تحولت مفردات الحياة اليومية خلال السنوات العشر الماضية إلى تطبيقات رقمية تقوم بالدور الذي كان يحتله الإنسان فيما مضى، فعند الحيرة يُمكنك أن تسأل "جوجل"، وإذا أردت أن تعرف شيئًا عن أحد الأصدقاء أو أفراد العائلة فسوف تتصفح "فيسبوك" أو "إنستجرام"، وبالطبع إذا أردت أن تبتاع شيئًا فما عليك إلا أن تزور متجر "أمازون" العملاق. هذا الأخير صنع مؤسسه جيف بيزوس أسطورة في عشرات الدول، كان أساسها بيع الكتب.
في كتابه الجديد، والمُترجم حديثًا إلى العربية "ضد أمازون"، يُهاجم الكاتب الإسباني خورخي كاريون إمبراطورية أمازون التي يصفها بأنها "الوحش الذي يبتلع كل ما أمامه"، بعدما لم تترك شيئًا إلا وتاجرت به، فيُعدد أسباب هذه الكراهية، ويدعمها بلقاءات مع أصحاب أشهر المكتبات العالمية، الذين أضرتهم عملية شراء الكتاب من ناشره وتوصيله إلى المنزل دون المرور بالمكتبة. كذلك جهاز "كيندل" الذي حاول مُحاكاة الكتاب الورقي في هجوم آخر على رائحة الحبر والطباعة، وإفساد لواحد من أعظم أركان مُتعة القراءة نفسها!
الترجمة العربية للكتاب جاءت بتوقيع شرقاوي حافظ، وإصدار العربي للنشر، والتي شغل صاحبها شريف بكر لفترة رئاسة لجنة التطوير المهني باتحاد الناشرين المصريين، وهو عضو لجنة حرية النشر في الاتحاد الدولي للناشرين، والذي قال في عدة مناسبات أن الكتاب الإلكتروني، سواء في صيغة القراءة أو صيغة صوتية، لن يقضي على الكتاب المطبوع. ربما ترجم بكر الكتاب لمشاركته كراهية فكرة حصول القارئ على كتاب دون التمتع بالتجول بين أرفف المكتبات، خاصة وقد جمع المؤلف والناشر من قبل كتاب آخر في حب المكتبات هو "زيارة لمكتبات العالم" بترجمة ريم داوود. ويصف هذا الكتاب بأنه "كتاب عن تاريخ الكتب، وهو أيضًا سيرة ذاتية، وكتاب رحلات، وخطاب رومانسي، ومحاولة لمقاومة ضغوطات الرأسمالية التي لم تترك شيئًا من العالم القديم الأصلي على حاله". كذلك فإنه يُجيب عن سؤال: لماذا يكره الناشرون أمازون؟
في بداية الكتاب الذي يقع في 254 صفحة من القطع المتوسط، يُعدد خورخي كاريون أسباب كراهيته لأمازون، والتي ظهرت في كتيب صدر عام 2017 بعنوان "سبعة أسباب ضد أمازون- بيان رسمي"، ولقى صدر كبيرًا وصل إلى ترجمته وإصداره بعدة لغات. بعدها شرع في إعداد هذا الكتاب، والذي ذكر فيه جمُلة عابرة قالها الكاتب الكبير "ألبرتو مانجويل" هي: أنا لا أشتري من أمازون. يقول كاريون: كما لو كان اتخاذه موقف ضد أمازون ضروريًا! ثُم عدد أسبابه وهي "لأنني لا أريد أن أكون شريكًا في المُصادرة الرمزية" بعدما تحولت مقار تاريخية لمجرد فروع إقليمية لمتاجر أمازون حول العالم، منها مبنى ظل في برشلونة لمدة خمسة وخمسين عامًا المكتب الرئيس لدار نشر جوستاف جيلي، و"لأننا البشر أنصاف آليين ولسنا آليين" بعدما وصف ما يقوم به عُمّال الشركة بأنهم يقومون بعمل ميكانيكي مهووس بالسرعة، فصاروا أقرب إلى الآليين "كيفا" و"سلام" اللذان تعتمد عليهما الشركة في رفع حمولة ثقيلة وجمع السلع وتعبئتها!
السبب الثالث الذي أعلنه كاريون، الذي يشرف على الماجستير في الإبداع الأدبي في كلية برشلونة للإدارة ويكتب في النسخة الإسبانية من نيويورك تايمز، هو "لأنني أرفض النفاق"، ضاربًا مثل بأن الشركة العملاقة التي تقول إنها لا ترفض الرقابة تبيع طبعات مُريبة من كتاب "كفاحي" لها مقدمات وملاحظات للنازيين الجُدد، وكذلك كتب تضم مواد خاصة بالبيدوفيليا -الاعتداء الجنسي على الأطفال- السبب الرابع هو "لأنني لا أريد أن أكون شريكًا في إمبراطورية جديدة"، والخامس هو "لأني لا أريدهم أن يتجسسوا عليَّ في أثناء قراءتي"، يقول: في يوم الكتابة العالمي الأخير كشفت أمازون عن أكثر العبارات التي وضع القراء خطوطًا تحتها على جهاز "كيندل" التابعة لها. فأنت إذا قرأت على جهازك، فسوف يكتشفون كل شيء عن عادات القراءة لديك. عند أي صفحة توقفت، وأي صفحة انتهيت من قراءتها، وما سرعتك في القراءة، وأي العبارات وضعت خطًا تحتها.
السبب السادس لدى المؤلف شخصي جدًا، هو "لأنني أدافع عن البطء والسرعة في ذات الوقت، والقرب نسبيًّا من العميل"، ليعكس منطق الشركة العملاقة القائم على السرعة، عبر إقناع القراء بحاجتهم إلى إيقاف الوقت؛ أما السبب السابع والأخير فهو "لأنني لست ساذجًا" عبر مقاومة الثلاثي الرائد للعولمة "فيسبوك وجوجل وأمازون"، من خلال المحافظة على طقوس معينة، مثل المشي من منزله للمكتبة وهو يُصفِّر، والشراء من على أرفف المكتبات.
بعد سرد أسبابه، ينطلق عاشق المكتبات الإسباني ليُجري المقابلات مع أصحابها الذين تهددهم أمازون بإيقاف أعمالهم وإغلاق مكتباتهم تمامًا، بعدما صارت توصِّل إلى كل مكان، ولا حاجة للمشتري من أن يتحرك من مكانه. ثم يترك لقارئه مقالات أخرى ومقابلات مع مؤلفيه المفضلين، مثل ألبرتو مانجويل، وإيان سينكلير، ولويجي أمارا، وهان كانج؛ ويسرد رحلته إلى القبر الذي دُفِن به بورخيس، فيراه ويصفه لنا، ويقابل كل من كان مقربًا منه لكي يحكي تجربته الشخصية معه.