قال الإرشديكون الدكتور رشدي واصف في مقال منشور له بمجلة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إن الاحتفال بعيد الثيؤفانيا من أهم المناسبات الليتورجية في كنيسة الإسكندرية، وحسب شهادة المؤرخ القبطي الأب ساويرس ابن المقفع فإنَّ عيد الغطاس يُعتبر تقليدًا رسوليًا قديمًا يعود إلى مار مرقس نفسه. ويُسمّى هذا العيد عند الأقباط بعيد الغطاس لأنَّ السيد المسيح قَبِلَ العماد فيه بالتغطيس، ولذلك ارتبطت طقوس هذا العيد بالغطس في نهر الأردن في فلسطين، وفي مياه نهر النيل في مصر، بعد تقديسها مماثَلَةً بنهر الأردن.
وأضاف" واصف" أن مصادر القرن الثالث، تؤكِّد أنَّ معمودية المسيح تمت من يوحنا في الساعة العاشرة مساءً. (ومصادر القرن الخامس، تُشير إلى أنَّ الساعة العاشرة ليلًا هي الساعة التي كانت تُفتح فيها السماء، وينزل منها الروح القدس، لكي يُطهِّر المياه من الأرواح النجسة). وهذا يُفسِّر لنا لماذا تتمّ طقوس تقديس المياه (اللقان) في عيد الغطاس ليلًا، وذلك لارتباط عيد الغطاس بمعمودية السيد المسيح.
وهنا تأتي شهادة البابا يوحنا الثالث بطريرك الإسكندرية، مؤكِّدةً أنّ عيد الغطاس كان ضمن الأعياد التي تُعطى فيها المعمودية للمؤمنين)، وهي: الثيؤفانيا (الغطاس) والفصح والعنصرة. وأقدم الإشارات الآبائية إلى ذلك هي إشارة ترتليان في مقالته عن المعمودية)، وإشارة القديس غريغوريوس النيزينزي).
وتابع "واصف" في تاريخ طقوس كنيسة الإسكندرية بعائلتيها (القبطية واليونانية) يوجد أربع خدمات طقسية كانت تتم على ضفاف نهر النيل:
الأولي: هي خدمة تقديس مياه عيد الثيؤفانيا (لقّان عيد الغطاس).
الثانية: خدمة مباركة مياه النيل.
الثالثة: خدمة من أجل ارتفاع مياه النيل (عند تأخُّر الفيضان).
الرابعة: خدمة تقديس مياه النهر(النيل) في عيد الصليب حسب ترتيب الدير المُحرَّق.
وكشف "واصف " بخصوص تاريخ هذه الخدمات قائلًا: بأنه لدينا إشارات تاريخية كثيرة، أقدمها يرجع إلى القرن الخامس، حيث ذُكِر عن القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين أنه "أخذ تلميذه ويصا وذهب ليصنع قداسًا على مياه نهر جيعون (جيحون = نهر النيل) لكى الله يصعدها لحدّها (لمقدارها)".
وأستطرد "واصف"، أما بخصوص خدمة تقديس مياه عيد الثيؤفانيا (لقان عيد الغطاس) فهي خدمة قديمة جدًا، وأصولها اليونانية وترجمتها القبطية المطابقة للأصول، تؤكِّد أنَّها ترجع إلى ما قبل الانشقاق الذي حدث سنة 451م جرّاء مجمع خلقيدونية، وهذا ما جعل علماء الليتورجيات ولاسيّما البروفيسور يؤانس فوندولي يؤكِّدون أنَّ نصوص هذه الخدمة تشبه إلى حدٍ كبير نصوص تقديس مياه المعمودية قديمًا، التي كان يغطس فيها الموعوظون).
كذلك لدينا إشارات تاريخية ذكرها مؤرِّخو القرون الوسطى) توضِّح كيف كان مسيحيو مصر يحتفلون بهذا العيد احتفالًا كبيرًا بإقامة طقوس الصلوات على ضفاف نهر النيل مع حمل المشاعل والغطس في النهر بعد إتمام الصلوات) وإلقاء الصليب المقدس في النهر. ثم فيما بعد يعودون إلى الكنائس لإتمام بقية طقوس الاحتفال بعيد الغطاس. وهذا يفسر لنا لماذا لقان الغطاس حتى اليوم يُقام بعد التسبحة وقبل رفع بخور باكر، أمّا بقية طقوس اللقانات (الرسل، خميس العهد) تُقام بين باكر والقداس كترتيب بقية الخدمات الكنسية الأخرى مثل تقديس زيت مسحة المرضى.. وغيرها.
وهكذا استمر هذا الطقس عاليه حتى زمن الحاكم بأمر الله الذي منع مسيحيي مصر من الاحتفال بعيد الغطاس على شاطئ النيل، فقد تعرّض الأقباط في ذلك الوقت إلى مضايقات شديدة من الحكام العرب، وأصبح إجراء الاحتفال على ضفاف النيل معرضًا للخطر وغير ممكن، ولذا صار طقس تقديس المياه في عيد الغطاس يُجرى داخل مبنى الكنيسة، فظهر عندئذ "المغطس" كبديل لنهر النيل في هذا الطقس)، كما كان نهر النيل بديلًا لنهر الأردن. ثم في أواخر القرن العشرين انتقل طقس المغطس إلى "اللقان" الذي يتمّ عمله ليلة عيد الغطاس في جميع الكنائس القبطية الأرثوذكسية.
واختتم الارشديكون الدكتور رشدي واصف مقاله، إلى جزء مهم يتم في نهاية طقس تقديس المياه وهو تغطيس الأجيازماتاريون "agiasmat£rio" في مياه اللقان، أي تغطيس الصليب الذي يستخدمه الكاهن عندما يرشم علامة الصليب على المياه أثناء التقديس. وبحسب تقليد الكنيسة القبطية هو صليب بسيط من الخشب (غالبًا ما يخلو من الزخارف). وهذا الطقس يرتبط من ناحية بالنبوءات والقراءات التي تُقرأ ضمن طقس اللقان، ومن ناحية أخرى برموز الخلاص والصليب في العهد القديم، والتي وردت في سياق نصوص الصلوات. وبذلك يكون تغطيس الصليب هنا في المياه يتم كتصوير أو تشخيص لعماد السيد المسيح، واستنشاق لرائحة العود المقدس، أي الصليب.