تحتفل مصر، اليوم بالذكرى الـ69 لثورة يوليو 23 يوليو 1952، وهي التي أحدثت تغييرًا هائلاً في بنية المجتمع المصري والعربي، وحرضت شعوب العالم الثالث على نيل حقوقها والسعي للتخلص من الاستبداد والحكم الاستعماري.
وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو، إنه كان وما زال على ثقة كاملة من قدرة مصر على تحقيق المعجزات بما نرضاه ونفخر به، ليكون حاضر ومستقبل مصر بعظمة ومجد ماضيها، وليجد كل مواطن في هذا البلد متسعا كريما له ولأبنائه، مستلهمين في ذلك روح ثورة 23 يوليو الخالدة.
وأضاف السيسي: “ أقول في ذكراها أننا قادرين على الحفاظ على مقدرات الوطن ومكتسبات شعبه العظيم”.
انحياز للفلاح
ولم تكن ثورة 23 يوليو 1952، مجرد ثورة إصلاح سياسي فقط، بل جاءت للإصلاح الاجتماعي أيضًا، وانحازت للفلاح المصري بنسبة كبيرة جدًا، حيث صدر قانون الإصلاح الزراعي المصري، 9 سبتمبر 1952، في عهد الرئيس محمد نجيب، وطبقه جمال عبدالناصر، وهذا بعد ثورة 23 يوليو بخمسة وأربعين يومًا، وكان الهدف الأساسي من هذا القانون هو إعادة توزيع ملكية الأراضي الزراعية في مصر بحد أقصى 200 فدان للفرد.
هذا القانون الذي حول اهتمام الدولة بالفلاح، من مجرد رمز على جدران معابدها الممتلئة برسومات الفأس والمحراث والأدوات الزراعية، في الدولة الفرعونية القديمة، مرورًا بالعصر الحديث، إلي مواطن يمتلك كافة الحقوق، وأهمها حقه في تملك أرضه، ومن هنا جاء الاحتفال بعيد الفلاح فى 9 سبتمبر من كل عام، اليوم الذي مكنه فيه قانون "الإصلاح الزراعي".
ونص القانون على تحديد الملكية الزراعية للأفراد، وأخذ الأرض من كبار الملاك، وتوزيعها على صغار الفلاحين المعدمين، وصدرت تعديلات متتالية حددت ملكية الفرد والأسرة، متدرجة من 200 فدان إلى خمسين فدانًا للملاك القدامى.
وعرفت هذه التعديلات بقانون الإصلاح الزراعي الأول والثاني، وأنشئت جمعيات الإصلاح الزراعي لتتولى عملية استلام الأرض من الملاك بعد ترك النسبة التي حددها القانون لهم، وتوزيع باقي المساحة على الفلاحين الأجراء المعدمين العاملين بنفس الأرض، ليتحولوا من أجراء لملاك.
الفلاح يجني ثمار زرعه
جاءت هذه الإجراءات الإصلاحية الكبيرة ليرفع الفلاح المصري رأسه، ويمتلك أرضه الذي تكبد الكثير من الجهد والتعب بها منذ سنوات طويلة، وتوسعت بالإصلاح الزراعي زراعات مثل القطن، وبدأ الفلاح يجني ثمار زرعه، ويعلم أبناءه، ويتولى الفلاحين حكم أنفسهم، وانهارت طبقة باشوات مصر ملاك الأرض الزراعية وحكام مصر قبل الثورة.
وبلغ مجموع الأراضي التي يطبق عليها قانون سبتمبر سنة 1952، مساحة 653.736 ألف فدان، تنتمي إلى 1789 مالكًا كبيرًا، ولكن الأرض التي طبق عليها القانون في واقع الأمر بلغت 372.305 آلاف فدان، أما البقية، وهي حوالي النصف فقد قام الملاك ببيعها بأساليبهم الخاصة حتى أكتوبر سنة 1953 حينما ألغت الحكومة النص الذي كان يتيح للملاك بيعها بأساليبهم.
وتم نزع ملكية ما يقرب من نصف مليون فدان في ظل قانون الإصلاح الزراعي، أي ما يقرب من 8.4% من إجمالي المساحة المنزرعة في مصر في ذلك الوقت، وتم توزيع هذه الأراضي وفقًا لنظام معين من الأولويات، بحيث أعطيت الأولوية عند التوزيع "لمن كان يزرع الأرض فعلًا مستأجرًا أو مزارعًا، ثم لمن هو أكبر عائلة من أهل القرية، ثم لمن هو أقل مالًا منهم، ثم لغير أهل القرية".
أيضًا عمل القانون على القضاء على الركيزة الثانية للاحتلال الإنجليزي، وهم ما أسمته الثورة بالإقطاع، أي كبار ملاك الأراضي الزراعية، الذين كانوا يحتكرون الأرض والحياة السياسية في البلاد، وما كان يعني ذلك من خلل اجتماعي رهيب، بدأت آثاره تظهر في شكل مصادمات بين الفلاحين وكبار الملاك والسلطات المحلية في بعض القرى.
