كان يوم 25 يوليو 2021 يومًا تونسيًا غير عاديّ وعيدًا للجمهورية ليس كغيره من الأعياد ، حيث سيكتب التاريخ صفحته بحروف من النصر.
حملت نسمات الصباح الباكر ليوم أمس الأحد 25 يوليو خبرا سارًّا ملأ سماء تونس بالأمل والتفاؤل، وتمثل في فوز السبّاح أحمد الحفناوي بذهبية سباق 400 متر حرة في أول أيام ميداليات السباحة في أولمبياد طوكيو. واختُتم مساء اليوم بانتصار ثان لتونس بطعم الميدالية الذهبية الأولى حين أصدر الرئيس قيس سعيد مجموعة قرارات أولها تولي السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة جديد يعينه بنفسه بعد إعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه وتجميد عمل البرلمان لمدة 30 يوما ورفع الحصانة عن النواب ومن يتعلق بهم أي قضايا مع تولي رئيس الدولة رئاسة النيابة العمومية للتحقيق في هذه الملفات.
وما بين الصباح والمساء سارت أحداث اليوم هي الأخرى بوتيرة استثنائية تصاعدية، حيث جاء احتفال التونسيين بشكل مختلف بالذكرى الـ64 لعيد الجمهورية الذي يوافق إلغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري سنة 1957، حيث عمّت الاحتجاجات الشعبية العديد من مناطق الجمهورية التونسية منذ الصباح الباكر وتزايدت الأعداد بشكل كبير خاصة في صفاقس ونابل وقفصة وسوسة والقيروان وتوزر، وذلك مع تقدم ساعات النهار رغم حظر الجولان المفروض بسبب تردّي الأحوال الصحية نتيجة زيادة عدد المرضى والضحايا لفيروس كورونا اللعين.
وقد تطورت الاحتجاجات في بعض المدن إلى حرق مقرات حركة النهضة الإخوانية وإسقاط اللافتات من أمام تلك المقرّات مع رفع شعارات ضد الإخوان مثل "ارحلوا سئمنا منكم"، وهتافات أخرى مناهضة لزعيمها راشد الغنوشي: "يا غنوشي يا سفاح يا قاتل الأرواح" و"الشعب يريد حل البرلمان"، و"لا خوف لا رعب السلطة بيد الشعب" وغيرها من الشعارات الغاضبة.
وجاء تدخل الرئيس قيس سعيد في وقت كانت أيدي التونسيّين على قلوبهم خوفا من أن تخرج الاحتجاجات عن طابعها السلمي خاصة في ضوء المناوشات مع قوات الشرطة. واستندت قرارات الرئيس سعيد إلى الفصل 80 من الدستور والذي يعطي كافة الصلاحيّات لرئيس الجمهوريّة في حالة خطر داهم مهدّد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها ويتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة في أن يتخذ التدابير اللازمة للحفاظ على الوطن وأمنه واستقلاله وحمايته من أي تهديدات محتملة.
وجاءت القرارات استجابة متأخرة -باعتراف الرئيس- لمطالب الشعب الغاضب ضد الحكومة ومجلس النواب ذي الأغلبية الإخوانية وصدرت بعد ترأس قيس سعيد اجتماعًا طارئًا للقيادات العسكرية والأمنية في الوقت الذي كان المئات من المحتجين مجتمعين في محيط مقر البرلمان في باردو بتونس العاصمة للدعوة إلى تنحّي الحكومة وحل البرلمان رافعين شعارات "ارحل- ديقاج" للنهضة ومرشدها راشد الغنوشي رئيس البرلمان.
وجاءت تلك التحركات التي دعا إليها نشطاء -غالبيتهم من الشباب الذي لا ينتمي إلى أحزاب- عبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام تعبيرًا عن السخط بعد أن بلغ السيل الزُّبى في ضوء تردي الوضع الصحي مع الموجة الوبائية المرتبطة بفيروس كورونا والتي كشفت الفشل الحكومي في مواجهة الجائحة إضافة إلى الصعوبات الاقتصادية الخانقة والتوتر الاجتماعي بسبب الفقر والبطالة.
وقد احترم الرئيس الدستور بعدم إعلان حل البرلمان بشكل كامل والاكتفاء بتجميد أعماله نظرا لأن المعلوم للجميع أن البرلمان جزء من الخطر الداهم الذي يحيق بالبلاد والدستور لا يمنع تجميده. كما أن الرئيس أقال الحكومة التي أصبحت غير قادرة على ممارسة مسؤولياتها وفشلت في العديد من الملفّات الملّحة. وقد توفرت الظروف التي توجب على الرئيس أن يتحمل بنفسه مسؤولية إصدار القرارات الموجبة للإجراءات الاستثنائية نظرا لعدم تشكيل المحكمة الدستورية بعد الخلاف الشهير بين الرئيس والبرلمان حول تشكيلها والتي كانت من المفترض في صورة تشكيلها أنها تراقب مدى توافر الخطر الداهم الذي يستدعي إصدار الإجراءات الاستثنائية.
وقد خرج آلاف التونسيين للشوارع رافعين الأعلام محتفلين بقرارات رئيسهم وكانت ليلة فرح طالما حُرم منه التونسيون منذ غمة الإخوان في الحكم والتردي المتواصل لأوضاعهم. وقد استمرت الاحتفالات لساعات الفجر الأولى حيث جابت السيارات الشوارع مع المنبهات والزغايد وأطلق البعض "الشماريخ" ابتهاجا بقرارات سعيّد. كما وقف المئات أمام مقر البرلمان للتعبير عن فرحتهم. وانتشرت وحدات الجيش في مداخل العاصمة تونس وبعض شوارعها الرئيسية، وقامت قوات من الجيش بتطويق مبنى التلفزة الحكومي.
ويأمل التونسيون في هذه اللحظات الحاسمة أن يستكمل الرئيس فصل النهاية لحكم الإخوان في تونس وأن يقف بالمرصاد لمن يتحدى قراراته خاصة بعد تصريحات الغنوشي التي يتهم فيها الرئيس سعيد بالانقلاب على الثورة والدستور، مع تهديد حركة النهضة بدفع أنصارها للنزول للشارع رفضا لقرارات الرئيس سعيد.
الرئيس التونسي من جهته استبق ردود فعل الإخوان محذرا بأنه لن يسكت على أي شخص يتطاول على الدولة ورموزها ومن يطلق رصاصة واحدة سيطلق عليه الجيش وابلا من الرصاص. ثم أعطى رسالة ثقة إلى شعبه عندما نزل حوالي الساعة الواحدة والنصف فجر الإثنين بالتوقيت المحلي إلى شارع الحبيب بورقيبة ليشارك المئات من المواطنين فرحتهم بإزاحة الإخوان!