رحلة خصبة وعميقة فى قلب مصر، منذ مطالع القرن العشرين، ووجدانه كان ينمو ويتفتح من كل التجارب والخبرات، عاش أياما متصلة حافلة، عاش تاريخ تواريخ متصلة عريضة، وأحداث كبيرة شكلت حياة مصر، وتفاعل فيها جمهور عطاءً وأخذًا مع الشعوب والحضارات.
هذه الرحلة الطويلة والخصبة عكسها الأديب الكبير يحيى حقى فى كتبه ومؤلفاته، عندما أصبح مؤصلًا لفن كتابة القصة فى أدبنا العربى الحديث، وعاشها واحدًا من طليعة مثقفينا الكبار، وعاشها أبًا روحيًا لكل الأجيال التى جاءت من بعده، وهو يدفعه للأمام، يقول الكاتب الكبير فى شريط ذكريات مع الإعلامى القدير فاروق شوشة: «أنا ابن ثورة ١٩١٩، ولكن الكثير يجهل هذه الثورة، وما يصيب بالحزن أن الشباب لا يعرف الكثير عن تاريخه الحديث». يتابع «حقي»: «فى آخر أيامى أتذكر أن العمر امتد بى طويلا، ولكن ليس للأمام بل للوراء، فأنا كراكب فى الترام يرى الطريق ينسحب من أمامه، فما مضى من عمرى يجعلنى أمسك القرن العشرين من بدايته، وهو القرن الذى صنعت فيها الإنسانية الكثير، بداية من الراديو والفضاء، حتى أننى أظن أن الإنسانية كانت تعمل من أجل هذه اللحظة، فهى فتوحات غيرت العالم، ولكن رغم اختراع التلفاز والطائرات والكثير من التكنولوجيا الحديثة، إلا أننى أرى أعظم اختراع من كل ذلك هى ماكينة الخياطة؛ فهى فتحت الكثير من البيوت، وأخرجت الكثير من الأجيال، وفى بعض الأوقاف ينتابنى شعور أننى شخص يعيش داخل صحراء، وعلى أطرافها مدينة تعج بكل هذا التقدم، وأنا أعيش فى هذه الصحراء، الخروج من حالة التكنولوجيا يجب أن نفعله، ونبعد عنه».
يضيف: «هذا العصر أُطلق عليه العصر المجنون، عاصرت الكثير بداية من حرب الروس واليابان، عندما فرحنا بانتصار الأمير توجو، بعد أن انتصرت دولة شرقية، اليابان فى الانتصار على الدولة الغربية، ثم عاصرت حرب البلقان، أتذكر عمى عندما ارتدى وكل المصريين الطاربوش الأبيض لأن النمسا كانت تصدر لنا الطاربوش الأحمر، ونحن فى حالة عدائية مع النمسا، كل هذه الحروب كان لها صدى مباشر على كل المصريين، ويظل تاريخ سقوط أول قنبلة من طائرة على سيارة حمراء فى شارع محمد على، فى القارة الأفريقية عام ١٩١٤».