تصاعدت فى الآونة الأخيرة حدة العدوانية والدموية بين أفراد الأسرة، وهذه المرة لم يعد الأمر مقتصرًا على العنف الممارس من الرجل ضد المرأة، لكن الحال انقلب رأسًا على عقب؛ حيث تداولت وسائل الإعلام مؤخرًا العديد من الأنباء التى محورها جرائم عنف دموية، ولعب العامل الأنثوى دور البطولة فيها، بينما برز الطرف الذكورى فى دور الضحية هذه المرة.
وفى غضون هذه الوقائع؛ أثيرت حالة من الجدل المجتمعي، والتساؤلات التى طرحها الكثيرون حول أسباب تفشى ذلك النوع من الجرائم، وإذا كان ذلك ناتجًا عن عوامل اقتصادية واجتماعية أو أخرى متصلة بتدنى المستويين الثقافى والتعليمي.
وقائع متعددة
شهد مركز طوخ، بمحافظة القليوبية، جريمة قتل بشعة؛ حيث طعنت زوجة زوجها بسكين، بسبب مصاريف العيد، فتوفى على الفور، وتلقت الأجهزة الأمنية بمركز شرطة قليوب، بلاغًا بالعثور على جثة عامل خردة، داخل منزله، وبها آثار خنق، وتبين من التحريات أن ابنة المجنى عليه، تخلصت منه خنقًا، لسوء معاملته لها ولأشقائها، بعد وفاة والدتهم، وزواجه من أخرى.
وفى واقعه أخرى؛ تلقى قسم شرطة 15 مايو، بلاغًا بالعثورعلى جثة شاب متفحمة داخل شقة بمنطقة التبين، وبالفحص تبين أنه يدعى «كمال»، 22 سنة، موظف.
وبعد التحريات؛ تبين نشوب مشاجرة بين المجنى عليه وخطيبته داخل شقة الزوجية، بمنطقة التبين، فى مدينة 15 مايو، بسبب أن المجنى عليه متعدد العلاقات العاطفية، فاستعانت خطيبة المجنى عليه بثلاث فتيات أخريات، وتم التخلص منه بضربه على رأسه بعصا خشبية، ثم أشعلن النيران فى الشقة، لإبعاد الشبهة الجنائية عنهن.
أسباب ودوافع متنوعة
وقالت الدكتورة ندى الجميعي، المتخصصة فى العلاقات الأسرية والتنمية المجتمعية، إن السلوك الإجرامى لا يقتصر على الذكور دون الإناث، وإنما أصبح قيام المرأة بجرائم تقشعر لها الأبدان، نتاج عنف لما عانت منه المرأة على مر العصور المختلفة، من قهر جسدى ونفسي، ولذلك علينا أن نلقى الضوء على نوعية الجرائم الأنثوية، فهى بعيدة مثلا عن جرائم السرقة والنصب.
وأضافت «الجميعى»: «وتقتصر أغلب جرائمها على العنف الذى عانت منه طويلا، بسبب ضعف قوتها البدنية، حيث انتشرت جرائم النساء، التى بدأت فى الدفاع عن النفس، وانتهت بجريمة قتل، مع سبق الإصرار والترصد، نتيجة الضغط النفسى والقهر، لأن طبيعة المرأة عاطفية، ويقودها الحب أو الكراهية تجاه الشخص».
وأكدت «الجميعى»، أن مصطلح «إندبندنت وومن» ليس له علاقة بهذه الجرائم، فهذا المصطلح يدل على امرأة تحدت الظروف الصعبة، التى عاصرتها وخرجت للعمل، والتزمت بالإنفاق على أطفالها، إن كانت أرملة أو منفصلة، وحققت النجاح فى مجالات مختلفة، حيث تربعت على عرش النجاح حتى وصلت لأعلى المستويات العلمية والعملية.
وأضافت، أن أم الشهيد فى الجيش والشرطة، تزغرد من الفرحة بشهادته، فهذه هى نماذج الإندبندنت وومن، أما الجرائم الشنيعة التى حدثت مؤخرًا، فهى نتيجة تربية غير سليمة، أدت إلى سلوك غير سوي، وانفعالات عدوانية.
