الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثورة الزنج

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

دون إسقاط على أي حاجة، من موقع المعرفة نقرأ عن ثورة الزنج (٢٥٥ ـ ٢٧٠هـ/ ٨٦٩ ـ ٨٨٣م) كانت أهم "حروب الأرقاء" في الشرق. اندلعت في جنوب العراق وامتدت لإيران وبغداد. هي التي أثار عجاجها رجل عربي اسمه على بن محمد، فارسي الأصل، ادعى أنه من نسل على بن أبي طالب زوج فاطمة بنت النبي.

قامت حركة الزنج في عام ٢٥٥ هـ، وأنهكت دولة الخلافة العباسية قبل أن تقضي عليها، وكان عماد هذه الحركة في باديء الأمر بعض العرب المغامرين من المهالبة والهمدانيين وغيرهم، أما الفئات التي شاركت فيها فهي متنوعة: الزنج، أهل القرى، العرب الضعفاء، عشائر عربية ثائرة على السلطة.. أما فيما يتعلق بالشخصية التي قادت هذا الجمع، فهو على بن محمد الفارسي الأصل، وهو شخصية محيرة فعلًا حيث يلاقي الباحث صعوبات جمة في معرفة نسبه، وذلك بفعل تقلباته السريعة، تبعًا للظروف التي كان يمر بها، واتصف بأنه رجل طموح وموهوب.

ويبدو أن حياته كانت غير طبيعية فقد بدأها كشاعر في بلاط الخليفة بسامراء، ثم حاول القيام بحركة ضد النظام في البحرين للوصول إلى الحكم، إلا أنه أخفق في تحقيق مبتغاه، فسلك نهجًا جديدًا، وظهر كقائد ديني ومتنبئ، فادعى نسبًا علويًا محاولًا أن يستثمر ما للشيعة من عطف وتأييد بين الناس، وقد أحلَّه أتباعه من أنفسهم محل النبي حتى جُبِي له الخراج.

ويبدو أن جماعة كثيرة العدد في البحرين قد تنكرت له، مما دفعه إلى مغادرتها إلى البادية ليستقطب الأعراب، وادعى فيها النسب الشيعي على أنه يحيى بن عمر أبو الحسين، فالتف حوله بعض الأعراب استغلهم بإعادة السيطرة على البحرين، إلا أنه هزم وفر إلى البصرة.

والواقع أن فكرة المهدي المنتظر رافقت على بن محمد في جميع مراحل حياته السياسية؛ فاستغلها بذكاء، وهو بادعائه المهدية، كان يضرب على وتر حساس في نفوذ جماعة العلويين الذين برح بهم الشقاء، فكانوا يأملون في ظهور مهدي منقذ يزيل عنهم الغمة، ويفرج عن أيامهم كربتها، وركز كثيرًا على عراقة أصله وكتبها على نقوده وسمي نفسه "المهدي على بن محمد" المنقذ.

لقد تعارضت أفكار على بن محمد عن الخلافة مع مفهوم الشيعة لها التي تؤكد على الوراثة، وتبنى رأي الخوارج القائم على الشورى، مما نفَّر منه الأعراب البسطاء، وعرب البصرة والأهواز وواسط والمناطق المحيطة بها، كما رفض قرمط أن يرتبط معه بعوامل دينية، أما شدته وقسوته تجاه أعدائه فقد جعلته خارجيًا متطرفً، يُضَاف إلى ذلك أنه عامل أسرى الحرب معاملة الرقيق، ووعد أتباعه بأنه سيملكهم المنازل والعبيد، وهذا يعني تحويل حياة الزنج من أرقاء إلى ملاك للعبيد.

تفصيل ذلك أن عددا كبيرًا من الزنوج كانوا يعملون في كسح السباخ بالقرب من البصرة، فأخذ على هذا يذكر لهم سوء ما يلقون من المعاملة، ويحرضهم على أن يثوروا معه على ساداتهم، ويعدهم بالتحرر من الرق وبالثروة-وأن يكونوا هم مالكين للعبيد. وأثرت فيهم دعوته، فاستجابوا لها واستولوا على الزاد والعتاد، وهزموا الجيوش التي سيرت لقتالهم، وأنشأ لهم قرى مستقلة فيها قصور لزعمائهم، وسجون لأسرهم، ومساجد لصلواتهم (٨٦٩).

وعرض أصحاب العمل أن يؤدوا لعلي خمسة دنانير عن كل شخص من الثوار يعود إلى عمله إذا أقنعهم بهذه العودة، فأبى. وحاولت البلاد المحيطة بهم أن تخضعهم بمنع الطعام عنهم، ولكنهم حين نفدت مؤنهم هاجموا بلدة الأبلّة، وحرروا من فيها من الأرقاء وضموهم إلى صفوفهم ثم نهبوها وأشعلوا فيها النار (٨٧٠). وتشجع على بهذا النصر فهاجم عدة بلاد أخرى واستولى على الكثير منها، وسيطر على جنوبي إيران والعراق حتى دق أبواب بغداد نفسها. وتعطلت التجارة، وقل الطعام في العاصمة. وفي عام ٨٧١ استولى المهلبي قائد الزنوج على البصرة فدمرها عن آخرها، وذبح ثلاثمائة ألف من أهلها وسبى الجنود الزنوج آلافًا من النساء واسترقوا آلافًا من الأطفال البيض بعضهم من بني هاشم أنفسهم فقد قيل إن لكل عبد زنجي أصبحت لديه عشر نساء علويّات شريفات كانت تباع في الأسواق بدرهمين أو ثلاثة - إذا صدقنا أقوال المؤرخين. وبعد أن انتهوا من البصرة هجموا على الكوفة ودمّروها حتى أصبح يقال وقتها في تذكر ثورة الزنج "هجموا على البصرة ودمروا الكوفة" وقد أرسل الخليفة المعتز بالله جيشًا كبيرًا بقيادة جمد التركيّ على رأس خمسة عشر ألف مقاتل لقتال الزنج فدارت بينهم موقعة شديدة انهزم فيها العباسيون وقتل قائد المعركة جمد التركيّ وقد مثّلوا بجثته ورموها في الفرات.

وظلت نار الثورة مشتعلة ثلاثة عشر عامًا، سيرت في خلالها عدة جيوش لتقليم أظافرها وعرض على من يفرون من صفوف الثوار المال والعفو، فخرج على على كثيرون من رجاله، وانضموا إلى جيوش الحكومة. ثم حوصر من بقي منهم، وضُيقَ عليهم الخناق، وسُلط عليهم الرصاص المصهور و"النار اليونانية" وهي مشاعل من النفط الملتهب، وانتهى الأمر بأن دخل جيش يقوده الوزير أخو الخليفة المعتمد أبو أحمد الموفق طلحة إلى مدينة الثوار، وتغلب على ما لقيه من المقاومة، وقُتل عليًا وحُمل رأسه إلى الوزير المنتصر. وسجد الموفق وضباطه شكرًا لله على رحمته (٨٨٣). ودامت هذه الثورة ثلاثة عشر عامًا كانت خلالها العراق مليئة بالاضطرابات والثورات التي قامت على الخلفاء العباسيين وكانت ثورة الزنج أحد الثورات المؤلمة في تاريخ العراق والمسلمين وكان أن استغل أحمد بن طولون والي مصر هذا الاضطراب فاستقل بأغنى ولايات الخلافة الإسلامية.

كل سنة وأنتم طيبون.