هل حقًا أصبحت التجربة المصرية مُلهمة لبلدان الوطن العربي؟ هل حقًا كل ثورات 2011 التي ألبسها الربيع العربي ثوب الثورة تحتاج إلى ثورات تصحيح مسار تتبعها؟
ربما، ولكن من المؤكد أن ثورات الربيع العربي التي اجتاحت الوطن العربي، خلّفت تغيرات شديدة على المجتمعات العربية وتحديات أكبر أمام الفصائل الحاكمة والفرقاء السياسيين، على رأس تلك التحديات، الانسداد السياسي والشروخ الدستورية والاضطراب المجتمعي.
فتلك؛ العوامل السالف ذكرها،عوامل هامة تغذى البيئة التي يترعرع فيها الإخوان، وهذا ما حدث في مصر أعقاب 2011 عندما هاجت وماجت الدولة باضطرابات ولم يكن هناك فصيل سياسي قادر على استيعاب ذلك التغير، ولكن سرعان ما قامت الدولة المصرية متمثلة في قواتها المسلحة وشعبها بحسم الأمر فمسكت بزمام الأمور بقبضة حديدية حاسمة مثل تلك التي قام بها رئيس تُونس منذ أيام قليلة.
فتلك الانفراجة السياسية التي تشهدها تُونس ما هي إلا قطع لأذرع حركة النهضة الإخوانية، ففي الآونة الأخيرة كان هناك صدام دائم محتدم بين الرئيس وبين حكومة المشيشى ورفض الرئيس تأدية بعض الوزراء لليمين الدستورية لشبهة الفساد، كما شهد البرلمان موجات غضب إزاء راشد الغنوشى راعى المرتزقة على الحدود التونسية الليبية والمتودد دائمًا وأبدًا إلى النظام التركي.
أمّا عن التعثر الدستوري فحدث ولاحرج، فكان هناك مقترح لعودة دستور حبيب بورقيبة مع إضافة بعض التعديلات وتعطيل العمل بالدستور الحالي أملا في انفراجة دستورية، فذلك الانسداد السياسي مثل الجلطة التي تعوق سريان الدم في شريان رئيسي فتصيب العضو بالغرغرينا فتكثر الميكروبات التي تنهش الجسد بأكلمه.
لا شك أن التضييق على حركة النهضة في تونس بتلك التدابير الاستثنائية وباقتلاع جماعة الإخوان المسلمين من مصر ما هو إلا كماشة خانقة تستطيع حماية ليبيا في المقام الأول وباقي الدول العربية المهددة بالانسداد السياسي أيضًا مثل سوريا والعراق ولبنان، فلبنان من أكثر البلدان المهددة بتلك الكارثة نتيجة تعثر تشكيل الحكومة التي لا يوجد في الدستور مهلة محددة لتشكيلها.
عندما زار قيس سعيد مصر في الأشهر الماضية، حّملته عبير موسى رئيس الحزب الدستوري الحر برسالة وهى: ألا يعود من مصر دون أن يحضر معه ملفات الجماعة الظلامية، فمصر بتجاربها الناجحة دائمًا ملهمة لأشقائها، فما كانت مصر لتنجح في التنمية والإعمار لولا ذلك الاستقرار السياسي والدستوري والمجتمعي وانسيابية اتخاذ القرار التشريعي والتنفيذي في تناغم من أجل الصالح العام.
ومن ثمّ لنا أن نتوقع مردود ايجابي في الأيام القادمة في تُونس إثر تلك التدابير وإزاحة حركة النهضة من المشهد مما يضمن لتونس التنمية الاقتصادية التي يستحقها لتكون بالفعل صححت مسار "ثورة الياسمين" في الهزيع الأخير.