الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

في مستشفى العزل بجامعة المنصورة تفاخرت بمصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا أحد يدرك معنى الحياة أكثر ممن كان على وشك أن يفقدها، أو بالأحرى ممن تيقن من فقده لها لأن ملامح هذا الفقد قد بدأت بالفعل.

 حينما اصطادني فيروس كورونا كان مراوغا بدرجة ثعلب، اختفى من تحاليل الدم لفترة واختبأ بدعوى نوبة ربو ثم انقض على الرئتين التي قبع بها ولم تظهره سوى الأشعة المقطعية التي لم أصدق تقريرها وأنا واقفة على قدمي وظننت أن هناك خطأ ما، وهذه الأشعة لا تخصني. كوفيد 19 من الدرجة الرابعة، و التهاب رئوي؟ سلمت الأمر لله وذهبت إلى طبيبتنا التي وصفت لي بروتوكول العلاج بجدية وحذرتني من الإهمال نظرا لأنني مريضة ربو في الأساس، كانت نسبة الأكسجين طبيعية فحمدنا الله جميعا واستبشرنا خيرا وما هي إلا ليلة. 

ومالبثت أن انخفضت النسبة وبدأت أشعر بالاختناق.

 دقائق وكنت في سيارة الإسعاف في طريقي إلى مستشفى الطوارىء بالجامعة. لا أتذكر سوى أنني شعرت كمن تهاوى من الدور الخامس وتكسرت عظامه لون بشرتي الذي تغير فجأة إلى  درجة هي خليط من البنفسجي والحمرة وتفكيري الذي توقف عند كلمة مستشفى بتخوفات مسبقة أساسها ارتباط داخليها المصابون بكورونا بالموت. 

كانت المستشفى خلية من النحل، كانت  وجوها تختفي تحت ماسكات الأكسجين حتى أتي الطبيب وأجريت إجراءات الدخول لمستشفى العزل. 

السرير بالعنبر وماسك الأكسجين وآلام تحطم الجسد كله كسيارة تسير فوقه وتسوي به الأرض ثم تعاود الكرة من جديد مثلما يحدث دوما مع القط توم في الكارتون. كنت بين الغياب والحضور لا أميز أي وجه أو كُنهِ لطبيب أو ممرضة أو ممرض أحيانا -فقد كنت في عزل النساء-. فقط هناك من يوقظك لأخذ عينة من الدم لتحليل السكر ووظائف الكلى والكبد ونسبة الغازات في الدم وهي عينة يتم أخذها من الشريان. 

وهناك من يقيس الضغط. وهناك من يوقظك بهدوء حتى يقيس نسبة الأكسجين ونبضات القلب ويسألك عن أي عارض جديد تشكو منه. كل هذا وأنا لا أدرى هل سأموت أم سأنجو. كنت أرى ضوء النهار فأتفاءل بمنحي يوما جديدا ينمو فيه الأمل في النجاة رغم أنني لا أستطيع الذهاب إلى الحمام بسهولة، فقد كنت لا أستطيع نزع قناع الأكسجين إلا لدقائق معدودة.حينما استفقت من حالة القط توم وتيقنت من استقرار حالتي سألت عن الأدوية فقالوا لي أن الأدوية الموجودة بالمستشفى مجانية وللجميع. أخذت حواسي تستيقظ وتفتح عينها على المشهد من جديد لأرى الأطباء الذين لا أستطيع أن أفرق بينهم سوى من أصواتهم لأعرف إن كانوا أطباء أم طبيبات أم من طاقم التمريض، فالكل ملفوف في البدلات الزرقاء، على وجوههم الواقي وتحته الكمامة. الكل في حنو ورقة ويؤدي عمله ثم ينسحب بهدوء بعد أن نجهدهم بطلبنا منهم رفع أصواتهم وهم يجيبون أسئلتنا لأن مرور الأكسجين في الماء لترطيبه، يحدث وشيشا مستمرا. أما عاملات وعمال النظافة والتعقيم فحدث ولا حرج الكلور تمسح به الأرضيات دوريا وجيل التعقيم متوفر بالحمامات والطرقات وسلاتنا التي تمتلىء دائما بمخلفات العلاج والطعام فارغة ومبطنة بكيس بلاستيكي جديد. أذكر هدوءهم واستسلامهم لقدرية عملهم كمنقذي أرواح وفأدعو لهم وأقدر مهنة الطب أكثر. أذكر أنني كنت أطلب  ممن لا يدخل إلينا بواقي الوجه أن يرتديه. وأقول له نحن نخاف عليكم ( خطواتكم على الأرض تنمحنا الحياة) أنتم أغلى مما تتصورون. في هذه الأثناء كان الهلع يحيط كل معارفي عائلتي التي تتابع يوميا وأصدقائي ومعارفنا. كنت اطمئنهم وحدث أن تواصلت صديقة أمريكية لها اهتمامات اجتماعية في بلدها للإطمئنان علىَّ فما كان مني سوى أن أحكي لها تفاصيل ما كتبته لكم الآن. فكانت الدهشة تغلف كل ردودها والإعجاب بما أحكية وتصويري لما يحدث. أذكر أنها قالت أن الخدمة لا يقل مستواها عن مستوى أكبر المستشفيات فقلت لها:بالفعل أنت لا تعرفين أن المنصورة هي قلعة الطب في مصر أيضا. أذكر أنني قلت لها: هل عرفت الآن جانبا من فخري بمصر. البلد التي لا تبخل على أبنائها وقت الشدة ولا تقصر في رعايتهم. أتذكر أنها اطمأنت وقالت: لقد غيرت نظرتي بالفعل لأشياء كثيرة وسعيدة بما سمعت. مصر عظيمة. فقلت لها: بالفعل. كنت سعيدة بهذه اللقطة التي أعرف انها عادية لكن مصداقيتها لديها لها وقع كبيرهناك.أعرف أنني سأكتب كثيرا ليري القارىء جانبا لم يره ولم يتخيل وجوده ليفخر ببلده وأطبائه ممرضيه وعاملاته وعماله ويطمئن لكنني سأتوقف الآن لأشكر أ.دعمرو سمير المدير الإداري وأ.د/ مروة عمر، مدير العنايات وأ.د/ تامر الحديدي مشرف العنايات  و أ.د/ أمل رشاد وأ.د عمرو ياسين أستاذي التخدير والعناية المركزة  و أ.د/الشعراوي كمال مدير مستشفيات الجامعة ورعاية أ.د/ محمد حجازي المدير التنفيذي للمستشفيات والمراكز المتخصصة وقائد المسيرة بجامعة المنصورة أ.د أشرف عبد الباسط رئيس الجامعة. إن ما قدمتومه وتقدمونه ملحمة  عطاء وتفان يجب أن تدرس دمتم  جميعا فخرا لمصر والعالم.