«It's coming home».. هل حقًا ستعود البطولة للمنزل كما تغنى الإنجليز لسنوات؟ في ليلة نصف النهائي بملعب ويمبلي عبر منتخب الأسود الثلاثة اختبارًا صعبًا أمام الدنمارك بعد الفوز بنتيجة 2–1 في نصف نهائي بطولة اليورو.
عبور المنتخب الإنجليزي كان تاريخيًا بعد فك عقدة استمرت أكثر من نصف قرن للوصول للنهائي الثاني في تاريخهم بعد البطولة الوحيدة واليتيمة التي حققوها وهي كأس العالم 1966 عقب الفوز على ألمانيا بنتيجة 4–2 وتحقيق كأس العالم.
صدفة تاريخية
إنجاز المنتخب الإنجليزي الوحيد والتاريخي كان في شهر يوليو عام ١٩٦٦، وفي حضرة نحو ٩٨ ألف متفرج وأيضًا على ملعب «ويمبلي» بمدينة لندن، وبعد ٥٥ عامًا يُكرر منتخب الأسود الثلاثة الإنجاز ويصل النهائي على ملعب ويمبلي بعد تخطي منتخب الدنمارك.
عناوين الصحف
الصحافة الإنجليزية احتفت كثيرًا بالصعود والإنجاز الكبير الذي حققه منتخب المدرب ساوثجيت، إذ كتبت صحيفة «التايمز» في صدر الصفحة الأولى «إنجلترا تصنع التاريخ». وعنونت جريدة «ذا صن» صفحتها الأولى بالتالي: «منتخب الأسود الثلاثة يعبر إلى النهائي، ربما يكون أفضل شعور في العالم».
وكتبت صحيفة التليجراف: "أخيرًا منتخب إنجلترا في النهائي"، وقالت جريدة مترو: "أخيرًا نحن في النهائي". وعلقت شبكة بي بي سي قائلة: "إنجلترا عادت من الوراء لتهزم الدنمارك وتصعد لنهائي يورو ٢٠٢٠".
مشروع الـ«DNA»
وصول منتخب إنجلترا إلى نهائي بطولة يورو ٢٠٢٠ لم يكن وليد الصدفة أو ضربة حظ وإنما نتاج مجهود وتخطيط وعمل انطلق منذ عام ٢٠١٤ بمشروع الحمض النووي الإنجليزي «England DNA».
في عام ٢٠١٤ أطلق المدير الفني للاتحاد الإنجليزي دان آشوورث مشروع الحمض النووي الجديد لإنجلترا بهدف تطوير وإصلاح الكرة الإنجليزية. كان الهدف من المشروع تحويل منتخب الأسود الثلاثة من فريق فاز بجائزة "الأكثر إحباطًا في العالم" في مجلة تايم في عام ٢٠١٢ إلى فريق يمكن أن يرفع كأس العالم لأول مرة منذ عام ١٩٦٦.
درس آشوورث نجاح التجربة الألمانية في إصلاح منتخبها بعد خروجهم المحرج من دور المجموعات في يورو ٢٠٠٠ لإنتاج أفضل الفرق في العالم. كما درس النموذج البلجيكي وكيف تمكن من إنتاج جيل ذهبي يضم أفضل اللاعبين في العالم. واطلع أيضًا على تجربة فرنسا ونجاحها في حصد كأس العالم ١٩٩٨ بعد الاستفادة من أكاديمية التدريب الفرنسية كليرفونتين، التي أخرجت العديد من المواهب الفرنسية مثل «تيري هنري، ويليام جالاس، لويس ساها، نيكولاس أنيلكا، حاتم بن عرفة، أبو ديابي، جيرو، ماتويدي، كيليان مبابي». العنصر المشترك بين التجارب الثلاث الناجحة في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا هو الحمض النووي لكرة القدم.