واستقالت وزارة علي ماهر، بعد صدور القانون بيومين، كما أعلن الكثير من السياسيين والشخصيات القيادية في الأحزاب العلنية الموجودة على الساحة معارضتهم للقانون، بل إن أحدهم تجاوز مرحلة المعارضة إلى التمرد المسلح ضده، فقد تصدى "عدلي لملوم" المالك الكبير، ومن ورائه عائلته ذات النفوذ في محافظة "المنيا" جنوب مصر، ومعه مئات من الرجال المسلحين، للسلطة الجديدة، وأعلن أنه لن يترك هذا القانون يمر.
ورغم أن هناك من رأى في القانون أخطاءً في بعض جوانب عملية الإصلاح الزراعي، ومنها، أن قوانين الإصلاح الزراعي لم تحل مشكلة المعدمين الزراعيين، الذين بلغت نسبتهم قبل الثورة نحو 44%، وفي عام 1965 انخفضت إلى 40%، ثم ارتفعت عام 1972 إلى 45%، لكن كثيرين يرون أن ما منحه القانون من مكتسبات للفلاح مادية ومعنوية لا يمكن حصرها.
الإصلاح الزراعي حقق العدالة الاجتماعية
وقال الدكتور سيد خليفة، نقيب الزراعيين، إن مكتسبات ثورة 23 يوليو كانت كثيرة للشعب المصري، أهمها ما يخص الفلاح، وهي إصدار قانون الإصلاح الزراعي، الذي جعل الفلاح بعد أن كان مستأجرًا أو عاملًا في الأرض أصبح مالكًا لها، وبهذا عمل على تحقيق العدالة الاجتماعية لدي المجتمع المصري، وإلغاء الفجوة التي كانت موجود في المجتمع حينذاك.
وأضاف، أن الإنجاز الثاني التي حققته ثورة 23 يوليو هو إنشاء السد العالي، الذي من خلاله استطاعت الحكومة المصرية وقتها شق الترع والمصارف والمجاري المائية لاستصلاح أراض جديدة، والتوسع في الرقعة الزراعية لإحداث تنمية حقيقية في البلاد.
وأوضح، أنه لا يمكن تقديم إرشاد زراعي صحيح في ظل وجود مليون حائز لديهم مساحة 6 قراريط فقط، مشيرًا إلى أن مصر في عهد ثورة 23 يوليو كان عدد السكان بها 20 مليون نسمة، وبها الحيازات الزراعية القليلة بـ10 فدادين للمالك الواحد، والآن أصبح 100 مليون في ظل زيادة سكانية كبيرة تقضي على أي تنمية حقيقية في البلاد، وهذا التحدي الأكبر.
وأشار، إلى أنه يجب أن نواجه مشكلة تفتت الحيازة الزراعية بإصدار الحكومة حزمة تحفيزية لحائزي المساحات المفتتة من توزيع سماد، ودعم تقاوي، والمبيدات، وتسوية الأرض بالليزر، حتى نعمل على تجميع الأرض، ونستطيع أن نستغل هذه المساحات في زراعات قومية تنهض بالتنمية الزراعية في البلاد.
ثورة إنصاف للفلاح
وقال حسين أبوصدام، النقيب العام للفلاحين، إن ثورة 23 يوليو أنصفت الفلاحين، مشيرًا إلى أن الفلاح كان لا يمتلك أرضاً زراعية وكان يعمل أجيراً، ولكن الوضع اختلف بعد الثورة.
وأضاف، أنه بعد صدور قوانين الإصلاح الزراعي أصبح الفلاح مالكاً للأرض بعد أن وُزعت على الفلاحين من الإقطاعيين مما أدى إلى ثورة كبيرة في المجال الزراعي، متابعاً أنه بعد الثورة حدث تطور في المجال الصناعي الزراعي مثل إنشاء مصانع خاصة بالصناعات الزراعية كمصانع الغزل والنسيج والكتان.
ولفت أبوصدام إلى أنه بعد الثورة أصبحت مصر من أوائل الدول تصديراً للقطن والذى أصبح بعد ذلك علامة مميزة في جميع دول العالم، مما تسبب في انتعاش صناعة الغزل والنسيج، مؤكداً “بعد الثورة حدثت نهضة كبيرة نجنى ثمارها حتى الآن، كإنشاء السد العالي وحفر الترع والقنوات، وأزهى عصور الزراعة وإنصاف الفلاحين كانت بسبب ثورة 23 يوليو، ولم يتسلم الفلاحون أراضي مجانية إلا بعد الثورة حينما وزّع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر 5 أفدنة على كل فلاح”.