الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التجربة التونسية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تونس، البلد العربي الشقيق له جاذبية وسحر خاص، تشعر به منذ وصولك الي مطار قرطاج الدولي في مدينة تونس العاصمة. زيارتي الأخيرة لتونس كانت مع الدكتور وجدي طلعت رائد التعليم الطبي بكلية طب قناة السويس، اثناء مشاركتنا في مؤتمر تعليم طبي للجامعة الدولية في مدينة بنغازي الليبية في شهر ديسمبر سنة ٢٠١٩. من ًاول لحظة تصل فيها الي تونس، تدرك انك في بلد متحضر ومنظم، وتشعر بأن التوانسة يتمتعون بقدر كبير من  الشياكة والاناقة والدقة والنظام وخفة الدم.

تجربة تونس في الخلاص من الرئيس زين العابدين بن علي في سنة ٢٠١١، كانت الشرارة التي اشعلت الثورات في البلدان التي شهدت ثورات الربيع العربي والتي شملت مصر وليبيا واليمن وسوريا، وانتهت بسقوط الانظمه الحاكمة في الثلاث دول الاولي، وفي اشتعال حرب اهليه في سوريا، مازالت تعاني منه حتي اليوم. وأخيرا امتدت الثورة الي السودان، وادت الي سقوط نظام البشير في سنة ٢٠١٩. الشرارة الاولي في تونس كانت حركة تلقائية غير مخطط لها بسبب شاب (محمد البوعزيزي) اشعل النار في نفسه بعدما تحطمت اماله في تحقيق ما يكسب به قوت يومه. الثورة التي بدأت من تونس، وجدت لها بيئة حاضنة في بلدان اخري نظرًا لتدهور الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، خاصة في وجود حكام ظلوا في السلطة لاكثر من ٣٠ سنة (بن علي ومبارك والقذافي وعلي عبد الله صالح). ولان ثورات الربيع العربي كانت ثورات تلقائية غير منظمه ( بلا رأس)، قام بها شباب دون خبرة، وفي غياب حياة ديمقراطية سليمه أو أحزاب سياسية فاعلة، فقد استغل الاحداث الفصيل الديني المنظم في كل بلد، وهو فصيل الاخوان المسلمين في مصر وتونس. آما ليبيا واليمن وسوريا فقد تمزقت بسبب الطائفية، وبسبب غياب جيش وطني قوي، ومازالت تعاني حتي اليوم. تجربة مصر وتونس أظهرت أهمية وجود جيش وطني قادر علي ضبط الأمور ومنع انزلاقها نحو المجهول. وبفضل تماسك ووحدة الجيش الوطني المصري والتونسي، تم الحفاظ علي كيان الدولة ومنع نشوب حرب اهلية.

تجربة تونس مع الاخوان تشبه الي حد كبير تجربة مصر مع الاخوان، مع الفارق انها  استغرقت عشر سنوات في تونس، لتصل الي نفس مصير تجربة مصر مع الاخوان، والتي انتهت بقيام ثورة ٣٠ يونيو سنة ٢٠١٣، اي بعد عامين ونصف فقط من قيام الثورة في يناير ٢٠١١. السبب ان الإخوان في مصر كانوا أكثر اندفاعًا، وأقل خبرة، وحاولوا السيطرة علي كل شيء، من رأس الدولة الي الحكومة الي البرلمان، وحاولوا اخونة الدولة والسيطرة علي مؤسساتها، وتغيير هويتها الثقافية في وقت قصير، مع عدم وجود كوادر مدربة او خبرات سابقة، أو شخصيات لها رصيد عند المواطنين، مما ادي الي حدوث شلل في الحياة العامة، وتوقف في الخدمات الرئيسية عجل بنهايتهم، وعودتهم الي السجون بثورة شعبيه ايدها الجيش في ٣٠ يونيو ٢٠١٣. ولكن في تونس، اكتفي الاخوان بالسيطرة علي البرلمان والحكومة،  بعد ان فاز استاذ القانون الدستوري قيس سعيد بمنصب رئيس الدولة، ووقوف الجيش علي الحياد.

الرئيس قيس سعيد حاول التعايش مع الاخوان، واقتسام السلطة، ومحاولة تجنب الصدام، الي ان ادرك الحقيقة وهي ان التيارات الدينية، أيا ما كان اسمها، لا يمكن ان تتعايش مع الحياة السياسية المدنية، ولا ان تتقاسم السلطة، لأنها ببساطة تريد الهيمنة وفرض السلطة علي الجميع. وأخيرًا، ادرك الرئيس التونسي ان الفشل في معظم المجالات سببه سيطرة الاخوان علي البرلمان والحكومة، وانه لامحالة لن يستطيع القيام بمهام عمله وإنقاذ بلاده من الفشل الذريع خاصة مع تفشي وباء الكورونا، الا بعد تجميد عمل البرلمان واقالة رئيس الحكومة، وهو ماحدث في الاسبوع الماضي، وهي الخطوة التي باركها الجيش الوطني التونسي.

وفي البحث عن اسباب فشل كل الجماعات الدينية في الحكم، وفشلها في التعايش مع متطلبات العصر، جاء مقال الدكتور احمد مخلوف عميد كلية طب اسيوط الاسبق، علي صفحته الخاصة علي الفيسبوك يوم الجمعة الموافق ٣٠ يوليو ٢٠٢١، حيث قال؛ "لقد بات من الضرورة اصلاح اخطاء الماضي وعدم السماح بإنشاء جماعات تستخدم شعارات دينية بزعم الاصلاح السياسي". وأكد ان هذه هي الفرصة المواتية، وربما تكون الاخيرة، لانقاذ البلاد وحماية الشباب والاجيال القادمة من خطر تلك الجماعات. ذكر د. مخلوف ثلاث اسباب رئيسية لخطورة الجماعات التي تستخدم شعارات دينية بزعم التغيير أو الإصلاح السياسي هي:

أولا: محاولة تكوين كيان مستقل عن عموم الأمة بدعوى إصلاح الدنيا بالدين أو تغيير المجتمع الاسلامي.

ثانيا: استغلال طبيعة الإسلام وشموليته، وخلط ذلك بتديين هذه الأنشطة، وخاصة السياسية، ومحاولة منح مجموعة بعينها قدسية تُفَرِق وتميز على أساسها، بدلا من أن يكون التمييز على اساس التخصصية والكفاءات.

ثالثا: استدعاء المظلومية (والناتجة عن صدامات حتمية مع الانظمة تاريخيا وطبيعيا) لاكتساب تعاطف العوام،  واعطاء قدسية لممارسات وافكار هذه الجماعات تحت شعار (نحن نضحي ويضحى بنا أذا نحن على الحق). 

لقد اثبتت التجربة التونسية ان الجماعات الدينية الجامدة لا تصلح لحكم الشعوب، وانه قد حان وقت الخلاص من كل هذه الجماعات في كل بلدان العالم الاسلامي.