بدأ أشوورث في وضع خطته للحمض النووي الإنجليزي وحدد ٥ عناصر أساسية هي:
من نحن؟ كيف نلعب؟ مستقبل اللاعب الإنجليزي
كيف نتدرب؟ كيف ندعم؟
في العنصر الأول ركز على ثقافة وقيم كرة القدم الإنجليزية، وهي أن كل لاعب يدخل النظام الإنجليزي من جميع مستويات الفئات العمرية إلى أقل من ٢١ عامًا يجب أن يتمتع بثقافة وقيم كرة القدم الإنجليزية، ويسعى لتمثيل بلده بكل قوة ويضع نجاح منتخب بلاده في مقدمة اهتماماته.
وبالنسبة للعنصر الثاني "كيف نلعب؟"، فاعتبره الاتحاد الإنجليزي أهم عناصر الحمض النووي لكرة القدم الإنجليزية، ووضع أسلوب لعب مبني على الاستحواذ على كرة القدم ويجب أن يتقنه كل منتخب إنجليزي.
وتقوم الفكرة على أنه إذا لعب منتخب إنجلترا الأقل من ١٦ عامًا بنفس طريقة الفريق الأول، فسيؤدي ذلك إلى تسهيل رحلة اللاعب عبر الفئات العمرية حيث ستؤدي هذه الطريقة إلى انسجام وتطور المنتخبات الإنجليزية في الفئات العمرية المتقدمة. أما الفكرة الثالثة فتتمحور حول مستقبل اللاعب الإنجليزي وتطوير مستواه وأدائه عبر الاحتكاك والمشاركة في بطولة أوروبا تحت ٢١ عاما، ومثال على ذلك النموذج الألماني الذي نجح في تخريج لاعبين متميزين أمثال نوير وهوملز وسامي خضيرة ومسعود أوزيل، بعد مساهمتهم في الفوز ببطولة أمم أووربا تحت ٢١ في عام ٢٠٠٩، وبعدها شاركوا في كأس العالم ٢٠١٠ في جنوب أفريقيا ووصلوا لنصف النهائي، وكانوا العمود الفقري للمنتخب الألماني الذي فاز ببطولة كأس العالم ٢٠١٤ في البرازيل.
لعب مانويل نوير وماتس هوملز وسامي خضيرة ومسعود أوزيل دورًا كبيرًا في تتويج المانشافت ببطولة أوروبا تحت ٢١ عامًا في عام ٢٠٠٩.
مشروع الـDNA الإنجليزي سار على نهج التجربة الألمانية ونجح في إخراج العديد من المواهب الإنجليزية المتميزة مثل جادون سانشو، مايسون ماونت، تامي أبراهام، كما أصبحوا مستعدين لحمل لواء ومستقبل المنتخب الإنجليزي الأول.
في المحور الرابع طرح "آشوورث"، سؤال "كيف نتدرب؟"، وذكر أن بلاده متخلفة في طرق التدريب ولا تملك مدربين أكفاء مثل أسبانيا وفرنسا. وذكر أن وجود المزيد من المدربين المتميزين يؤدي إلى تطوير لاعبين أكثر قدرة على الأداء في الملعب. وقال إنه يسعى من خلال هذا المحور إلى رفع مستوى المدربين وترسيخ استراتيجيات وطريقة التدريب التي يقوم عليها الحمض النووي لكرة القدم الإنجليزية. وفي المحور الخامس يُعلن المدير الفني للاتحاد الإنجليزي عن هدفه بأنه يسعى من خلال هذا المشروع إلى ريادة إنجلترا في علم الرياضة والطب والتحليل والجانب النفسي من اللعبة وتخريج لاعبين يتمتعون بالقوة البدنية والعقلية بالإضافة للموهبة في كرة القدم.
قوة البريميرليج
ومن أسباب قوة المنتخبات الإنجليزية هو انخراط اللاعبين في أقوى دوري في العالم، ولو نظرنا لقائمة منتخب الأسود الثلاثة فكلها من البريميرليج، الدوري الأقوى في العالم، باستثناء كيران تريبيير لاعب أتلتيكو مدريد، وجادون سانشو وجود بيلينجهام لاعبا بروسيا دورتموند الألماني.
