فى بيان موجز شديد الأهمية، حذر الكاتب الصحفى عبد الرحيم على، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس ولندن، من قيام التنظيم الدولى للإخوان بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية الديمقراطية بمحاولة إنشاء مجموعة إخوانية جديدة تتبنى علنًا النهج الديمقراطى وتبتعد تنظيميًا عن التنظيم الأم؛ بهدف إعادة الروح للتنظيم الذى بات يلفظ أنفاسه الأخيرة.
واعتبر «على»، فى بيان أصدره الثلاثاء 6 يوليو الجارى، أن حل مجلس شورى الإخوان فى تركيا ما هو إلا ضربة للحرس القديم ونهاية مرحلة سيطرت فيها أفكار سيد قطب على التنظيم الدولى وجماعة الإخوان التقليدية، مشيرا إلى أنهم يمهدون الطريق لبداية مرحلة جديدة، مرحلة الإخوان الجُدد أو (الإخوان الديمقراطيون) برعاية أمريكية، فى محاولة لاستعادة تجربة الربيع العربى الذى خرب بلادنا من جديد.
التحذيرات التى أطلقها الخبير المتخصص فى ملف الإسلام السياسى وجماعات الإرهاب عبدالرحيم على، تأتى فى سياق الدور المتميز والجهد الدؤوب لـ«على» فى كشف وإجلاء الحقيقة والتحذير من مخاطر أفكار وممارسات ومخططات الجماعات الإرهابية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وسجل عبد الرحيم على -على مدى أكثر من ثلاثين عاما- ريادة وتفردا فى التصدى الفكرى والبحثى الموثق فى إسقاط أقنعة جماعة الإخوان وكشف زيف أفكارها وكل الكيانات الإرهابية التى خرجت من عباءتها، وخاطب من خلال كتبه وأبحاثه الرأى العام وصناع القرار داخل مصر وخارجها، كما أولى عناية خاصة وجهد غير مسبوق فى مخاطبة الرأى العام والمسئولين فى أوروبا وأمريكا، لكشف أبعاد المخطط الإخوانى فى التسلل والتوغل فى تلك الدول، وضرورة التصدى الجاد والحاسم لتك السياسات والمحاولات الإخوانية التى تشكل تهديدا حقيقيا لسلامة وأمن وتقاليد ومكتسبات المجتمع الدولى بأسره، وأن الجماعة لن تكف عن الخداع والمراوغة فى الإيهام بأنها تتعلم من الأخطاء وتطور مشروعها الفكرى والسياسى لتصبح أكثر اعتدالا وانفتاحا على قيم الديمقراطية والتآخى الإنسانى.
وتأكيدا لتحذير عبد الرحيم على، تأتى مساعى التنظيم الدولى للإخوان للعودة للساحة الإقليمية والدولية - بعد أن لفظه الشعب المصرى وأغلب شعوب المنطقة العربية - خاصة بعد فوز المرشح الديمقراطى للانتخابات الأمريكية جو بايدن، ولكن كما يقول المثل العربى «أتت الرياح بما لا تشتهى السفن»، بعد الموقف المصرى فى أحداث غزة الأخيرة وتوافق الإدارة الأمريكية معه وتبنى وجهة النظر المصرية، والذى بدد كثيرا من هذا الحلم.
ومما يصعب من تحقيق «حلم العودة» عدد من العناصر التى شكلت مجتمعة عدم إمكانيات العودة والتى من بينها الصراعات الداخلية للجماعة، خصوصا بين مجموعتى تركيا ولندن، وكذلك الصراعات بين إخوان الداخل والتنظيم الدولى، ومحاولات شباب الجماعة فى الداخل من وقت لآخر إجراء انتخابات للإطاحة بالقيادات التاريخية، هذا بجانب تلقى الجماعة وتنظيمها الدولى عدد من الضربات على مستويات مختلفة كان أهمها تقارب العلاقات المصرية مع كل من قطر وتركيا، واتخاذ الأخيرة إجراءات للتضييق على العناصر الإخوانية المتواجدة على الأراضى التركية كذلك قنوات الجماعة الإعلامية.
