استياء المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، ولكن نموّ اقتصاد قطر قد يتباطأ إذا تقلصت روابطها التجارية والاستثمارية مع الاقتصادات العربية الخليجية الكبيرة، وقد تعاني جميع الاقتصادات في المنطقة - في الأجل الطويل - إذا أدت التوترات الدبلوماسية إلى عرقلة مشروعات مثل تشييد شبكة خليجية للسكك الحديدية وتطوير منطقة للتجارة الحرة.
وقال جون سفاكياناكيس، كبير خبراء الاستثمار في ماسك - وهي شركة استثمار مقرّها العاصمة السعودية الرياض - إن النزاع الدبلوماسي لن يؤثر على الفور على أنشطة قطاع الأعمال في منطقة الخليج، ولكن سيكون هناك تأثير في الأشهر والسنوات المقبلة إذا لم تنحسر حدّة هذه التوترات، وأضاف أن النتيجة المحتملة في حال انعزال قطر عن المنطقة ستكون "استثمارات أقل وتحويلات رأسمالية أقل وعدد أقل من المشروعات المشتركة والمزيد من الأشياء السلبية لقطر"، وسحب الدول الخليجية الثلاثة لسفرائها هو قرار لم يسبق له مثيل في تاريخ مجلس التعاون للدول الخليجية العربية - الذي أنشيء قبل ثلاثة عقود - ونتج هذا الموقف عن استياء عميق بين جيران قطر من سياسات مثل دعم الدوحة لجماعة الإخوان الإرهابية في مصر.
ولم تظهر دلائل على التحرك نحو فرض أيّة عقوبات اقتصادية على قطر، وتكهن مسؤولون ورجال أعمال في المنطقة بأن الحكومات ستبقي النشاط الاقتصادي بمعزل عن السياسة، وقال أكبر البكر، الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية القطرية - المملوكة للدولة - للصحفيين في برلين: "الدول في منطقتنا لا تخلط السياسة بنشاط الأعمال والاقتصاد"، ولكن الاقتصاد يميل إلى أن يتأثر بالسياسة في الشرق الأوسط، فيما يرجع جزئيّاً إلى أن الكثير من الشركات الكبرى تسيطر عليها الدول، ولأن الحكومات الخليجية أصبحت تعمد إلى استخدام ثرواتها النفطية كأداة دبلوماسية، وحدث هذا مع مصر في الأعوام القليلة الماضية عندما تجنبت الشركات السعودية والإماراتية الاستثمار هناك أثناء حكم الرئيس المنتمي إلى جماعة الإخوان الإرهابية "محمد مرسي"، ولكن البلدين قدما مساعدات بمليارات الدولارات للقاهرة منذ الإطاحة بالمعزول محمد مرسي في منتصف العام الماضي، واستؤنف تدفق الاستثمارات.
وباعتبارها أكبر مصدّر في العالم للغاز الطبيعي المسال، فإن قطر بلغت مبلغاً من الغنى يجعلها لا تحتاج التجارة والاستثمار من باقي الدول الخليجية، وذلك لرخائها الاقتصادي المتصل طالما ظلت قادرة على مواصلة بيع الغاز إلى الأسواق الدولية، وسجلت ميزانية الحكومة القطرية فائضاً بلغ 27.3 مليار دولار - أو 14.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي - في السنة المالية حتى مارس الماضي، ويعني ذلك أنها يمكنها استيراد الغذاء والتكنولوجيا والعمالة التي تحتاجها من جنوب آسيا وأوروبا ومناطق أخرى.
وأشار فاروق سوسة، كبير الخبراء الاقتصاديين في سيتي جروب في الشرق الأوسط، إلى أنه بسبب أن الدول الخليجية تركز على صادرات الطاقة فإن لها روابط اقتصادية قليلة نسبيا فيما بينها، وقال إن التجارة خارج مجال الطاقة بين قطر والدول الثلاث الأخرى بلغت حوالي 1 بالمئة من مجمل التجارة القطرية، ولكن ستكون هناك بعض العواقب المالية إذا استمرت التوترات الدبلوماسية لفترة طويلة، إذ أن مواطني الدول العربية الخليجية مستثمرون نشطون في أسواق الأسهم في كل دولة من الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، وقد تبدأ تدفقات الأموال هذه في التراجع، ويقدر محللون ماليون أن مواطني دول مجلس التعاون الخليجي - من غير القطريين - ربما يمتلكون من 5 إلى 10 في المئة من الأسهم في البورصة القطرية التي تبلغ القيمة السوقية للأسهم المسجلة فيها حوالي 175 مليار دولار، وهبط المؤشر الرئيسي للأسهم القطرية 2.1 بالمئة يوم الأربعاء الماضي، مع ظهور أنباء النزاع الدبلوماسي بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وأشار ناصر سعيدي، رئيس شركة ناصر سعيدي وشركاه للاستشارات في دبي، إلى أن قطر مستثمر كبير في السوق العقاري المزدهر في دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي قد يخسر مصدراً مهماً للأموال إذا طال أجل النزاع، وتحرص شركات قطرية كبيرة - مثل بنك قطر الوطني - على التوسع في الخليج للهرب من قيود سوقها المحلية الصغيرة، وهي قد تجد ذلك أكثر صعوبة في المستقبل، بينما من المنتظر أن تبدأ الخطوط الجوية القطرية في تسيير خطوط محلية في السعودية في الربع الثالث من هذا العام، بعد أن كانت واحدة من شركتي طيران أجنبيتين فقط قد تمّ منحهما حقوقاً لخدمة السوق السعودية التي يبلغ حجمها حوالي 30 مليون مسافر سنوياً.