وجاءت القائمة كالآتي:
حراسة المرمى: جوردان بيكفورد (إيفرتون)، دين هندرسون (مانشستر يونايتد)، سام جونستون (وست بروميتش) وآرون رامسدايل (شيفيلد يونايتد).
للدفاع: لوك شو وهاري ماجواير (مانشستر يونايتد)، بن تشيلويل وريس جيمس (تشلسي)، جون ستونز وكايل ووكر (مانشستر سيتي)، تايرون مينجز (أستون فيلا)، كونور كوادي (وولفرهامبتون)، كايرون تريبيير (أتلتيكو مدريد الإسباني)، بن غودفري (إيفرتون) وبن وايت (برايتون).
للوسط: ديكلاين رايس وجيسي لينجارد (وست هام)، جوردان هندرسون (ليفربول)، كالفين فيليبس (ليدز)، مايسون مونت (تشلسي)، جود بيلينجهام (بوروسيا دورتموند الالماني) وجيمس وارد-بروس (ساوثمبتون).
للهجوم: فيل فودين ورحيم سترلينج (مانشستر سيتي)، جاك جريليش (أستون فيلا)، هاري كاين (توتنهام)، ماركوس راشفورد ومايسون غرينوود (مانشستر يونايتد)، جايدون سانشو (دورتموند)، دومينيك كالفيرت-لوين (إيفرتون)، بوكايو ساكا (أرسنال) وأولي واتكنز (أستون فيلا).
قوة البريميرليج ليج تعود لعدة أسباب منها قوة وجودة اللاعبين المحترفين الذين ينشطون في جميع الأندية ما انعكس على مستوى الأندية التي تقدم أداء جيدًا.
بالإضافة إلى وجود ٦ أندية أو أكثر تنافس كل عام على لقب الدوري الإنجليزي وفي مقدمتها قطبا مدينة مانشستر "يونايتد، السيتي"، بالإضافة لليفربول وتشيلسي وتوتنهام وآرسنال وليستر سيتي.
قوة المباريات وخوض ٣ منافسات محلية هي "الدوري، كأس الاتحاد الإنجليزي، كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة" ساهمت في تطور وتفوق اللاعبين محليًا وقاريًا.
الحصاد
خطة مشروع الحمض النووي لكرة القدم الإنجليزية التي بدأت بوادرها في عام ٢٠١٢ كانت مدتها ١٠ سنوات والهدف منها الفوز بكأس العالم ٢٠٢٢.
ومن نتائج المشروع اكتساح إنجلترا لكل بطولات العالم في عام ٢٠١٧ وفوزها بكأس العالم تحت ٢٠ سنة وتحت ١٧ سنة وبطولة أوروبية تحت ١٩ سنة.
كما يسير منتخب إنجلترا الأول بخطوات ثابتة في هذا الطريق إذ وصل لنصف نهائي كأس العالم ٢٠١٨ في روسيا. وتتوالى المكاسب على مستوى الأندية أيضًا، بفوز ليفربول بدوري أبطال أوروبا عام ٢٠١٩، وحصد تشيلي البطولة أيضًا في عام ٢٠٢١ أمام مانشستر سيتي في نهائي إنجليزي خالص.
في عام ٢٠٢١ وصلت إنجلترا للنهائي الثاني في تاريخها لتُحقق إنجازًا كبيرًا ليس وليد الصدفة أو الحظ وإنما عبر سنوات من الجهد والتخطيط لإعادة البطولات إلى منزلها. مهمة إنجلترا وساوثجيت في النهائي لن تكون سهلة لمواجهة منتخب الأسود الثلاثة نظيره الإيطالي الذي قدم أفضل كرة قدم في بطولة اليورو حتى الآن ويسعى لاستعادة أمجاده الكروية الغائبة منذ سنوات، فهل ستعود البطولة للمنزل كما يتمناها الإنجليز أم ستعود لروما كما يتمناها الطليان؟