في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها، نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
65 – عروة بن الورد
"فيا للناس كيف غلبتُ نفسي
على شيءٍ.. ويكرهه ضميري؟ "
وحدهم المتمردون الحالمون المثاليون من الشعراء الصعاليك، وفي طليعتهم عروة، هم القادرون على إبداع بيت متوهج كهذا، قوامه الاعتراف الحكيم بقسوة الرضوخ لما يمليه الآخرون، ولا شيء من السلوك القهري يحوي الرضا الذي تقنع به الذات فتقبل عليه مبرأة من النفور والانكسار وغياب الاقتناع.
التساؤل المطروح استنكاري مغلف بالدهشة والإدانة الضمنية لفكرة القبول بما لا ينبغي القبول به، لكن جلد الذات ليس مطروحا أو واردا، ذلك أن الوعي بكابوس الآخرين وطغيانهم يعقبه رفض عملي وتحرر من القهر، وعندئذ يصل الشاعر إلى خلاصة الحكمة وعصير الرؤية التي يتم تفعيلها.
لا مجال للشك في أن الإنسان كائن اجتماعي لا تُتاح لفرديته أن تنطلق بلا حدود أو قيود، لكن الالتزام بالقواعد الاجتماعية وقيمها ليس مطلقا، والانخراط في منظومة القطيع بمثابة الجحيم الذي لا يتوافق مع شخصية عروة وتفرده ونقائه الثوري. مفردة "الضمير" عنده ذات شأن، وينبغي التوقف عندها طويلا، فهي تعني صفاء النفس والخروج من دائرة الانقسام، الداء البغيض الذي يُصاب به دائما من تستوطنهم لعنة الخلل والاضطراب جراء الازدواجية، صانعة نزيف الروح والقلب معا.
ثقافة
مائة بيت من الشعر العربي القديم.. عروة بن الورد "65"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق