تحتفل مصر بالذكري التاسعة والستين لثورة ٢٣ يوليو، والتي انطلقت بقيادة الضباط الأحرار، وتزامنت مع وجود البابا يوساب، البطريرك الـ١١٥، وكان قد تم تنصيب الرئيس محمد نجيب رئيسًا للجمهورية.
وبدأت لدى الأقباط حالة من التوجس والخوف، مع وجود قبطى واحد، ينتمى إلى الصف الثانى في الحركة، وهو اللواء أنور عبدالله، وانحسر دور النخبة القبطية في حجم المشاركة السياسية، وظهور قيادات لحركة الشارع، ينتمون إلى جماعة الإخوان، وجماعات أخرى متشددة دينيًا، وإطلاق اسم حركة يوليو المباركة على الثورة.
الصحافة القبطية وإصرار على المواطنة
وصدرت أثناء بدايات الثورة، عدة قوانين، منها: التأميم، والإصلاح الزراعي، سببت انزعاجًا وخسائر مالية، لنخبة وأثرياء الأقباط، ووقتها كانت صحيفة "المصري" هي لسان حال الأقباط، وركزت مقالاتها على الأضرار الفادحة، حسب وصفها، لما لحق الأقباط؛ وطالبت بالعدالة والمساواة، وإبعاد أصحاب الرؤى المتشددة.
وعلى نهجها كانت صحيفة "الفداء"، وهذا بالطبع لم يمنع من وجود كتاب أقباط أشادوا بالإصلاح القادم عبر ثورة ٢٣ يوليو، كان في مقدمتهم الكاتب سلامة موسي، والقمص سرجيوس أحد زعماء ثورة ١٩ أيضًا، ورغم كبر سنه فقد دعم بقوة ٢٣ يوليو؛ مطالبًا في الوقت نفسه بالتكاتف، لإنهاء الاحتلال الإنجليزي، الذي اقترب من ٦٦ عامًا.
ثورة ٢٣ يوليو ورسائل الطمأنينة
وأدرك قيادات الضباط الأحرار، هواجس ومخاوف الأقباط من المستقبل، فبدأت رحلات منتظمة إلى الإبروشيات؛ وخلالها تم التأكيد على أن الأقباط جزء لايتجزأ من الثورة وحركة الإصلاح، وقاد اللواء محمد نجيب، رئيس الجمهورية، هذه الزيارات، وتم دعوة البابا يوساب إلى حضور مناسبات عديدة، وظهر بجانبه أثناء الخطابات الثورية والشعبية.
وأرسلت الرئاسة ومجلس قيادة الثورة، تهنئة للأقباط بعيد الميلاد، سنة 1953، ووافق مجلس قيادة الثورة، على طلب قدمه البابا يوساب، في ذكرى الثورة الأولى، على منح العاملين الأقباط في الدولة، خمسة أيام إجازة خاصة بأعيادهم، وتم اعتماد الإجازة رسميًا لعيد الميلاد، والقيامة، والغطاس، وأحد الشعانين، وخميس العهد.
الصراع الديمقراطي والكنيسة القبطية
ورصد الباحث سليمان شفيق، في كتابه "الأقباط 2000 عام بين المشاركة والعزلة"، إشكالية الصراع داخل الكنيسة، وقال إن هناك خمسة أجيال لا تعرف أن الصراع الديمقراطي داخل الكنيسة، يكاد يكون السر الثامن، وأنه منذ عام ١٨٧٢م، حينما تأسس المجلس المللي العام، بفرمان من البابا العالي، واختيار بطرس باشا غالي الكبير، وكيلا له، وأدى ذلك لصراعات، نتج عنها نفي الأنبا كيرلس الخامس، إلى دير البراموس عام ١٨٩١م، بإيعاز من بطرس باشا، وجُمِّدَ المجلس المللي أربع مرات، في عصور البطاركة: يوساب وكيرلس السادس وشنودة الثالث.
ويستمر الكاتب، ليكشف عن أن لائحة أخرى شهدت صراعًا لا يقل حدة عن سابقتها، وهي لائحة
اختيار البطريرك، التي اندلعت بعد وفاة الأنبا كيرلس عام ١٩٢٧، واستمرت حتى وفاة الأنبا يوساب، عام ١٩٥٧، واشتدت الأزمة في وقت اختيار البطاركة: يؤانس ومكاريوس ويوساب.
وكانت المعركة تدور حول شرط الرهبنة، الذي كان يعارضه الإصلاحيون، وشرط المجمع الانتخابي، وشرط ترشيح المطارنة أنفسهم، ووصل الخلاف إلى ذروته، بين القائمقام الأنبا يؤانس، ودعاة الإصلاح، بعد وفاة البابا كيرلس الخامس، وتقدم أحد أعضاء مجلس الشيوخ وهو الدكتور سوريال جرجس، باستجواب وعقد مؤتمر ضخم.
وتم انتخاب القمص يوحنا سلامة بطريركًا، وتنازل خوفَا من انقسام الكنيسة، ورفعت سبعة قضايا لإيقاف لائحة انتخاب البطريرك، وعقدت جلسة برلمانية، برئاسة الفقيه عبد الرحمن بدوي، وجاءت اللائحة بدون شروط دينية، ولم يتحدد الصراع إلا بعد وفاة البابا يوساب.
ويشير "شفيق"، بوضوح لدور الرئيس جمال عبد الناصر، في حسم الأمر، والاختيار للبطريرك عبر القرعة الهيكلية، وكان ذلك عبر رمزي استينو، وزير التموين؛ حيث لا يمكن أن يأتي رئيس الدولة بالاستفتاء، والبطريرك بالانتخاب، كما نصت اللائحة على أن تحدد سن الأربعين وأن يكون قد مر على رهبنة المرشح خمسة عشر عامًا.
وتردد وقتها إن ذلك تم لاستبعاد شباب ثوار الرهبان، وتحديدًا الراهب أنطونيوس السرياني، البابا شنودة الثالث فيما بعد، والقمص مكاري السرياني، والأنبا صموئيل، أسقف الخدمات فيما بعد، والراهب متى المسكين.
واشترطت أيضًا تصويت الصحفيين الأقباط بالصحف اليومية، نظرًا لأن الصحفيين المعارضين كانوا بالصحف الأسبوعية، وكان من اللافت للنظر فيما بعد، أن البابا شنودة الثالث، كتب مقالًا عارض فيها اللائحة، وبعد تجليسه وعد بتغييرها ولم يحدث، واستمر الصراع حول اختيار ٢٣ بطريركيًا، تراوحت فيها خلو المنصب البابوي، ما بين سنة إلى ثلاث سنوات، وبلغ عدد القضايا التي رفعت ٢٢ قضية.
عزل البابا يوساب وثورة ٢٣ يوليو
وقامت جماعة الأمة القبطية، والتي تزعمها إبراهيم هلال، وهو محام شاب، باختطاف البابا يوساب، البطريرك الـ١١٥، نتاج تجاوزات خادمه ملك، وتدخل مجلس قيادة الثورة، وأعاد البابا يوساب، الذي توفي بعد ذلك بعام، داخل المستشفي القبطي، وأرجع بعضُ الباحثين تجرأ جماعة الأمة القبطية، إلى أنه كان محسوبًا على الرئيس محمد نجيب، الذي عاني من نفس المضايقات، في مفارقة تاريخية.
وقالوا إن الدولة لم تتدخل سريعًا لعدم رغبتها في التدخل في شئون الكنيسة، خاصةً وأنه يوجد آباء وأساقفة، دعموا إزاحة البابا يوساب، ووصفوا ذلك بالمصلحة العليا للكنيسة القبطية.
ويرصد الكتاب أيضًا، قصة العزل في سطور، بأنه جرى تنصيب البابا يوساب، في عام 1946، وكما جرت العادة من أسلافه، تعهد وكيل المجلس المللي بعودة اختصاصاته، طبقا للقانون 19 لعام 1927، كما تعهد بالاستغناء عن خدمات خادم عُرِّفَ بالفساد، وهو ملك جرجس.
وصدر الأمر الملكي بتعيين يوساب الثاني، بطريركا للأقباط، في 14 مايو 1946، وبعدها رفض البابا يوساب تنفيذ وعوده، وفشلت محاولات الإصلاح، أما عن الخادم الفاسد فيصفه الأنبا توماس مطران الغربية، وسكرتير المجمع المقدس، بأنه كان بطريركًا غير متوج، ففرض إتاوات على الكنائس والأديرة، وتدخل في تعيين أساقفة ومطارنة، وبلغت ثروته عام 1950، نحو ربع مليون جنيه.
واستقال وكيل المجلس المللي، وحل محله يوسف صالح، وحاول التهدئة، وفشل أيضًا، وفوجئ الرأي العام، بجماعة شباب تخطف البطريرك، وتجعله يوقع على وثيقة تنازل، واكتشف الأمر، وأعيد البطريرك.
