الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

"النفس والروح".. المفكر عبدالرحمن بدوي يناقش خصائص الحضارة العربية

المفكر عبدالرحمن
المفكر عبدالرحمن بدوي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ناقش الفيلسوف عبدالرحمن بدوي الخصائص الرئيسة والمميزة لروح الحضارة العربية، التي من خلالها يمكن معرفة حقيقة مظاهر الحضارة لدينا، منها مثلا سيادة ملكة الإرادة على الروح العربية، ما يجعلنا أغنياء في العلوم العملية، لكنها سبقت ملكة العقل التي تؤسس للعلوم النظرية، كما سبقت العاطفة المؤسسة للخيال حيث فنون الملاحم والروايات التمثيلية، وذلك بحسب ما جاء في أبرز مؤلفاته "من تاريخ الإلحاد في الإسلام".

يعتقد بدوي، الذي تحل ذكرى رحيله اليوم الأحد، أن اكتشاف الخصائص الرئيسة لروح الحضارة العربية هو الحل الأمثل لتفسير نتائجها وفهم مظاهرها التي صبغت مجالات مثل الدين والفن والقانون والسياسية.

يرى "بدوي" أن أول خاصية في الحضارة العربية هي التفرقة الواضحة بين النفس والروح، فهي تفرقة رئيسية نجدها واضحة في كل مظاهر هذه الحضارة من فن وعلم ودين وقانون وسياسية، فالروح مصدرها الله، مصدرها الملكوت الأعلى والنور، بينما النفس مختلطة بالجسم والتراب وتعلوها الظلمة، الأولى مصدر الخير، والثانية مصدر الشر.

يستكمل "بدوي" توضيحه لخاصية "النفس والروح" في الفهم العربي، لذا يرى أنه لما كانت الروح صادرة عن الله فهي من أجل ذلك روح واحدة بينما النفوس فردية مختلفة، ومن هنا فإن الروح واحدة بين الناس جميعا، هي مصدر الخير، فليس للإنسان إلا أن يفنى في هذه الروح وأن ينكر نفسه كل الإنكار، لأنها مصدر الشر والظلمة، ولهذا فإن روح الحضارة العربية تنكر الذاتية أشد الإنكار، فكل ما كشف عن ذاتية أو اتجه نحو توكيد الذاتية فهو شر.

يستعرض "بدوي" نتائج مثل هذه الفكرة في عدد من المجالات، ليبرز دور مثل هذه المرجعية في توجيه ظواهر محددة، مثلا في الفن، نجد انعدام الفنون التجسيمية في الحضارة العربية من تصوير ونحت، لأن في تصوير الجسم المستقل والشخصية المستقلة المفردة تعبيرا عن الذاتية وهذا ما لا يتفق وروح الحضارة، وفي المقابل أنتجت نوعًا خاصًا من الفن يسمى عند الإفرنج الأرابيسك. فن قائم على التكرار وإلغاء الجسم.

وبحسب "بدوي" فإن تجليات الفكرة في مجال القانون يبدو واضحًا حينما جعلت القانون صادرا عن القوة العليا أو الله، ولهذا لا تجد الروح معنى التفرقة التي يضعها القانون الروماني: القانون الوضعي والقانون الإلهي. ما دام مصدر القانون واحدا. وإذا كان القانون صادرا عن الله فيصدر عنه إذا على شكل "كلام" له أي على شكل كتب مقدسة فيها بيان أوامره ونواهيه، ولهذا فإن مهمة القاضي في الروح العربية تختلف تمام الاختلاف عن مهمة البريتور عند الرومان، لأن مهمة الأول مهمة الشارح بينما مهمة الثاني مهمة من يستخلص القانون من الأحوال العلمية والحوادث التي تقع. وإذا لم يكن في كلام الله ما ينطبق على الحالة المعروضة على القاضي، فليس له أن يحكم بنفسه، بل لابد من الإجماع، ولهذا عد الإجماع  دائما المصدر التالي مباشرة للكتب السماوية.

وفي ميدان السياسة تتحقق الفكرة من خلال اعتبار أن الحكم دائما يجب أن يكون مستمدا من هذه القوة العليا، وإلا فسد الحكم. ولهذا اعتبر الحاكم دائما رجل دين، وجمع الحاكم في نفسه بين السلطة الدينية والدنيوية وفكرة الخلافة الإسلامية أوضح مثال لما نقول.

يشار إلى أنه في الخامس والعشرين من يوليو العام 2002، غادر المفكر والفيلسوف عبدالرحمن بدوي عالمنا، تاركًا عدد كبيرا من المؤلفات والرسائل العلمية.

يعد بدوي أحد أبرز أساتذة الفلسفة العرب في القرن العشرين وأغزرهم إنتاجا، إذ شملت أعماله أكثر من 150 كتابا تتوزع ما بين تحقيق وترجمة وتأليف، ويعتبره بعض المهتمين بالفلسفة من العرب أول فيلسوف وجودي مصري، وذلك لشده تأثره ببعض الوجوديين الأوروبيين وعلى رأسهم الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر.

كتب بدوى عددا ضخما من المؤلفات مثل: الأخلاق، الأخلاق عند كانت، أفلاطون في الإسلام، الإنسان الكامل، الإشارات الإلهية، شطحات الصوفية، تاريخ الإلحاد في الإسلام، الفلسفة الوجودية، منطق أرسطو، مناهج البحث العلمي.. وغير ذلك كثير.