وإذا تصاعدت التوترات في نهاية المطاف - ووصلت إلى توقيع عقوبات اقتصادية - فإن أكبر شيء عرضة للتأثر سلبيّاً في الخليج سيكون على الأرجح خط أنابيب "دولفين إنرجي" الذي ينقل حوالي ملياري قدم مكعب من الغاز يومياً من قطر إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، وقال "سوسة" إنه لا يتوقع أن تستخدم إمدادات الغاز كسلاح اقتصادي، ولكنها سلاح محتمل ومهم.
ويقدر محلّلون أن تدفق الغاز في هذا الخط يمثل حوالي 5 بالمئة من إجمالي صادرات قطر وحوالي 30 بالمئة من احتياجات الإمارات العربية المتحدة من الغاز، وأضاف "سوسة" قائلا: "إذا حدث شيء لخط الأنابيب فسيكون وضعاً تصعب معالجته في الجانبين كليهما، ولكن بالأساس والتأثير الأكبر في جانب الإمارات العربية"، ولقطر أيضا روابط للطاقة مع باقي الدول الخليجية من خلال منظمة "أوبك"، حيث أيدت بشكل تقليدي سياسات السعودية باعتبارها المنتج المهيمن على صناعة النفط في المنظمة.
والمصلحة الذاتية ربما تمنع سياسة الطاقة من أن تصبح منغمسة في النزاع الدبلوماسي، فقد قال مصدر في شركة قطر للبترول - عملاق الطاقة المملوك للدولة - "جميع مشروعات الغاز وعلاقات أوبك المرتبطة بالنفط مع مجلس التعاون الخليجي لن تتأثر"، ولكن مبادرات مشتركة أخرى بين قطر وجيرانها الخليجيين - وبعضها مهم لجهود تلك الدول نحو خلق المزيد من الوظائف في القطاع الخاص وتنويع اقتصاداتها لتقليل الاعتماد على النفط - قد تتعطل، وقد يحرم هذا شركات أجنبية من عقود للتشييد بمليارات الدولارات، وتناقش البحرين وقطر منذ سنوات احتمال بناء جسر فوق البحر بطول 40 كيلو متراً للربط بينهما، ومن الصعب تصور أن يمضي هذا المشروع قدماً في ظل المناخ الحالي، وربما يتعطل أيضا مشروع قيمته 15 مليار دولار على الأقل لربط الدول الخليجية بشبكة مقترحة للسكك الحديدية في الأعوام المقبلة.
وحتى قبل تفجر النزاع الدبلوماسي، فإن مقترحاً لوحدة نقدية لمجلس التعاون الخليجي بدا مجمّداً لأن المسؤولين الخليجيين أصبحوا متشككين إزاءه، بعد أن شاهدوا الصعوبات في منطقة اليورو، وهناك مبادرات اقتصادية أخرى كانت تبدو مرجّحة بشكل أكبر، ولكنها أصبحت الآن تبدو أقل ترجيحاً، ففي 2003 دشن مجلس التعاون الخليجي منطقة للتجارة الحرة برسوم خارجية موحّدة، وأزال هذا إلى حدٍّ بعيد حواجز تجارية ظاهرية داخل التجمع الخليجي، ولكن ممارسة وظائفها كاملة عطلتها اختلافات حول كيفية تقاسم إيرادات الجمارك، وتحاول سلطة للاتحاد الجمركي - أنشاها مجلس التعاون الخليجي - حلّ المشكلات، ولكنها ربما تجد الآن أن ذلك أكثر صعوبة، كما أن تبنّي مقترح لاستحداث ضريبة للمبيعات في مختلف دول المجلس - وهو إصلاح رئيسي لتقليل اعتماد الحكومات على الإيرادات النفطية - يبدو بعيداً أيضاً.