الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

"المسيرة الوهمية".. معضلة الاختيار بين التفكير والترفيه

الصراع أبرز مواقف متناقضة تغلب عليها الثنائيات

بوستر عرض المسيرة
بوستر عرض "المسيرة الوهمية"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 يُراهن المخرج طارق الدويري كعادته في مغامرات فنية محسوبة على شباب موهوب دون الاعتماد على الكبار، الذين يكتفي بأن يُطعِّم بهم خشبة المسرح كضيوف مميزين. يتألقون، دون أن يسرقوا الأضواء من هؤلاء الشباب الذين ينخرطون لشهور في عمل مُرهق، قد لا يعني لهم ماديًا شيء يُذكر، لكن متعة اكتساب الحِرفة هي ما يبحثون عنه. وللحق فإن الدويري حِرفي ماهر، يُتقن انتقاء من يُشاركهم الصنعة.

هذه المرة يعود في عرضه الجديد "المسيرة الوهمية"، ليُلقي الضوء على مسيرة كاتب كبير، هو في الوقت نفسه والده، الكاتب المسرحي الراحل رأفت الدويري (1937-2018)، ليُشّكِل من سبعة نصوص كتبها الأب عرضًا فائق المُتعة. فعلها طارق من قبل في توظيف الكتابات الأدبية في مسرحياته ومنها "الزومبي والوصايا العشر" 2016، وهي مستوحاة من عدة نصوص منها رواية "1948" للبريطاني جورج أورويل و"فهرنهايت 451" للأمريكي راي برادبري، وكتابات الشاعر اللبناني وديع سعادة.

في أعقاب نهاية العرض الذي امتد لما يقرب من ساعتين ونصف، قالت صديقة ألمانية تعرف القليل من العربية: رغم عدم فهمي الكامل لما يقول هؤلاء الشباب، لكن روحهم والحيوية الموجودة على المسرح جعلتني أُتابع العرض كاملًا دون ملل. هكذا أثمرت جهود الدويري الصغير، الذي بدأ هذا المشروع الفني عام 2019، من خلال ورشتي عمل، الأولى كانت لاختيار الفنانين المشاركين في العمل، والثانية خصصت لكتابة النص المسرحي، حيث أتاح الأعمال الكاملة لرأفت الدويري للمشاركين في ورشة الممثلين التي تقدم لها نحو 300 فنان وفنانة، اختار منهم 40 للمشاركة في المسرحية، وطلب من كل فنان أن يختار الدور الذي يريد أداءه في العمل، ثم بدأ ورشة الكتابة التي اعتمدت على مسرحية "الطفل المعجزة".

وبعد الانتهاء من النص عمل بجد على رؤية مختلفة للسينوغرافيا المسرحية التي تُدخِل بعض تقنيات السينما في العمل المسرحي، من خلال تفعيل أدوات الإضاءة والألوان والتشكيل والشعر، والاستفادة من الآليات الرقمية والمعطيات السينمائية الموحية. كذلك عمل على المزج بين فنون المسرح القديمة، التمثيل والغناء والرقص والموسيقى والاستعراض، والتي استقبلت الجمهور أمام المسرح، ثم جذبته إلى عالم أكثر إبهاراً.

يسعى عرض "المسيرة الوهمية" إلى تقديم عمل يطرح على المتلقي أسئلة دون أن يُقدِّم إجابات، وعلى المشاهد أن يسعى إلى الوصول إلى الإجابة بنفسه من خلال إعمال عقله والتفكير في الواقع الذي يعيشه. يُساعده في هذا جزء السرد، حيث يكون المشاهد أمام راو يسرد القصة، ثم تكرار روايتها في بداية العمل وفي نهايته، ثم راو آخر، هو مؤلف النص الذي يطلع المشاهد على معضلة الاختيار التي واجهها بين كتابة نصوص هادفة تشحذ على التفكير والفعل أو كتابة نصوص مبتذلة تستهدف تسلية الجمهور والترفيه عنه دون أي رسالة أو معنى وراء العمل الفني. في الواجهة قضية الصراع من أجل الوجود مع نضوب النهر، وهو في كل الثقافات القديمة مصدر الرخاء والحياة، لذلك يسعي الإنسان بحثاً عن شربة ماء تروي ظمأه، أو حفنة من دقيق تضيع هباء بسبب الصراع عليها، ونرى الصراع على رغيف الخبز أملاً في الفوز بجائزة تعرضها سلطة لا تفعل شيئاً سوى الإشراف على تراكم الثروة إلى حد التخمة لدى القلة واستشراء الفقر لدى الكثرة وحماية الأغنياء من الفقراء وقتل من يسعى للمعرفة، وإنتاج أسطورة مستمطر المطر الذي تشخص إليه أبصار الناس الذين يُعانون الجدب والفقر نتيجة لجفاف النهر الذي توقف عن التدفق. لتبرز من خلال كل هذا الصراع مواقف متناقضة تغلب عليها الثنائيات، لتدور أغلب هذه الصراعات بين ثنائيات المرأة والرجل، والحاكم والمحكوم، والغني والفقير، والمعرفة والجهل، والبؤس والرخاء، والفرد والمجموع!

1000_ca3afc1a74
1000_ca3afc1a74
105783-المسيرة-الوهمية
105783-المسيرة-الوهمية
377936-2050926118
377936-2050926118