يستغلون أمل الشباب فى الشفاء، والإقلاع عن إدمان المخدرات والسموم القاتلة، وأحلام الآباء والأمهات بشفاء ذويهم من براثن الإدمان، وبهدف التربح والكسب السريع، انتشرت فى الآونة الأخيرة ظاهرة إنشاء مراكز لعلاج الإدمان غير المرخصة، التى يعمل بها أشخاص غير مختصين، وليسوا بأطباء، وقد يكون لبعضهم سجلات جنائية، مما يعرض حياة المرضى للخطر، وهو ما حدث بالفعل.
معظم تلك المراكز تكون فى أماكن بعيدة عن المدن، فأغلبها يقع جنوب محافظة الجيزة، وسط الأماكن الزراعية البعيدة، التى تحيطها الأراضى والمساحات الزراعية الشاسعة من كل اتجاه، ومن عادة تلك المراكز، أنك إذا ذهبت إليها تشعر أنها فيلا سكنية، فى مساحة زراعية، لا تعلم ما يحدث بها، ولا تعلق عليها أى لافتة، أو عنوان يشير إلى طبيعة عملها.
وفى هذا الصدد؛ تواصل أجهزة وزارة الداخلية، شن الحملات الموسعة، بالتعاون مع الجهات المعنية، لضبط وإغلاق المراكز غير المرخصة قانونًا، والتحقيق فى وقائع التعدي.
وفى هذا التقرير؛ ترصد « البوابة نيوز» ، وقائع التعذيب والوفاة، فى تلك المراكز المشبوهة، واستعراض آراء عدد من الخبراء فى الأمن وعلم نفس، بالإضافة إلى رأى مدير صندوق مكافحة المخدرات، عن الواقعة.
وفاة شقيق الفنان رامى صبري
كانت تلك الواقعة، من أبرز الوقائع التى حدثت مؤخرًا، وكانت مصحات علاج الإدمان طرفًا فيها، بداية الواقعة بتلقى الأجهزة الأمنية بالجيزة، إشارة من غرفة عمليات النجدة، مفادها هروب أحد الأشخاص من مصحة إدمان، والقفز فى ترعة المريوطية بدائرة المركز. وتبين أنها للشاب كريم صبري، ٣٤ سنة، شقيق المطرب رامى صبري، وأنه دخل إلى المصحة المشار إليها قبل الحادث بيوم واحد، ثم تمكن من الهرب، وقفز فى مياه ترعة المريوطية، ليلقى مصرعه، وقد خضع مالك المصحة، و٢ آخرين للتحقيق، خاصةً بعدما تبين أن المصحة غير مرخصة.
وكشفت التحريات، عن أن المصحة التى كان بها شقيق الفنان رامى صبري، عبارة عن فيلا مكونة من ٣ طوابق، تقع على ترعة المريوطية، وأن مالكها قرر فتحها كمصحة لعلاج الإدمان، وبدأت فى استقبال حالات بها منذ ٣ سنوات، حيث وصل عدد الحالات بها إلى ما يقرب من ٧٠ شخص، غادروا المكان بعد واقعة غرق شقيق رامى صبري، كما تبين من خلال التحريات أيضًا أن مالك المصحة، غير حاصل على مؤهلات علمية فى الطب أو علاج الإدمان>
وقالت إنه تبين بالفحص أنه حاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية، وقام بافتتاح مركز لعلاج الإدمان، دون الحصول على ترخيص من وزارة الصحة.. وبسؤال المسئولين فى المصحة حول الحادث؛ قالوا إنه تم استقبال كريم فى المصحة، قبل وفاته بيوم واحد، حتى يخضع للعلاج والتأهيل، بعدما تبين أنه مدمن هيروين، وبمجرد وصوله كان فى حال نفسية صعبة، خاصة أن أسرته أحضروه عنوة، لذلك امتنع عن تناول أى أدوية.
كما أنه لم يرغب فى الحديث مع أحد، وفى اليوم التالى فوجئ به فرد الأمن يحاول القفز من أعلى سور المصحة، حتى يتمكن من الهرب، فحاول ملاحقته، لكن المتوفى قفز فى الترعة التى كانت تقع بجانب المصحة، ولكونه فى حالة صحية سيئة غرق فور قفزه، وحاول المتواجدون بالمصلحة إنقاذه لكن دون جدوى.