كما شكلت القرارات التى اتخذتها العديد من دول الاتحاد الأوروبى بحظر نشاط جماعة الإخوان المسلمين على أراضيها، ووضعها على قوائم التنظيمات الإرهابية، ووضع الجمعيات والكيانات الأهلية التى تنشط تحت مظلة الجماعة ومسارات أموالها تحت الرقابة القانونية لتلك الدول، ضربة موجعة لجماعة الإخوان، ومخططاتها للانتشار والتوغل داخل المجتمعات الأوروبية، والسعى لتحسين صورتها وتشكيل جماعات ضغط للتأثير فى صناعة القرار بتلك الدول بما يخدم أهداف التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية.
نذكر فى هذا السياق القرارات والتدابير الأمنية والقانونية التى اتخذتها فرنسا وألمانيا وهولندا، والعديد من دول العالم، وكان آخر تلك المواقف الرادعة لجماعة الإخوان الإرهابية قرار المجلس الوطنى النمساوى يوم الخميس الماضى 8 يوليو الجارى بإصدار «قانون مكافحة الإرهاب» ويشمل الحظر كلا من: «داعش، تنظيم القاعدة، الإخوان المسلمين، حزب الله، حركة حماس».. والجماعات الأخرى المدرجة فى اللوائح القانونية للاتحاد الأوروبى كجماعات أو شركات أو منظمات أو فروع لتلك الكيانات الإرهابية أو حلفاء لها.
الصراعات الداخلية
تعيش الجماعة وتنظيمها الدولى حالة من الارتباك والتخبط بعد إعلان إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان رسميا قرار حل المكتب الإدارى لشئون التنظيم بتركيا وحل مجلس الشورى وتأجيل الانتخابات الداخلية والتى كانت سيتم إجراؤها خلال الفترة القادمة لاختيار أعضاء مجلس الشورى العام، لمدة 6 أشهر.
مؤشرات الحل لمكتب تركيا، الذى يرأسه الإخوانى، حلمى الجزار، بدت واضحة خلال الأشهر الأخيرة خاصة بعد الخلافات الكبيرة التى حدثت بين مرشد الجماعة والأعضاء، خاصة أن منير فشل فى إيجاد حلول مع الجانب التركى تراعى مصالح التنظيم خلال محاولات أنقرة التقرب من مصر.
وأثار قرار إبراهيم منير أزمة كبرى وحالة من الصراع داخل تنظيم الإخوان فى تركيا، وغضب لدى قطاع كبير من قيادات التنظيم التاريخية التى تسعى إلى إصدار بيان بعزل منير.
وأقر القيادى الإخوانى محمد عماد الدين صابر بأزمة التنظيم فى أنقرة، قائلا: حسب المواقع التابعة للتنظيم: إن القرارات الجديدة «تأتى فى سبيل تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات جديدة على أسس صحيحة، فى ظل أوضاع كانت تحتاج إلى تصويب وتصحيح».
وزعم صابر، فى تصريحاته، أن «قرار حل المكتب الإدارى بتركيا ومجلس الشورى الذى انتهت مدته، يجب أن يبنى عليه تغيير واقعى وجاد».
الصراعات الداخلية ليست وليدة قرار إبراهيم منير الخاص بتركيا بل هى قديمة وأقرب مثال على ذلك هجوم الداعية الإخوانى عصام تليمة فى أبريل الماضى، على جبهة إبراهيم منير، كاشفًا عن جملة من الأزمات داخل التنظيم، واتهام منير ومجموعته داخل التنظيم بإحداث «أكثر من شق، رأسى وعرضى، بشكل غير مسبوق فى تاريخ الجماعة»، الأمر الذى يكشف عن عمق الهوة التى باتت تفصل بين أجنحة الجماعة، وعلى وجه الخصوص، بين المجموعة المحسوبة على إبراهيم منير، والأخرى المحسوبة على محمود حسين، والتى ينتمى إليها عصام تليمة.
واعترف تليمة بحالة التشرذم والضعف الذى تعيشه الجماعة حاليًا، مشددًا على أن ذلك «أفقدها كل علاقاتها، سواء مع حلفائها، أو مع أنصارها أنفسهم من أفرادها».