وفي 5 سبتمبر 1955؛ اجتمع المجمع المقدس، وأصدر قرارًا بإعفاء الأنبا يوساب الثاني من منصبه، وإبعاده عن مقر الكرازة المرقسية في القاهرة والإسكندرية، وتشكيل لجنة ثلاثية لإدارة الكنيسة، وبرر المجمع قراره بإعفاء البطريرك، بأسباب تتعلق بتبديد أموال الكنيسة، واتخاذ البطريرك للأشرار مستشارين له، وأخطر المجمع المقدس، المجلس المللي، بالقرار، فوافق على الفور، وأبعد البطريرك إلى الدير المحرق، في 24 سبتمبر 1956.
وبعد إلغاء الأحكام العرفية؛ حاول بعض رجال الاكليروس، إعادة البطريرك إلى القاهرة، إلا أن المجلس المللي، أقنع الحكومة بأن عودة البطريرك لكرسيه تخالف القرار الرسمي الصادر بوقفه، وتخل بالأمن العام، وأغلقت أبواب المقر البطريركي، في وجه البابا يوساب، ونلاحظ مما سبق، وقد تم توثيقه، أنه لا يوجد تدخل من مجلس قيادة الثورة، والرئيس جمال عبد الناصر، خليفة الرئيس محمد نجيب، في قصة عزل البابا يوساب.
الأقباط والكنيسة وتغيرات 1952: 1970
رصد الكتابُ مراحل مهمة، بدأت في مرحلة ١٩٥٢، وحتي عام ١٩٧٠، والمتابع لتطور الأحداث في هذه الحقبة، يستطيع أن يصفها بالفترة الذهبية لعلاقة الوطن بالكنيسة والأقباط، رغم أن مشاركة الأقباط في تنظيم الضباط الأحرار، كانت لا تزيد عن اثنين، ويكشف الباحث عن شخصية جديدة هي؛ شكري فهمي جندي، ينتمي إلى الصف الثاني في حركة الضباط.
ويفسر المستشار الراحل طارق البشري، ضآلة التواجد القبطي، بأن الجيش كان خاضعًا للنفوذ التقليدي للملك، ولم يلاحظ أنه كان لحزب الوفد، وهو مرتكز الحركة السياسية للأقباط، أي نفوذ مؤثر على المؤسسة العسكرية، حتى في فترات حكمه القليلة المتباعدة، جاء تنظيم الضباط الأحرار، على شاكلة المؤسسة التي انبثق منها.
ويستمر الكتاب، في رصد تغيرات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، التي أحدثتها الثورة في الهيكل الاجتماعي، وتناقض الشعور القبطي تجاه الثورة، بعد تحديد ملكية الأرض الزراعية، وتمصير المصالح الأجنبية، وتأميم الرأسمالية المصرية، وبدء الإجراءات الاشتراكية.
وبرز على السطح شعوران متناقضان؛ هما: شعور الأغلبية القبطية بالمساواة في فرص التعليم والتوظيف، وذلك عبر مجانية التعليم، ومكتب التنسيق بالجامعات، وتعيين الخريجين عبر القوى العاملة، وفي صراع الرئيس عبد الناصر مع الإخوان، والذي ساند فيه الأقباط الرئيس ناصر، وأصدر عبد الناصر قرارين؛ بجعل مادة الدين مادة أساسية، وإعادة تنظيم جامعة الأزهر بشكل عصري، إلا إنها صارت مقصورة على الطلاب المسلمين، رغم أن عبد الناصر كان يستهدف في إطار خطته، تحجيم الأزهر وتحديثه، إلا أن القرارين أديا إلى تديين المسألة التعليمية.
وفي الاقتصاد؛ تضرر الأقباط من قرارات التأميم، ووصلت خسارتهم إلى نسبة كبيرة، خاصةً في قطاع النقل، وأشهرها شركة حكيم مرجان، التي كانت تغطي الأقاليم، وفي مجال الصناعة والبنوك والأراضي الزراعية كانت الخسارة نسبتها كبيرة.
المشاركة القبطية وثورة ٢٣يوليو
جاء التمثيل القبطي عبر الجهاز التنفيذي والبرلمان، معتمدا على أهل الثقة، وجاءت مشاركة الأقباط ضعيفة، خاصة في الوزارات التي كانت هامشية، مثل التموين، ومع اختفاء الأحزاب، لم يعد ممكنا للأقباط أن يترشحوا في الانتخابات العامة، خاصة مع اختفاء حزب الوفد.
وفي برلمان ١٩٥٧؛ لم ينجح سوي قبطي واحد بشبرا، ورصد الدكتور ميلاد حنا، ابتكار الرئيس عبد الناصر، أسلوب غلق دوائر، اختارها الأمن بدقة، وكان المرشح القبطي لا بد أن يحصل على موافقة الاتحاد القومي، وكانت الدوائر يتنافس فيها المرشحون الأقباط فقط، مع العلم أن هذا الحل أو التعيين رفضه الأقباط، قبل الثورة بـ٣٠ عام، ومع الوقت فشلت التجربة، التي ابتكرها الرئيس جمال عبد الناصر، ولجأت الثورة إلى التعيين.
