تحل اليوم الخميس ذكرى وضع قانون الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية الأول في العام 1870، والذي بمقتضاه قامت دار الكتب المصرية كأول مكتبة وطنية في الوطن العربي.
ولأكثر من قرن ونصف، وهو العمر الحقيقي الذي تتمتع به دار الكتب، واصلت دورها بوصفها المكان المنوط به تشكيل السياسة المعرفية والمعلوماتية المتدفقة خلال المجتمع، تأسست في العام 1870 في سرايا مصطفى باشا فاضل، ثم انتقلت بعد ذلك إلى مبنى خاص بها في باب الخلق عام 1904
أما انتقالها لمكانها المعروف الآن في رملة بولاق بكورنيش النيل كان في العام 1971 حيث كانت جزء تابعًا للهيئة المصرية العامة للكتاب قبل أن تنفصل عنها في العام 1993.
ووفق دراسة للباحثة سمر عبدالتواب زكريا بعنوان "المكتبات الوطنية ودورها في بناء مجتمع المعرفة.. دار الكتب والوثائق القومية المصرية نموذجاً"، فإن دار الكتب تمتلك عددا كبيرا من مصادر المعلومات المتنوعة ما بين مخطوطات ومسكوكات وخرائط وأوائل المطبوعات والبرديات، إلى جانب تمتع الدار بمواد قانونية تتسم بالمرونة وقدر من الاستقلالية مما یُساعد على بناء مُجتمع المعرفة.
كما توفر الدار نوعيات من تكنولوجيا المعلومات تساهم في بناء مُجتمع المعرفة، كما يوجد بالدار أشكال مُختلفة من مصادر المعلومات بشكل تقليدي وإلكتروني ورقمي".
وعن تفاصيل نشأة وتطور دار الكتب يتحدث إلى "البوابة نيوز" الدكتور راضي محمد جودة، باحث أول بدار الوثائق ومدرس التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة بدر، وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية.
قانون إنشاء دار الكتب
أشار "جودة" إلى أن دار الكتب هي أول المكتبات الرائدة في الوطن العربي، وأحد أهم مراكز الاشعاع الحضاري للتراث العربي والإسلامي وأقدم مكتبة وطنية في مصر، أنشأها الخديوي إسماعيل في منطقة درب الجماميز بسرايا مصطفى باشا فاضل شقيق الخديوي، بهدف تجميع المخطوطات النفيسة مما أوقفه السلاطين والأمراء والعلماء على المساجد والأضرحة والمدارس ومعاهد العلم.
وعرض "جودة" نص وثيقة الإنشاء الذي جاء فيها: "أمر كريم منطوق يقتضي صرف مبلغ ثلاثة آلاف جنية إنجليزي من خزينة المالية لعلي باشا مبارك مدير المدارس لأجل الصرف على الكتب خانة اللازم إنشائها بالمدارس ويخصم ذلك المبلغ بمعرفة المالية على طرف الديوان وأصدرنا أمرنا هذا لكم بما ذكر ليجري مقتضاه من عابدين".
يوضح "جودة" أن إنشاء دار الكتب كان في عهد الخديوي إسماعيل بينما كان الاسم الخاص بها موجودًا، ويستخدم بمعنى مكان لحفظ الكتب، حيث كانت هناك عدة مكتبات تعتبر ملكية شخصية لشخصيات كبيرة وأمراء، مثل الوالي محمد علي باشا الذي كانت له "كتبخانة" خاصة به لكنها ليست مفتوحة للناس.
وعن الأسماء التي عُرفت بها الكتبخانة يقول "جودة" إنها في عهد عباس حلمي الثاني وفي عام 1892 أطلق عليها دار الكتب الخديوية، وفي عهد السلطان حسين كامل بات اسمها دار الكتب السلطانية نسبة للحاكم، أما في عهد الملك فؤاد أصبح اسمها دار الكتب الملكية، وفي العام 1966 سُميت دار الكتب والوثائق القومية، وعندما انفصلت عن هيئة الكتاب في 1993 بقرار جمهوري تغير اسمها للهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية.
وعن تبعيتها لفت إلى أنها ظلت تابعة لديوان المدارس في بداية نشأتها، ثم نظارة المعارف، وزارة المعارف العمومية، وزارة التربية والتعليم، ثم وزارة الثقافة والإرشاد القومي.
مواعيد العمل
يبين "جودة" أن المواعيد الرسمية التي اعتمدتها دار الكتب في العمل كانت في العام 1896تبدأ من الثامنة صباحا وحتى السادسة مساء، وفي شهر رمضان من العاشرة صباحا وحتى الثالثة مساء، وهو ما يؤكد على ظروف شهر رمضان الكريم وطقوسه المستمرة عبر العصور.
وتابع "جودة" أن الدار تعمل على استقبال الزائرين وتذليل الصعاب لهم، حيث وفرت لهم أماكن لتناول الطعام، وتوفر للباحثين المحابر والأقلام والدواة مجانا، ويمكن للمستفيد أن يحصل على الكتاب عن طريق تقديم طلب مدون به اسمه ومهنته واسم الكتاب الذي يريده وعدد الأجزاء ورقم الكتاب من واقع فهرس الدار المتاح للجمهور بالقاعات.