من جهة أخرى، أفادت تقارير صحفية، أن قيادات الجماعة فى تركيا، شكلت خلية أزمة، فى أعقاب التقارب المصري/ التركى، وبالفعل بدأت اللجنة التنسيقية أعمالها، برئاسة محمود الإبيارى، للبحث عن ملاذات آمنة جديدة، وسط توقعات بأن تكون ماليزيا، هى الوجهة الجديدة المفضلة للجماعة، بالإضافة إلى كندا وبريطانيا، التى أكدت تقارير على توجه أول فوج يضم خمس أسر إخوانية إليها.
كما أفادت مصادر متعددة، أن اللجنة التنسيقية توصلت إلى اتفاق مع القيادى بالتنظيم الدولى، عبد الرحمن أبودية، لنقل العاملين بالقنوات الفضائية الإخوانية، من أنقرة إلى لندن، التى تم الاستقرار عليها، كمقر لإطلاق القنوات الرئيسية، وكذلك عدة منصات ومواقع إخبارية إلكترونية.
ردود الفعل الغاضبة على قرارات منير داخل التنظيم، وصلت إلى حد محاولات التواصل بين قيادات الجماعة فى مصر وخارجها لإقناعهم بضرورة عزل منير كخطوة استباقية وإصدار بيان موحد بذلك.
ومن المرجح أن يكون السبب وراء ظهور هذا القرار هو وجود صراع دائر بين إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد ومحمود حسين أمين عام التنظيم سابقا حيث تم إلغاء هذا المنصب وإنشاء ما يسمى باللجنة العليا لإدارة الإخوان والتى يسيطر عليها منير بينما يسيطر محمود حسين على المكتب الإدارى ومجلس شورى إخوان تركيا وهذا الصراع الدائر بين شخص يمثل أمين عام التنظيم الدولى وشخص آخر كان فى السابق عضوا بمكتب إرشاد الإخوان ما دفع منير بحل ما يسمى مكتب الإخوان بتركيا.
ولا شك أن القرارات الأخيرة تعكس حالة الارتباك الشديد داخل التنظيم التى لم يعرفها فى تاريخه، وتؤكد أن هذه الجماعة استكملت أطوار حياتها وأنها غير قادرة على تجديد نفسها بنفس الكيفية التى كانت فى السابق.
ما يؤكد هذا أن قرارات منير الأخيرة مرتبطة بقرار سابق لمنير بمنح إخوان تركيا ٦ أشهر مهلة لإجراء انتخابات جديدة لانتخاب ومجلس شورى جديد ومكتب جديد، بشرط ألا يترشح أى شخص من القيادات التقليدية السابقة أو ألا يزيد عمر المتقدم لأى من الأعضاء على ٤٥ سنة، لكن مضت ٦ أشهر ولم تتم هذه الانتخابات فكانت هذه القرارات ومن المعروف لمتابعى الشأن الإخوانى أن العناصر الإخوانية المتواجدون فى تركيا يشكلون ٤ مجموعات، الأولى تدين بالولاء لإبراهيم منير والثانية تدين بالولاء للإخوانى محمود حسين (كان يدير منصب الأمين العام للجماعة) والثالثة للإرهابى محمد كمال (مؤسس الجناح المسلح داخل التنظيم، عقب الإطاحة بالمعزول محمد مرسى، وقتل على يد قوات الأمن المصرية) والمجموعة الأخيرة تدين بالولاء للإخوانى الهارب يحيى موسى.
الداخل والخارج.. مزيد من الانقسامات
لا شك أن هناك موجة جديدة من الانقسامات داخل تنظيم الإخوان الإرهابى تعد الأكبر فى تاريخ الجماعة الإرهابية، إذ أقبل عدد كبير من قواعد الجماعة على عزل محمود حسين الأمين العام للجماعة، الهارب خارج البلاد والمسيطر الأكبر على أموال الجماعة وجميع التمويلات.
