فى هذه الإطلالة الأولى على قراء البوابة كل يوم جمعة أود أن أتقدم بوافر الشكر للكاتب الصحفى الكبير عبد الرحيم على رئيس مجلس إدارة مؤسسة البوابة على إتاحة هذه الفرصة لقلمى المغترب فى عاصمة النور منذ نحو ٤٠ عاما.
فى ذكرى ثورة يوليو لم ننتبه كثيرا لفتح ملفات الثورة وزعيمها مع فرنسا.
فى الواقع كان كل أعضاء مجلس قيادة الثورة غرباء عن الثقافة الفرنسية التي صورتها السينما المصرية فى النصف الأول من القرن العشرين كإحدى علامات الأرستقراطية والإقطاع، وبدت اللغة الفرنسية علامة مسجلة لانفصال طبقة الأثرياء عن طبقة الشعب.
ومع هذا فإن الوطنية المصرية ولدت فى باريس على يد الرعيل الأول من زعماء الإصلاح ثم التحرر من الطهطاوى ومحمد عبده إلى أحمد لطفى السيد وسعد زغلول وآل فخرى عبد النور كلهم وصولا لطه حسين وتوفيق الحكيم.
وغنى عن الذكر التأثر الشديد لعبد الناصر برواية توفيق الحكيم "عودة الروح" التي كتبها فى باريس.
الغريب أن سفير فرنسا في القاهرة وقت قيام الثورة كان ( دى مورفيل وهو من أبرز قادة حركة المقاومة ضد الاحتلال النازي لفرنسا وسوف يصبح وزير خارجية ديجول ثم رئيس وزراء له ) لم يلتفت فى تقاريره لباريس لحركة الضباط الأحرار إلا أنها كانت تشير بإلحاح إلى تدني شعبية الملك والتذمر الواضح داخل الجيش. طبعا لا بد للإشارة إلى تدهور صورة الملك فى الصحافة الفرنسية ونشرها لفضائح له ولحاشيته.
وما إن قام الجيش بحركاته فى ٢٣ يوليو حتى تغير الاهتمام نظرا لوجود شركة قناة السويس ذات التاريخ الفرنسى المعروف وكذلك بسبب تطور نوعى فى العلاقة بين فرنسا الجمهورية الرابعة وإسرائيل(ستمنح فرنسا عندئذ القنبلة النووية لإسرائيل ). وكلنا يعرف قصة تأميم القناة وحرب السويس وثورة الجزائر جعلت علاقة مصر عبد الناصر وفرنسا الجمهورية الرابعة من أسوأ ما يكون.
فما إن عاد الزعيم شارل ديجول إلى الحكم عام ١٩٥٨ حتى تبدل المشهد تماما لينطلق ثروت عكاشة ضابط سلاح الفرسان وأحد الضباط الأحرار القلائل المهتمين بالثقافة الفرنسية إلى نسج شبكة علاقات وطيدة ومفيدة ستكون لها آثار وآثار خطيرة على العلاقات بين البلدين من ناحية وبين عبد الناصر شخصيا وديجول من ناحية أخرى. انتهت بزيارة للمشير عبد الحكيم عامر لفرنسا واستقبال ديجول له استقبالا حارا ثم إنقاذ معابد أبو سنبل بفضل القرار السياسى للزعيمين والنشاط الكبير لثروت عكاشة الذى كان قد أصبح وزيرا للثقافة وعالم المصريات الخالدة كريستيان ديروش نوبلكور وكنت محظوظا أن جمعتهما فى باريس عندما قرر اليونسكو تكريمهما بحضور د مفيد شهاب ود هاني هلال اللذين سيصبحان وزيرين كبيرين.
كما انتهي الامر باستقبال عبد الناصر للفيلسوف الفرنسى الأشهر جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار. أما قصة عبد الناصر مع الكاتب الصحفى الفرنسى الكبير جان لاكوتور فتحتاج مقال منفرد وقد حكى لى لاكوتور أسرار تلك العلاقة ومشروع زيارة عبد الناصر لفرنسا وديجول لمصر وهو للأسف لم يحدث لأسباب سأعود اليها في مقال لاحق.
فى غضون ذلك كله وافق عبد الناصر على إعارة كنوز توت عنخ آمون لمعرض تاريخي فى باريس إكراما لفرنسا ولديجول شخصيا. وهنا قال لاكتور:،لم يأت عبد الناصر لفرنسا ولكنه أرسل نيابة عنه وعن مصر الفرعون الأعظم وهو توت عنخ آمون.