رصيد دار الكتب عبر العصور
يستعرض "جودة" رصيد دار الكتب من المقتنيات عبر العصور، فيوضح أنها في عام 1870 وصل رصيدها إلى 30 ألف مجلد، وفي عام 1885 بلغ حوالي 32 ألف مجلد، وفي العام 1890 وصل إلى أربعين ألف مجلد، وفي 1896 تجاوز الرقم 53 أل مجلد، بينما كان عام 1924 وصل إلى 113 ألف مجلد، وفي 1972 يكون الرقم تجاوز المليون و400 ألف بالإضافة للمكتبات الخاصة المهداة، وفي اللحظة الحالية تمتلك المكتبة قرابة 5 مليون مجلد.
كنوز من النوادر والمقتنيات الثمينة
أشار راضي جودة مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة بدر أن عدد المخطوطات في العالم يقترب من ثلاثة ملايين مخطوط، وأنه مع استثناء المكرر وما به أخطاء يصبح لدينا مليون مخطوط، مصر وحدها تمتلك قرابة الـ120 ألف مخطوط تحتوى دار الكتب على 60 ألف مخطوط.
واستعرض "جودة" خلال حديثه بعض المقتنيات النادرة من المخطوطات التي تمتلكها دار الكتب، ومنها: مخطوط كتاب الرسالة في الفقه للإمام محمد بن إدريس الشافعي، وهو الكتاب الذي ألفه الشافعي عندما سافر إلى بغداد ثم أعاد تصنيفه عندما ارتحل إلى مصر، ومخطوط الشافعي كان من محتويات مكتبة مصطفى باشا فاضل، كما تضم المكتبة مصحفًا وجد بجامع عمرو بن العاص مكتوب في العام 12 هجريًا بالخط الكوفي على رق غزال، كما أنه عثر على مجموعة من المصاحف المملوكية في المساجد الخاصة بتلك المرحلة مثل مسجد السلطان برقوق والسلطان حسن والسلطان قايتباي.
أيضا ضمت دار الكتب مخطوط "سر النحو" لإمام اللغة والنحو أبي إسحاق الزجاج المتوفي311 للهجرة، وجزء من كتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي، وكتاب كليلة ودمنة، ومخطوط الشاهنامه لأبي القاسم الفردوسي.
أما مقتنيات المكتبة من المسكوكات أو العملات، فقد ضمت الجهود الأولى التي بذلها توماس روجرز وكيل ديوان المدارس فهو أول من عمل على تجميع المسكوكات، حيث تضم المكتبة 12 ألف عملة ما بين ذهبية ومذهبة وفضية ومفضضة وأيضا نحاسية، وأقدمها يعود لعام 77 هجرية في عهد عبدالملك بن مروان الأموي، وذلك وفق حديث "جودة".
ومن المقتنيات أيضا: نموذج مصغر لقبة الصخرة، وحبة قمح مكتوب عليها تواريخ من تولوا حكم مصر، وخريطة توضح رحلة الإسكندر الأكبر وصولا إلى الإسكندرية رسمت عام 1595ميلادية.
شملت أيضا الأعداد الكاملة لعدد من الدوريات التي ظهرت في مصر ثم احتجبت، كما تضم الأعداد الكاملة للدوريات المستمرة في الصدور حتى الآن، فهي تضم أعداد الخاصة بـ: الوقائع المصرية ، روضة المدارس، المجلات العلمية بالكليات الأكاديمية.
أيضا يمكن الإشارة إلى دور "رقم الإيداع" في المساهمة في زيادة عدد ما تقتنيه المكتبة، فكل كتاب في مصر لابد أن يحصل على رقم إيداع، ومن ثم يتم وضع نسخ منه في الدار، حتى باتت تمتلك الآن ما يقرب من 5 مليون مجلد.
وأكد "جودة" أن المقتنيات تشمل 20 ألف وسيط سمعي وموسيقي، عملت الهيئة على معالجة ألف أسطوانة منهم ورقمنة حوالي 800 أسطوانة، وهي عبارة عن موشحات ودروس دينية، بها مطربين ومؤلفين لا أحد يعرف عنهم شيئا وهو جهد يقع على عاتق الباحثين، فلدى الدار شرائط لمطربين ولعدد من الفنانين المغمورين.
"يرجع الفضل في ضم المكتبة لمجموعة أوراق البردي إلى الدكتور برنار مورتيز في عام 1896"؛ هكذا يقول "جودة" الذي يستكمل حديثه عن أوراق البردي: وهى أوراق متنوعة تشمل عقود بيع وإجارة واستبدال وميراث، مما يمكنها الكشف عن صورة صحيحة للحقب الزمنية التي كتبت فيها.
ولفت "جودة" إلى تطور الدار الذي مكنها من العمل بـ 12 قاعة لخدمة القراء، 26 مكتبة فرعية لدار الكتب في القاهرة ومكتبات متنقلة، أكثر من 500 لوحة من لوحات الخط العربي متفاوتة في الحجم، و 28540 خريطة، و 5812 من الدوريات الأجنبية، و4200 عنوان عربي، 30 مصحف برايل، 3500 بردية متنوع، 12 الف كتاب رقمي، 90 مكتبة مهداة وخاصة.
وعن المكتبات الأولى التي دخلت ضمن ممتلكات الدار يقول "جودة" إنها ضمت مكتبة عابدين، والسلطانة ملك، ومكتبة الشيخ محمد عبده، ومكتبة المؤرخ عبدالرحمن الرافعي، والأديب توفيق الحكيم، ويوسف كمال، عمر مكرم، وعباس العقاد، وقوت القلوب الدمرداشية، مكتبة قولة، وغيرها..