أظن أن الصورة الآن باتت واضحة للشعوب العربية فيما يخص جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، برغم ما حاولوا إخفائه خلف ستار ديني كل هذه السنوات.
وبات من المؤكد أن خلط الدين بالسياسة أمرا غير مقبول، وهذا ليس انتقاصا من الدين ولكن حفاظا على قدسيته وحرصا على عدم اللغو بثوابته في عراكات سياسية واستخدامه حسب الهوى كدعاية انتخابية.
ولا شك أن الحكومات الغربية تعرف جيدا الجماعات الإسلامية فقد كانت الصانع والمصدر الأساسي لها والمتحكم بها عن بعد كورقة من أوراق اللعبة أما باستخدامها كمستورد للأسلحة في سوق تجريبية لما تنتجه وإما كحجر عثرة في تقويض نهوض دول بعينها.
أما عن الشعوب الغربية المغرر بها بشعارات الديموقراطية والحرية فتحتاج الكثير من الجهد لكي تعي حقيقة تلك الجماعات وخطورتها على كل الشعوب بلا استثناء.
والسعي لكشف تلك الجماعات أمام المجتمعات الغربية إنما هدفه أن تكون هذه الشعوب ورقة ضغط على حكوماتها لتكف عن اللعب بالنار، فحرق تلك الشعوب لم يعد بعيدا بعدما تسللت تلك الجماعات إلي العواصم الأوربية.
ولا يغيب عن عاقل أن تلك الجماعات إنما هي أحد أذرع الاستعمار في شكله الجديد، فبعدما نادت الدول العربية بالاستقلال وبجلاء القوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر، اتخذت تلك القوى نهجا جديدا جزء منه يقوم على إرساء مبدأ الاتفاق مع الحكومات أو الدعم تحت مسميات مختلفة منها المعونة العسكرية، ومع محاولات العديد من الدول ومنها مصر التخلص من تلك الأصفاد بالانفتاح على العالم وتنوع التسليح ودفع عجلة التنمية لجذب الاستثمارات، كان لابد من وقف ذلك الطموح إما بإحداث قلاقل واقتتال في الداخل لاتخاذ حقوق الإنسان وما يسمونه زيفا الديموقراطية للتدخل في دوائر صنع القرار بتلك الدول.
أو بتقويض نمو تلك الدول بالضغط عليها بمصادرها التي تبني عليها خططها سواء كان ذلك المصدر بترول أو مياه أو اكتشافات غاز.
ولأن مصر تقرأ المشهد جيدا تسير بتأن في طريق مفروش بالألغام لن ينجو منه سوى من يتصرف بحكمة ويعرف متى يتخذ القرار ومتى يرمي بأوراقه على طاولة المفاوضات ومتى يستخدم قوته في الزود عن نفسه وكف الاعتداء.
الحقيقة أبعد من الصورة المعروضة، على الشعوب أن تدرك ذلك، كما عليها أن تدرك أن الحفاظ على الدولة أهم الأولويات لأن من يسقط لن يعود وأن الجسد الذي استشرى فيه وباء التقسيم والاقتتال لن يعود كما كان مهما كانت المحاولات.
فهاهي أمريكا تعيد أفغانستان بعد عشرين عاما إلى عصر الكهوف ووأد الحريات وتستدعي ورقة طالبان غير عابئة بمصير الشعب الأفغاني وما سيترتب على هذا القرار.
وها هو العراق الجريح ممزقا لا تسكت فيه أصوات الانفجارات ولا تجف فيه بحور الدماء.
أما سوريا فإن كانت قد نجت شكليا فسنوات من الخراب والدمار تحتاج لسنوات أطول من الإعمار إن أتيح ذلك رغم كل المعطيات التي تؤكد أن الحرب لم تنته هناك.
وما ليبيا العزيزة عنا ببعيد فكلما اتخذت خطوة نحو الاستقرار أعادوها للخلف خطوات.
ويبقى الأمل في إمكانية تعافي الجسد العربي في قلبه النابض مصر التي بها تعود الحياة.. فحافظوا عليها فإنها آخر ما بقى من التاريخ.