الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

منير أديب يكتب: دولة طالبان على حدود الصين

منير أديب
منير أديب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من أهم الدلالات التي يمكن أن نقرأها من وراء سيطرة حركة طالبان على قرابة 90% من الحدود والمعابر مع دول، طاجيكستان وأوزبكستان وتركمنستان وإيران، أنها اقتربت من السيطرة الكاملة على أفغانستان، خاصة أنها سيطرت هذه المرة على المعابر الحدودية وليست القرى، وما تحمله هذه المعابر من دلالات قد تدفع الدول التي لها حدود مع أفغانستان إلى الاعتراف بحركة طالبان وتطبيع العلاقات معها.

صحيح لم تسيطر طالبان على المدن الكبيرة ولم تسيطر على العاصمة كابول حتى كتابة هذه السطور، واختارت أن تسيطر على القرى التي لا يوجد فيها سكان كثر وأغلب عوائلها مناصرون للحركة، ولكنها انتقلت من هذه القرى إلى المعابر والحدود مع الدول الكبرى حتى تحقق الاعتراف الدولي، وهنا تريد أن تنتقل من فكرة الحركة والتنظيم إلى فكرة الدولة.

سيطرة طالبان على هذه الحدود سوف يكون له أثرها المادي الملموس، كما أنه تعد مصدر دخل للحركة، حيث فرضت الرسوم على المعابر والحدود التي تسيطر عليها في الداخل وعلى حدود أفغانستان، وسيطرة الحركة على هذه الحدود قد تكون مقدمة لسيطرتها على المدن الكبرى، ولعله أهم من وجهة نظر الحركة في الوقت الراهن.

لا ترى الحركة أهمية كبيرة من سيطرتها على المدن الكبرى بقدر رؤيتها لأهمية السيطرة على الحدود والمعابر، فقد تكون السيطرة على المدن الكبرى مهمة بالنسبة للداخل والتأكيد على انتصارها، ولكن الأهم من وجهة نظرها على الأقل في الوقت الحالي، هو تحقيق هذا الانتصار خارجيًا من خلال السيطرة على المعابر الحدودية.

لا شك أن القوات الأفغانية والحكومة نفت هذه التصريحات ووصفتها بأنها محض افتراء، رغم أن الشواهد تؤكد رواية "طالبان"، حيث حشدت طاجيكستان قواتها على الحدود في الساعات القليلة الماضية، واضطرت الدول التي تربطها حدود مع أفغانستان إلى عقد اتفاقيات أمنية وتجارية مع الحركة بهدف التقليل من الخطر على أمنها القومي مع محاولة احتواء هذه الحركة في ظل ما تراه من صراع أمريكي غير معلن.

انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية المفاجئ من أفغانستان كان معدًا له سلفًا فلم يكن مفاجئًا، ويمكن قراءته من زاوية الصراع الأمريكي الصيني، فأرادت واشنطن ردع الصين من خلال إنشاء إمارة إسلامية على الحدود، خاصةوأنها تعاني من القوميات والإثنيات العرقية، ووجود قرابة 11 مليون مسلم في إقليم شينجيانج، ولدى البعض منهم مطالب لا تستجيب لها حكومة الصين، ما خلق مناخًا قد يكون مساعدًا على التطرف في المستقبل، وبالتالي قد يلتحم متطرفو مسلمي الإيجور مع نظرائهم في أفغانستان من القاعدة وطالبان، وإذا حدث فسوف تكون المشكلة الأكبر التي تواجه الصين.

خروج الولايات المتحدة من أفغانستان هدفه إتاحة فرصة لسيطرة طالبان على الحكم، حتى تصبح أفغانستان منصة للعنف في قارة آسيا وهو ما يُهدد صعود الصين التجاري والعسكري، والهدف الأساسي هو الوقوف أمام مبادرة الحزام والطريق أو ما يُعرف بطريق الحرير، الذي تسعى من خلاله الصين إلى ربط قارة أفريقيا بآسيا وأوروبا عبر طريق بري وبحري، وبالتالي تُصبح مصنع العالم الكبير، وتنقل تجارتها إلى دول العالم دون أي عناء.

الولايات المتحدة الأمريكية تعيد تخليق بيئة العنف والتطرف في أفغانستان بهدف مواجهة صعود الصين، كما أنها واجهت من قبل الاتحاد السوفيتي من خلال أفغانستان، وكانت كابول أحد أسباب تفكك هذا الاتحاد بهزيمة منيت بها القوات السوفيتية في هذا الوقت، عندما انتهت الحرب الأفغانية التي دعمت من قبل المخابرات المركزية الأمريكية، واتجه هؤلاء المتطرفين بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكانت أحداث ضرب برجي التجارة العالمي في العام 2001.

صحيح أن واشنطن أرادت أن تحد من قدرات القاعدة وطالبان فكان الغزو الأمريكي قبل عشرين عامًا، ولكنها لم ترد أن تقضي على "القاعدة" و"طالبان"، بدليل وجودها دون أي دور فعال، مجرد قاعدة عسكرية، وهدفها استخدام هذه التنظيمات في التوقيت الذي تراه مناسبًا، وها هي الآن ترى الوقت مناسب بعدما حاولت أن تحد من قدرات الصين دون أي نتيجة، خاصة أن الناتج المحلي للصين تجاوز 10% على مدى عشرين عامًا، فباتت الصين الأقوى اقتصاديًا بعد أمريكا وقد تتفوق عليها في المستقبل، وهو مرجح بصورة كبيرة.

سوف تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية تنظيمي "القاعدة" و"طالبان" بهدف مواجهة توغل الصين الاقتصادي والعسكري وزيادة نفوذها، كما فعلت قبل ذلك مع الاتحاد السوفيتي، وهو ما سوف يؤثر على أمن العالم بأكمله وليس الصين فقط، وبالتالي سوف يتحور هذان التنظيمان وينتجان تيارات أكثر تطرفًا يعاني منها العالم كما عاني من تنظيم "داعش" وما زال.