وتداول عدد من شباب التنظيم مجموعة من القرارات والإجراءات التى تم اتخاذها مؤخرا داخل التنظيم الإرهابى، ممثلة فى إلغاء منصب الأمين العام الذى يشغله محمود حسين المتهم الرئيسى فى تخريب الجماعة، واختيار حلمى الجزار لاختيار لجنة لمواجهة الانشقاقات التى تضرب التنظيم، ما دفع إبراهيم منير لاتخاذ قراره الأخير بحل مكتب تركيا، إلا أن الواقع يقول إن هذا القرار وهذا الانقسام قديم جدا يعود إلى حالة التصعيد بين الحمائم والصقور داخل الجماعة ويرجع تاريخه إلى نهاية أبريل 2015، إذ شهدت الجماعة انقساما حقيقيا ومكتبين للإرشاد بعد ما ادعاه شباب الجماعة بتنظيم انتخابات فى فبراير 2014، طالت محمود حسين والقيادات التاريخية، إلا أن هذا الانقسام حاولت الجماعة احتوائه كغيره من الانقسامات أو الخلافات التى تمر بها الجماعة، إلى أن ظهر مرة أخرى على السطح.
مسلسل الضربات الموجعة
كانت أكبر ضربة تلقتها جماعة الإخوان وتنظيمها الدولى، عزلها من الحكم فى 2013 بثورة شعبية مهيبة فى 30 يونيو، ووقوف القوات المسلحة وباقى مؤسسات الدولة بجوار هذه الثورة، وتوالت الضربات بعد ذلك بالقبض على قيادات الجماعة ومواجهة مكاتبها النوعية والمسلحة مثل حسم ولواء الثورة وكتائب حلوان وغيرها، وشكل القضاء على محمد كمال مسئول العمل المسلح داخل الجماعة فى 2016، ضربة مؤلمة للجماعة، وكان القبض على محمود عزت أكثر إيلاما بكل المقاييس هذا على مستوى الداخل وعلى مستوى الخارج شكل التقارب المصرى مع كل من قطر وتركيا ضربات مؤلمة أخرى هزت كيان التنظيم الدولى للجماعة.
التقارب المصرى مع تركيا وقطر
رغم تصريحات إبراهيم منير، بأنه يرجح أن تستمر علاقة الجماعة مع قطر وتركيا رغم التقارب المصرى مع النظامين، وأن عناصر الجماعة فى كلا البلدين متوافقين مع النظام ومع القوانين، قائلا: «لا أعتقد أن شيئا كبيرا سيتغير فى العلاقة بيننا وبين قطر وتركيا»، لكن كثيرا من أعضاء جماعة الإخوان فى تركيا نشروا عبر صفحاتهم الشخصية عن تغير واضح فى التعامل معهم من قبل السلطات على عدة مستويات، ما دفع بعضهم للتفكير فى التوجه إلى بلدان أخرى أكثر أمنا وتعاطفا مع قضيتهم تحسبا لمزيد من التقارب المصرى التركى.
وكان الإعلاميان محمد ناصر ومعتز مطر المقيمان فى تركيا أعلنا عن توقف برامجهما على مواقع التواصل الاجتماعى وعبر الشاشات بعد طلب من السلطات التركية.
وكانت تركيا على وجه التحديد تشكل مركز الثقل الأكبر للجماعة فى استضافتها للقنوات وأغلب القيادات وأغلبهم على قوائم الإرهاب فى مصر ودول أخرى.
التقارب التركى المصرى حتما سيكون له تأثير لكن لا بد وأن يوضع فى الاعتبار أن أغلب قيادات الصف الأول فى الجماعة حصلت على الجنسية التركية ومن ثم سيصعب تسليمهم أو محاكمتهم، وكذلك قيادات الصف الثانى وبضع مئات حصلوا على حق اللجوء من الأمم المتحدة ويعيشون فى تركيا.
ولا شك أن للإخوان ملاذات أخرى غير تركيا وقطر لأنها نقلت خلال الأعوام الماضية بعض من أعضائها لعدة دول من بينها ماليزيا وإيران وجنوب أفريقيا.
وتعمل الجماعة على إعادة هيكلة الإعلام بحيث تطلق قنوات فضائية من دول أخرى وتعتمد على وسائل التواصل الاجتماعى بشكل أكبر من وسائل الإعلام التقليدية مثل تطبيق «كلوب هاوس».