محمد جاء للعلاج وخرج جثة هامدة
غرق شقيق الفنان ليست الواقعة الأولى لتلك المصحة، ففى عام ٢٠١٨، ذاقت أسرة من بولاق الدكرور نفس آلام أسرة الفنان رامى صبري، وذلك بعدما قررت الأسرة إيداع نجلهم محمد، الذى أدمن مخدر الحشيش، داخل نفس المصحة، التى تقع بمنطقة البدرشين، آملين فى شفاء ابنهم من الإدمان، لكن انتهى الحال عندما تسلموا ابنهم جثة هامدة، عليها آثار تعذيب، عقب كورس علاج كان يتلقاه بمصحة سقارة بالبدرشين.
وبعد الواقعة؛ تحدثت الأم لوسائل الإعلام، وقالت إنها تسلمت جثة ابنها محمد، داخل سيارة ملاكي، بنهر الطريق العام، بعدما قتلته المصحة، حسب وصفها، وبها آثار تعذيب مبرحة، لتأخذها وتذهب بها للمنزل؛ حيث أحضرت له ٤ أطباء، ليقوموا بالكشف عليه، فأكدوا جميعًا أن نجلها توفى، وعليه إصابات ظاهرية، تدل على تعرضه للتعذيب، وأكدت أنها دفعت مبالغ كرسوم لعلاج ابنها داخل المصحة، وحددوا لها زيارة كل أسبوعين فقط، مقابل ٥٠٠ جنيه للزيارة.
فى نفس المصحة
وقضت محكمة جنايات القاهرة، بمعاقبة ٣ متهمين بالحبس سنتين، وآخر بالحبس ٦ أشهر، فى اتهامهم باستئجار فيلا، كمصحة فى علاج الإدمان، دون ترخيص، وقيامهم باحتجاز مرضى وأطفال، وتعذيبهم، واستخدامهم فى أعمال التنظيف، داخل الفيلا الكائنة بمنطقة المريوطية، بدائرة مركز البدرشين.
وقال «كريم أحمد»، ٢٠ سنة، وأحد المجنى عليهم، إن والده أرسله للفيلا الخاصة بالمتهمين، لمعالجته من حالة الإدمان، مقابل مبلغ مالى قدره ٤ آلاف جنيه شهريًا؛ حيث كان هناك برنامج علاجى متبع لحالته المرضية، يشرف عليها المتهم الأول، وذكر أنهم كانوا يقيدوا حريته، رغم مطالبه بإطلاق سراحه، مجبرين إياه على القيام بأعمال غسيل الأطباق، وتنظيف الأرضية، وحديقة الفيلا، مهددين إياه بالتعدى عليه بالضرب حال عدم امتثاله لأوامرهم.
حملات وزارة الداخلية
وتواصل الأجهزة الأمنية شن الحملات الموسعة، التى تستهدف مراكز علاج الإدمان غير المرخصة، والمراكز التى يحدث بها تجاوزات ضد المرضي، وخلال هذا الشهر استهدفت الحملات عددًا من المراكز العلاجية، غير المرخصة لعلاج الإدمان، بنطاق محافظتى الجيزة والقليوبية، بمشاركة الجهات المختصة.
وأسفرت جهود تلك الحملات، عن استهداف ١٢ مركزا لعلاج الإدمان بالمحافظتين، وتبين عدم وجود تراخيص أو شهادات لمزاولة مهنة الطب والعلاج النفسي، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية، كما نجح قطاع أمن القاهرة قى ضبط ١٥ شخصًا، لقيامهم بإدارة مركزين لعلاج الإدمان، بدون ترخيص بالمقطم.
حملات مستمرة لضبط المخالفين
وقال الخبير الأمني، اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن أجهزة وزارة الداخلية تشن دائما حملات مكثفة، بالاشتراك مع صندوق مكافحة الإدمان بوزارة التضامن، وأمانة الصحة النفسية وعلاج الإدمان، بشكل دورى على مراكز الإدمان غير المرخصة، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال كل واقعة، وتحويل المتهمين إلى النيابات المختصة.