الكنيسة تدعم الثورة وتقاوم الهزيمة
واستمرت علاقة الكنيسة المصرية بالثورة، والقائمين عليها، خاصةً في الفترة من ١٩٥٢: ١٩٧٠، وحتي حرب أكتوبر العظيمة، واتحدت الكنيسة مع الوطن، ومع ثورة 23 يوليو، ودعمت شعارتها القومية، وحينما أقرت كنيسة الفاتيكان، تبرئة اليهود من دم المسيح، رأس الوفد القبطي المراقب في مجمع الفاتيكان، القمص باخوم عطالله المحرقي "الأنبا غريغوريوس"، والذي قال في اجتماع الفاتيكان: إن نقط الالتقاء بين الإسلام والمسيحية، أعظم من نقط الالتقاء بين اليهودية والمسيحية.
وأثناء هزيمة يونيو ١٩٦٧؛ شاركت الكنيسة في بيان أصدره شيخ الأزهر والبطريرك، وحددت موقفها من إسرائيل ذاتها، وجاء في كتيب أصدره بيت التكريس بحلوان، أن وراء زرع إسرائيل كدولة، وسط الشعوب العربية، عوامل تعتمد على أوهام دينية، واستمرت الكنيسة في دعم مكثف لحقوق مصر وفلسطين.
وأوفد البابا كيرلس السادس، الأنبا صموئيل، إلى الدول الغربية والعواصم الأوروبية، والولايات المتحدة، وأرسل رسالة إلى بابا الفاتيكان جاء فيها: لا يخفي ما أحدثه القرار الذي اتخذته إسرائيل بضم القدس العربية إليها، هزة عنيفة في مشاعر العرب، مسلمين ومسيحيين، وليس أشق على ضمير الإنسان ووجدانه من عمل عدواني يمس عقيدته ومقدساته، واختتم رسالته بعبارة قوية قال فيها: إن العرب لن يمكنوا إسرائيل من الأراضي المقدسة.
وعندما تنحي الرئيس جمال عبد الناصر، رأس البابا كيرلس، وفدا من آباء الكنيسة، معلنا تمسك الأقباط بعبد الناصر، ودقت أجراس الكنائس ابتهاجا بعودة الرئيس، بجانب دعم البابا كيرلس الدولي ومناشدته امبرطور إثيوبيا مساندة مصر، ووصفت العلاقة بين ناصر والبابا، بـ"الممتازة""، انعكست على تفهم مجلس قيادة الثورة، والرئيس جمال لحقوق الأقباط.
وتم في عهده بناء وتدشين الكاتدرائية المرقسية الجديدة، وشارك الرئيس وكبار رجال الدولة وأعضاء مجلس قيادة الثورة في حفل افتتاحها، وحتي عام ١٩٧٠م لم تحدث شكاوي طائفية، وظلت العلاقة بين الأقباط والنظام علاقة قوية.
فترة تغيرات وتوتر العلاقات
وشهدت فترة حكم الرئيس السادات تحولات وتغيرات سياسية واقتصادية، انعكست تماما وبشكل واضح على علاقة الكنيسة والأقباط بالنظام، ورغم أن بداية عصر السادات تزامنت مع بداية اختيار البطريرك الـ١١٧، ومع بداية الترشح أخبر السادات الكنيسة إن من تختارونه سيتم الموافقة عليه بسرعة وهدوء.
وأجريت الانتخابات في ٢٩ أكتوبر ١٩٧١، وتم اختيار ثلاثة؛ هم بترتيب عدد الأصوات: الأنبا صموئيل ٤٤٠ صوتا، والأنبا شنودة ٤٣٤ صوتُا، والقمص تيموثاؤس المقاري ٣١٢ صوتًا، وأجريت القرعة الهيكلية في ٣١ أكتوبر، وتم اختيار الأنبا شنودة الثالث، ليكون البطريرك الـ١١٧.
حرب أكتوبر تجسد الوحدة الوطنية
بعد اختيار البابا شنودة بعامين؛ بدأت معركة التحرير والعبور، الذي انتظره الشعب المصري طوال ٦سنوات، ووجه قادة الجيوش الميدانية نداء إلى ضباطهم وجنودهم قبل المعركة، قال فيها: ثقتي فيكم بغير حدود، أثق في إيمانكم بالله، وفي هذا قوله تعالي (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). (سورة التوبة/ الآية111).