وأصبح التنظيم الدولى يسير فى عدة اتجاهات متعاكسة، بسبب حالة الارتباك التى تسيطر عليه، وهذا يمكن قراءته بشكل واضح من خلال التحركات التى تمت خلال الأسابيع الماضية، بما فيها لقاء القيادات بحزب السعادة التركى المعارض، ثم العودة لتبرير الأمر من خلال بيان توضيحى، جاء تحت عنوان «شكر وتقدير» للنظام التركى، بينما هاجمته عناصر بارزة فى التنظيم واعتبرته إهانة، إلى إغلاق وحل المكتب الإدارى للجماعة داخل الأراضى التركية.
وأخيرا لم تنجح جماعة الإخوان وتنظيمها الدولى، فى تحقيق مكاسب حقيقية لها سواء داخل مصر أو خارجها، وبمصالحة قطر وتركيا مع مصر، تفقد الحركة الدعم المطلق لأهم حليفين إقليميين لها، وإن كانت الدوحة وأنقرة ترفضان تصنيف الحركة فى قوائم الإرهاب -على عكس ما تريد القاهرة- أو تسليم قياديها.
ضعف الإخوان فى الداخل
بعد ثورة 30 يونيو 2013، وعزل جماعة الإخوان من السلطة فى مصرى، وتوالى الضربات الأمنية لأذرعها المسلحة، والمواجهات السياسية لها ولإعلامها وانحصار التظاهرات التى كانت تقوم بها عناصر الجماعة من وقت لآخر، كل هذا أكد على ضعف الجماعة داخليا، هذا بجانب تجفيف الموارد المالية ومراكز الدعم اللوجستى للجماعة، بالقبض على رجال أعمال الجماعة وعلى رأسهم خيرت الشاطر ومصادرة أموال قياداتها الذين ثبت تورطهم فى تمويل أعمال إرهابية، وكذلك ما حققته الإدارة السياسية من نجاحات داخلية وخارجية وتحسين الأوضاع على المستويين الإقليمى والعالمى، كل هذا وغيره أدى إلى تهافت دعاوى الجماعة والرد على شائعاتها وأكاذيبها وإظهار حقيقتها للمواطن المصرى، هذا إلى جانب كثرة الخلافات الداخلية بين أفرع الجماعة والذى أدى فى النهاية إلى التخبط فى اتخاذ القرار والرؤية مما أدى إلى انهيار عدد من منصاتها الإعلامية خاصة على وسائل التواصل الاجتماعى.
علاقات الإخوان بأمريكا
تعود علاقة الإخوان بأمريكا إلى مراحل مبكرة من تاريخ الجماعة، فقد حرص المرشد المؤسس حسن البنا على مد جسور التواصل والتفاهم مع الأمريكان، بل وكان مبادرًا بالاتصال والتفاهم مع الإدارة الأمريكية، ولعب البنا على قضية كان الأمريكان يهتمون بها، ويحددون علاقاتهم بالأنظمة الحاكمة والقوى السياسية فى دول العالم بناءً على الموقف منها، وهى قضية العداء والمواجهة مع الاتحاد السوفيتى، فى زمن السعى لفرض أوسع هيمنة أمريكية على خريطة العالم لمواجهة المعسكر الاشتراكى بقيادة «ستالين»، وتوافقًا مع هذا السعى الأمريكى.. وفى مقابلة تمت بين حسن البنا وفيليب أيرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية بالقاهرة فى 29 أغسطس سنة 1947- طلب البنا من الأمريكان تكوين «مكتب مشترك» من الإخوان والأمريكان لمكافحة الشيوعية، على أن يكون أغلب أعضائه من الإخوان، وتتولى أمريكا إدارة المكتب.
وكرر حسن البنا ذات الطلب مع ذات المسئول الأمريكى فى مقابلة ثانية تمت فى بيته بحضور بعض قيادات الإخوان، مبررا طلبه بأن يدفع الأمريكان «مرتبات» للإخوان مقابل محاربة الشيوعية فيقول: «إن أعضاء الجماعة سيتركون عملهم الأصلي؛ لينضموا للخلايا الشيوعية للحصول على المعلومات، وبذلك سيفقدون مرتباتهم.. وإذا أمكن إبقاؤهم على أساس أنهم محققون وباحثون، فإن هذه المشكلة يسهل حلها».