وأشارت «الجميعى»، إلى أن دراسة جرائم المرأة بوصفها جانية أو ضحية، يضع المرأة فى الصورة المعاصرة، التى يعانى منها المجتمع حاليا، ونرجع فيه عند نقطة البداية، وهى العنف المضاد الذى يؤدى لسلوك منحرف عن الطبيعي، حيث تتولد الجرائم والانحرافات بسبب المشكلات الاجتماعية والمادية.
وشبهت «الجميعى»، التربية بنبته زراعتها كانت فى أرض خصبة، وتم الاعتناء بها، حتى كبرت وترعرعت، فكانت مثل الشجرة المثمرة، التى ظللت عليك فى الكبر، فالابن مثل الزرعة، كلما رويته حبًا وحنانًا واهتمامًا، كان زرعة طيبة وحنونة، ترعاك فى الكبر، وعندما ترويها إهمالًا وظلمًا وقهرًا، تحصد زرعة فاسدة وحاقدة، تسود أفعالها العدوانية.
وذكرت «الجميعى»، أن للعنف تاريخ طويل للغاية، وبالرغم من كثرة التحذيرات والتوعية لكيفية التعامل مع الفتاة فى الصغر، والمرأة فى الكبر، فيعد أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان استمرارا، وعلى الرغم من أن حوادث وشدة هذا العنف، تباينت مع مرور الوقت، وحتى اليوم تختلف بين المجتمعات، فغالبًا ما ينظر إلى هذا العنف، على أنه آلية لإخضاع النساء، سواء فى المجتمع بشكل عام أو فى العلاقات الشخصية. وقد ينشأ هذا العنف من شعور بالتملك والقهر وكبت حريتهن والتحرش والتنمر أو كره لجنس النساء وقهره نفسيًا أو جسديًا.
وحذرت الخبيرة المتخصصة فى العلاقات الأسرية والتنمية المجتمعية، من امرأة نبتت فى منبت سوء، فالمرأة التى تربت على الحب والعطاء، ونبتت فى منبت صالح، أصبحت ابنة صالحة، أما لو تربت فى منبت سوء، كانت أسوأ من الرجال، حيث توجهها القسوة والكره وحب الانتقام.
وأوضحت «الجميعى»، أهمية دور المرأة فى المجتمع، فهى المربى الأول لأجيال المستقبل، ومن ثم فانحراف المرأة يعنى انحرافًا للمجتمع بأكمله، وبينت أن أهمية توفير الاحتواء العاطفى والأسرى للمرأة، منذ مراحلها الأولى، وحتى مراحل متقدمة، يجعل منها زوجة سوية، وأمًا حنونة، وابنة بارة بوالديها، وهو ما شأنه أن يحفظ أمن وسلامة الأسرة والمجتمع.
فيما يُرجع الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسي، السبب وراء حدوث هذه الجرائم، إلى ما أسماه بـ«المسخ الثقافى»؛ مُعلقًا بقوله: «الثقافة المصرية حينما دخلت عليها ثقافات أخرى، حدث خلل ثقافى، نتيجة محاولة تقليد الأفكار، وردود الأفعال الواردة فى وسائل الإعلام، بجانب ما يُعرض من محتويات فى الأفلام والمسلسلات، ويشير إلى أن انعدام الوعى الثفافى، يؤدى إلى تقليد هذه الأفكار الدخيلة والحوادث، التى تحتوى على العنف بدون أى فهم أو إدراك».
ويقول««فرويز»، إن الإنسان العاقل الواعي، حينما يتعرض لموقف يتطلب رد فعل قوي، من المفترض أن يضع بنفسه الحلول والبدائل العقلانية، على النقيض من الأشخاض الذين يعانون من تراجع مستوى الوعى لديهم.
وقال الخبير القانوني، جمال جبريل: «لا يوجد مبرر لارتكاب الجريمة، فالباعث على الجريمة ليس له أى اعتبار قانوني، حتى وإن كان باعثًا نبيلا، لكن من الممكن وفقًا للقانون الجنائي، فى المادة 16، إعطاء القاضى الحق فى تخفيض العقوبة دون إبداء أسباب، وقد يكون الباعث النبيل هو السبب؛ فالقاضى يخفض العقوبة، لكن قانونًا الباعث على الجريمة ليس له علاقة بالجريمة، ولا يعد ركنًا منها، ولا يؤثر فى العقاب».