ويستمر البيان: استمع يا أخي، إلى ما جاء في إنجيل متي: "من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلي يجدها".
وصف المستشار الدكتور وليم قلادة، البيان بأنه "تجسدت فيه معاني الوحدة الوطنية"، وشهدت المعركة تجسيدا حيًا للوحدة الوطنية بالدم، وبرزت أثناء الحرب أسماء مصرية مسيحية، تم تكريمها.
وانتصرت مصر، وبدأت تغيرات سياسية، وتصعيد الأصوليين على حساب اليسار، الذي كان يعتبره السادات متآمرًا، ونفس الاتهام طال البابا شنودة، من نظام السادات، بعد حدوث توتر طائفي بعد خروج أفاعي الجماعات الإسلامية من جحورها، وتمكنها من الجامعات.
وأيضا موقف البابا من مبادرة السلام، وإعلان الكنيسة عن مؤتمر يكشف عن وجهها المعارض، ودعت إلى مؤتمر ديني مسيحي، وعقد المؤتمر بالإسكندرية في ١٧يناير١٩٧٧، بعد عيد الميلاد بعشرة أيام، وأصدر المؤتمر بيانًا منعت السلطات نشره، وشمل المؤتمر نقاط غاية في الحساسية، وهي: حرية العقيدة، حرية ممارسة الشعائر الدينية، حماية الأسرة، الزواج المسيحي، المساواة وتكافؤ الفرص، وتمثيل المسيحيين في الهيئات النيابية. والتحذير من الاتجاهات المتطرفة.
وطالب البيان بشكل مباشر، بإلغاء مشروع قانون الردة، وإلغاء القوانين العثمانية، التي تقيد بناء الكنائس، واستبعاد الطائفية في تولي الوظائف بالدولة، وزاد الأمر تعقيدًا وسخونة تضامن المهاجرين الأقباط في الخارج مع مطالب مؤتمر الإسكندرية، وردت الجماعة الإسلامية بمؤتمر في يوليو ١٩٧٧، أعلن تأييده لقانون الردة، وكانت ذروة الصدام عدد مجلة الكرازة، والذي أعلن فيه البابا شنودة الصوم ثلاثة أيام، اعتراضًا على ما يحدث، وتكليف المجمع المقدس بتسليم خطاب للرئاسة.
السادات والبابا شنودة صدام وعزل
وأصدر الرئيس السادات، قرارا بعزل البابا شنودة الثالث، وإلغاء تعيينه، وتم التحفظ عليه بدير الأنبا بيشوي، ونلاحظ خلال فترة عشر سنوات، لم تحدث خلافات بين البطريرك والمجلس المللي، بل وسعي لتشكيله بشكل ديمقراطي.
ويعرض الكتاب نقطة مهمة، بدأت مع صدام ١٩٨١، حيث انقسمت مؤسسات الكنيسة القبطية، تجاه قرارات الرئيس السادات، خاصةً وأن أغلب المجمع المقدس رفض قرار السادات بعزل البابا شنودة، وظلت الصلوات في جميع الكنائس تذكر اسم البابا شنودة، وعلي الجانب الآخر جاء المجلس المللي، والذي يعتبر البرلمان القبطي، والجناح المدني الكنيسة.
وعمل اجتماعًا خاصًا بحضور اللجنة البابوية، وبعد ظهور نتائج الاستفتاء الشعبي على قرارات الرئيس، أصدر المجلس المللي بيانا يؤيد تأييدا كاملا وبقوة، ليس فقط لقرار عزل البابا، بل وكافة القرارات، والخطاب نفسه.
٣٠ يونيو عودة المواطنة
وبعد تحولات وتغيرات واضحة، رصدها الباحث، من خلال مراجعة وثائق ومؤتمرات مهمة، ووصولا إلى عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، والذي لم يكن ضمن أعضاء مجلس قيادة الثورة، بل كان امتداد لحكم الرئيس السادات، الذي يعتبر بعد حرب أكتوبر، انقلبت تماما على ثورة ورجال يوليو، وعاد المشهد لنفس نقطة البداية، مع اندلاع أحداث يناير، ليشاهد المصريون مشهدًا عبثيًا، وهو احتفال قتلة السادات بانتصار أكتوبر، ويوم ذكري مقتل بطل الحرب الرئيس محمد أنور السادات.
شعر الأقباط بخطر الفاشية الدينية، ودعموا بقوة ٣٠ يونيو، ليبدأ عصر جديد من المواطنة، والرجوع إلى المشاركة السياسية، والانخراط في العمل العام، بعد غياب دام قرابة أربعين عاما.