ومنذ ذلك التاريخ وأصبحت الولايات المتحدة حاضنة للجماعة وتنظيمها الدولى وإن كانت هذه العلاقات مرت بمراحل من التوتر أو الضعف إلا أن الجماعة وتنظيمها الدولى يمثلان للإدارات الأمريكية المختلفة ورقة ضغط على حكومات وشعوب المنطقة.
وللأمريكان فضل كبير فى دعم وتأسيس التنظيم الدولى للإخوان فقد ساعدت المخابرات الأمريكية الجماعة فى افتتاح كل المراكز الإسلامية فى أوروبا، ومكنتها من السيطرة عليها بداية من 1982، وكانت علاقات المودة والتواصل جيدة بين الإدارة الأمريكية ومرشدى الإخوان، فتم استقبال عمر التلمسانى، وقت كان مرشدًا للجماعة، استقبالًا فاخرًا فى زيارته للولايات المتحدة.. نفس الشيء تكرر مع الشيخ حامد أبو النصر الذى منحته أمريكا «تأشيرة مفتوحة» تم استخراجها فى 24 ساعة، مصحوبة بدعوة لقضاء إجازة فى الولايات المتحدة لكن حالته الصحية حالت دون إتمام الزيارة.
وتجدر الإشارة فى هذا السياق إلى ما صرح به مرشد الإخوان الأسبق عمر التلمسانى عقب عودته من زيارة أمريكا، حيث أعلن فى اجتماع لمكتب الإرشاد فى 15 سبتمبر 1985، عن قرار الإدارة الأمريكية اعتزامها دعم الجماعات الدينية، من خلال الجمعيات وذلك عن طريق سفاراتها فى البلدان الإسلامية.
أما عن علاقة الإخوان بأمريكا عقب ثورة يناير 2011 وما تلاها من تطورات.. وصولًا لسيطرة الإخوان على مجلس الشعب ولجنة إعداد دستور 2012 ودور السفيرة الأمريكية فى إنجاح مرشح الإخوان لمقعد الرئاسة محمد مرسى.. وما تلا ذلك من تطورات، بلغت ذروتها فى ثورة 30 يونيو.. والتى أطاحت بالإخوان وممثلهم فى القصر الرئاسى.. فالأمر ما زال عالقًا بالأذهان.
ومن السجل الحديث للعلاقات الأمريكية الإخوانية نذكر: فى الأسبوع الأول من فبراير 2014 أعلنت الإدارة الأمريكية حرصها على التواصل مع جماعة الإخوان، رغم قرار الحكومة المصرية باعتبارها جماعة إرهابية، فقد أكدت الخارجية الأمريكية فى بيان لها وقتها: إن التواصل بين السفارة الأمريكية بالقاهرة وجماعة الإخوان لا يزال مستمرًا، بحجة سعى الولايات المتحدة للحوار مع جميع أطراف العملية السياسية فى مصر، وأكدت الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تصنف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية!!
ومن المهم أيضًا الإشارة إلى التنسيق العالى، فى تلك الفترة، بين الإدارة الأمريكية وبين الإخوان فيما يتعلق بالملف السورى، فالإخوان يلعبون دورا عمليا ومباشرًا لتحقيق المخطط الأمريكى الهادف لإسقاط نظام بشار الأسد فى سوريا، ويعمل إخوان سوريا بحماس فى تنفيذ ذلك المخطط الأمريكى.
وما زالت قضية تصنيف جماعة الإخوان وتنظيمها الدولى كمنظمة إرهابية محل نقاش داخل أروقة الكونجرس الأمريكى حتى الآن والذى يعيق اتخاذ مثل هذا القرار بعض المنظمات التابعة للتنظيم الدولى للإخوان والتى تغلغلت داخل المجتمع الأمريكى عن طريق الجمعيات الخيرية ومن لافتة العمل الإنسانى حيث تحتل الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية مكانتها باعتبارها أكبر منظمة شمالية تأسست فى العام 1963 ويقع المقر فى مدينة بيليفيلد فى ولاية انديانا.
