السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اعتزل ما يؤذيك على طريقتك

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي اللع عنه: "اعتزل ما يؤذيك". ولو تمعنا في تلك الكلمات الثلاث لوجدناها دستورًا كاملًا ترى به الحياة الجميلة حولك فقط. إلا أن تطبيق هذه الكلمات يراه الأغلب صعبًا للغاية.
  لقد ولدنا بقدرتين هامتين جدًا: "القدرة على النسيان، والقدرة على التجاهل" لكننا لا نعمل غلى تفعيل هذين القدرتين، بل نتركهما ينسابان انسيابًا تلقائيًا. مع أن التدرب على تفعيلهما ممكن. يمكنك أن تقسم العالم من حولك إلى ثلاثة دوائر: دائرة تهتم بها ولا يمكنك أن تنساها أبدًا. ودائرة تهتم بها أحيانًا. ودائرة تهتم بأن تجعلها مخفية. مع التدريب يصبح من تحب هم الدائرة الأولى حيث لا نسيان ولا تجاهل على الإطلاق. والدائرة الثانية تشمل تلك الأشياء التي تساعدك على تقديم الاهتمام لنفسك ومن تحب مثل الهوايات وبعض الأعمال المؤقتة. أما الدائرة الثالثة فيجب أن تدرب نفسك على تجاهلها ونسيانها وتشمل كل ما يسبب لك ألمًا أو يصدر لك طاقة سلبية. لكن كيف يكون ذلك؟
 يكون بالتدريب والتمسك بالطاقة الإيجابية. لأن الطاقة الإيجابية لو عرفت طريقها إليك فإنها تأكل ما يؤذيك. تتملكك لدرجة أنك لا ترى ما يسيء إليها. إنها عملاقة وقوية أكثر مما تتخيل. حين يوجد في مكان ما شخص تحبه جدًا تشعر بأنك أقى وأجمل ولا ترى سواه وقد لا ترى عيوبه ولا عيوبًا كثيرًا لديك. لأن الحب هو أكثر محركات الطاقة الإيجابية قوة. كن مع ما تحب حتى لا ترى ما لا تحب. حينها ستجد قدرتاك على نسيان وتجاهل ما يؤذيك في أقوى حالاتهما.
 نعم تستطيع أن تعتزل ما يؤذيك، بل إنك حتى لو فكرت في نعظم الأشياء التي فعلتها بلا رغبة فيها وآذاك التعامل معها، ستجد أنك لم تحقق فيها ذلك النجاح الذي تحملت الأذى من أجله في معظمها. حين نتجاهل الأذى نجد وقتًا أطول لرؤية الجمال والتعامل معه. لا تذهب لمكان يؤذيك. لا تتعامل مع شخص يؤذيك. لا تتزوج زواجًا يؤذيك. لا تحضر فعالية تؤذيك. لكن عليك ألا تدخل في العزلة نتيجة لذلك، فأنت حين تعتزل ما يؤذيك ستكتشف ما يسعدك.
  حين تخفي الأجزاء القبيحة من لوحة ما تظهر أجزاؤها الجميلة، وتجد المزيد من الحياة الجميلة داخلها، ابدأ في ممارسة تلك الحياة التي لا تؤذيك. عليك أن تعتزل ما يؤذيك فقط لا أن تعتزل الحياة، إذ عليك أن تؤمن في أعماقًا أن الإله الذي خق الحياة جميل خلق الجمال، وأن الجمال في كل ما خلق، فقط عليك أن تمهد الطريق إليه. سيظهر الجمال وحده حين تعزل القبح، وهو أمر طبيعي جدًا سيفاجئك أنه طبيعي.
  لعل هذا الدستور الحياتي الجميل يحتاج لجرأة في التطبيق في بعض الأحيان، لكنه حين يتحول لأسلوب حياة لا تشعر في تطبيقه بأية صعوبة، ودعا الكثير من الأدباء لهذا المبدأ كل بطريقته، إذ قال إليا أبو ماضي "كن جميلًا ترى الوجود جميلًا". وقال دوستويفسكي "إنني مستعد لأن أبيع الكون كله بقرش واحد شريطة أن أترك وشأني هادئًا مطمئنًا".
 اعتزل ما يؤذيك، ورحب بما يسعدك حتى لو كان مجموعة من التفاصيل الصغيرة. إن التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع السعادة لأنها دائمًا غير مستحيلة وتتجاذب مع بعضها بقوة تشبه الجاذبية الأرضية.