وأوضح الخبير الأمني، أن أبرز الاتهامات، التى توجه إلى مسئولى تلك المراكز، هى عدم وجود ترخيص من الجهات المعنية، أو موافقة من المجلس القومى للصحة النفسية، ومزاولة مهنة الطب بدون ترخيص، وعدم اتباع سياسات مكافحة العدوى، وعدم وجود فريق طبى، وعدم وجود ملفات للمرضى وإقرارات وموافقة على العلاج، هذا بشكل عام، إضافة إلى ما تراه جهات التحقيق، فى حالات أخرى، مثل الوفاة والتعذيب، وفقا لكل قضية؛ مشيرًا إلى أنه يتم غلق المركز نهائيًا حتى يرخص.
المكان الصحيح أول طرق العلاج
من جانبه؛ قال الدكتور جمال فرويز، أستاذ علم النفس، بجامعة القاهرة، إن على الأسر التى تريد أن تعالج أبناءها من الإدمان، البحث أولا عن المكان الذين يريدون إيداع نجلهم فيه، ويفضل التواصل مع صندوق علاج ومكافحة الإدمان بوزارة الصحة، والذى يقدم خدمة العلاج والمشورة بالمجان، وفى سرية تامة؟ وسؤاله عن مصحة بعينها؛ إذا كانت مرخصة قانونًا أم لا؟ كى لا نعرض حياة أبنائنا للخطر، على أيدى أشخاص يقيمون منشأة دون ترخيص، وغير مؤهلين للمهنة.
وأوضح الخبير النفسي، أنه يجب التحدث مع الأبناء، وإقناعهم بالعلاج، والتغير للأفضل، والتحدث معهم بطريقة إيجابية، وعدم إجبارهم على العلاج، وأن يوضحوا لأبنائهم أن الإقلاع عن الإدمان تجاوز أمر يمكن تنفيذه، وأن يوضحوا لأبنائهم النتائج الإيجابية، التى ستعود عليهم، فور الإقلاع عن الإدمان.
وأشار أستاذ علم النفس، إلى الدور المهم للأسرة فى حياة المدمن كى يتخلى عن الادمان، موضحًا أنه يجب على الأهالى تخفيف ضغوط الحياة على أبنائهم وعدم تعنيفهم ومقارنتهم باشخاص آخرين، ومنحة العاطفة والدفء الأسرى وعدم النظر إليهم بأنهم مدمنون، وتوضيح الآباء لأبنائهم الحقائق والمخاطر الناجمة عن استعمال المخدرات، وإظهار حرمة تجربة وتعاطى المخدرات وأثرها على النفس والمجتمع.
صندوق مكافحة الإدمان وسبل العلاج
بدوره؛ قال الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، إن الخطوة الأولى فى علاج المدمن، هى نية الشخص ذاته للإقلاع عن الإدمان، والتغير للأفضل، وأن يخضع للعلاج بشكل طوعى غير مجبر.
وأوضح «عثمان»، أن الدولة قدمت نجاحًا ملحوظًا فى علاج الإدمان، ففى عام ٢٠١٤ كان يوجد ١٢ مركزا لعلاج الإدمان فى ٧ محافظات، والآن يوجد ٢٧ مركزا فى ١٧ محافظة، وجار العمل على الزيادة؛ ناصحًا الأسر بالتواصل مع «١٦٠٢٣» وهو الخط الساخن لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان، لاستقبال شكاوى واستفسارات المواطنين، وتوجيههم إلى أفضل الأماكن للعلاج، بدلًا من المصحات المشبوهة، وغير المعروفة.
وذكر «عثمان»، أن صندوق علاج ومكافحة الإدمان والتعاطي، قدم عدة نصائح وتفسيرات للإجابة عن أسئلة المدمنين وأسرهم، وبينها توضيح أسباب التعاطي، وقدم سبل حماية الأبناء من الإدمان، والموقع الإلكترونى به كل الاستفسارات، ويغطى كل الاستشارات وإمكانية التواصل. وشدد مدير صندوق مكافحة الإدمان، على ضرورة الإبلاغ عن المراكز الوهمية، وغير المرخصة، والمشكوك فى أمرها، عن طريق الخط الساخن «١٦٠٢٣»، وسوف يقوم الصندوق بإبلاغ الجهات المعنية، للتفتيش على هذه الأماكن، وضبط المخالفين، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.