لعبت تلك الرابطة دورا هائلا فى منع اعتبار تنظيم الإخوان فى مصر تنظيما إرهابيا داخل كندا وأمريكا من خلال الضغط المباشر وغير المباشر بدفع أموال لأعضاء الكونجرس الأمريكى، الأمر الذى ساعد لإطالة أعمال العنف التى قامت بها جماعة الإخوان الإرهابية داخل مصر، واستهداف قوات الجيش والشرطة عن طريق جماعاتهم المسلحة «حسم، ولواء الثورة» وقد استنكرت الجمعية إعلان واشنطن لجماعة حسم جماعة إرهابية.
وفى يوليو 2020، كشف تقرير للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، نشره موقع «العربى الحديث» فضائح جماعة الإخوان وسعيها لنشر الفوضى فى مصر بأيدى الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.
وبحسب التقرير، فإن إدارة أوباما تبنت استراتيجية لدعم تيارات الإسلام السياسى فى منطقة الشرق الأوسط بعد ثورات 2011 وتمكينهم من تولى مقاليد الحكم فى الدول التى شهدت هذه الموجة من الاحتجاجات والاضطرابات، ومنها مصر وتونس وليبيا وسوريا.
وتفاجأت الإدارة الأمريكية السابقة بما حدث فى 30 يونيو، ولم ترد فى أول بيان للبيت الأبيض تعليقا على «بيان 3 يوليو» أن تصدر موقفا رافضا بشكل واضح للحراك الشعبى فى مصر أو مؤيدا لجماعة الإخوان بعد إزاحتها من الحكم، ولذلك ظهر هذا النوع من الترقب.
وكشف التقرير، أن جون كيرى وزير الخارجية قال فى ذلك الوقت «الأول من أغسطسُ 2013» إن الجيش المصرى كان يعيد الديمقراطية فقد طلب من الجيش التدخل لتنحية مرسى من قبل الملايين من المواطنين وجميعهم يخشون الانحدار إلى الفوضى، والجيش لم يتسلم زمام الأمور فهناك حكومة مدنية.
وفى بيانها أمام لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكى، قالت إليزابيث جونز مساعدة وزير الخارجية الأمريكى لشئون الشرق الأوسط فى 29 أكتوبر 2013: «أثبت مرسى عدم قدرته على الحكم بشكل كامل ما أدى إلى نفور العديد من المصريين، واستجابة لرغبات الملايين من المصريين الذين اعتقدوا أن الثورة اتخذت منحی خاطئا أعيد الأمن والاستقرار بعد سنوات من الاضطراب وتولت حكومة انتقالية الأمر».
واستكمل التقرير، أن ثورة 30 يونيو كانت بمثابة ضربة قاصمة لمشروع جماعة الإخوان فى مصر، واتسم الموقف الأمريكى حيالها بالترقب، فيما سعت الجماعة إلى استغلال علاقاتها مع واشنطن ودعم الإدارة فى البيت الأبيض لها للعمل على إعادة توازن القوى داخل المجتمع المصرى.
بدأ ذلك بلقاءات مع المسئولين الأمريكيين لتخفيف الضغط الواقع على الجماعة فى مصر ومحاولة القفز على الواقع الجديد والخروج منه بأقل أضرار ممكنة أملا فى إعادة الاندماج بالمشهد السياسى الجديد.
ويقول بيت هوسكترا السفير الأمريكى السابق فى هولندا، إنه منذ عام 2011 سعت إدارة الرئيس الأمريكى أوباما إلى تغيير الاستراتيجية وفرض الوجود الإخوانى، وأعطت رسالة ناعمة بأن الإخوان يمكنهم الإطاحة بمبارك وحدث ما حدث وخسرنا مصر وقتها.
ومع تنصيب الرئيس الديمقراطى جو بايدن، بات السؤال الصعب عن أى السيناريوهين ستتعامل إدارة بايدن مع تنظيم الإخوان؟.. نموذج الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما الذى تولى الحكم من 2009 وحتى 2017 أم نموذج الرئيس السابق دونالد ترامب الذى انتهت ولايته بإدراج حركة حسم الإخوانية بمصر على قوائم الإرهاب.