يبدو أن أوروبا قررت أن تنتفض أخيرا، ضد إرهاب جماعة الإخوان، بعدما تبين لها الدور الفوضوي الذي تلعبه في كل مكان تجد فيه فرصة لتصدر المشهد.
وخلال الساعات الماضية، أعلنت الحكومة النمساوية، حظر عدد من التنظيمات الإرهابية، التي جاء في صدارتها جماعة الإخوان، بالإضافة إلى تنظيم داعش، وتنظيم القاعدة، وجماعة الذئاب الرمادية التركية، وحزب العمال الكردستاني، وحركة حماس الفلسطينية، وحزب الله اللبناني، بالإضافة إلى كل الجماعات الأخرى المدرجة في الأعمال القانونية للاتحاد الأوروبي، كجماعات أو شركات أو منظمات إرهابي، وأخيرا المجموعات التي تمثل منظمات فرعية، أو خلفاء، لأي من التنظيمات السابقة.
وأبدت جميع الأحزاب والكتل البرلمانية النمساوية، دعمها للإجراءات الجديدة، التي وصفها حزب "الخضر"، بأنها "رد فعل دستوري حكيم على ظاهرة الإرهاب، وضروري للوقوف في وجه من يريدون تدمير هذا المجتمع".
ويأتي هذا في الوقت الذي طالب فيه حزب "الحرية الشعبوي"، بالمزيد من الإجراءات، معتبرا أن ما تم اتخاذه حتى الآن، بما فيها هذه الإجراءات الجديدة، غير كافٍ لحماية المجتمع من الإرهاب.
في الوقت ذاته أصدرت الحكومة الألمانية قرارا، يحظر استخدام شعارات ورموز تنظيم الإخوان، إلى جانب منع شعارات داعش، والقاعدة.
وأشارت الاستخبارات الألمانية، في تقرير قدمته إلى البرلمان، وصدر بناء عليه القانون الجديد، إلى أن تنظيم الإخوان يعد أكثر خطورة من تنظيمي داعش، والقاعدة، نظرا لتوغله في البلاد، وامتلاكه وسائل عدة للحصول على تمويلات.
وذكر التقرير، وفق ما تداولته وسائل الإعلام الألمانية، أن عددا من الولايات تلقت مطالبات من النشطاء، ورجال السياسة فيها، تدعو السلطات الاتحادية إلى حظر جماعة الإخوان، لخطورتها على الحياة العامة.
الموقف النمساوي، والألماني، يستهدف تعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتطرف، حظر أنشطة التنظيمات الإرهابية وملاحقة مموليها، بحسب ما أكدت الدولتان، حيث قال وزير الداخلية النمساوي، "كارل نيهمر"، إن "التشريعات الجديدة تعمل على تغليظ العقوبات على البيئات الحاضنة للمتطرفين، وتسهل عملية مراقبتهم، وكذلك مراقبة خطاب الكراهية، والتشدد الديني، واستغلال شبكة الإنترنت في هذه الأغراض".
الوزير النمساوي، قال في تصريحات صحفية، إن البرلمان وافق على إلزام جميع المتهمين الموقوفين في قضايا إرهاب، بوضع السوار الإلكتروني في الكاحل، حال الإفراج الشرطي عنهم.
وشدد الوزير على أن هذه الإجراءات، تستهدف مواجهة مساعي الجماعات الإرهابية إلى تقسيم المجتمع.
خطوة جيدة
وتعليقا على القرارات الألمانية والنمساوية، وصف الدكتور أكرم الزغبي، أستاذ القانون الدولي، الموقف الألماني والنمساوي، بأنه خطوة جيدة، في سبيل محاصرة التوغل الإخواني بالمجتمعات الأوروبية.
وقال: "القرارات النمساوية، أقوى من نظيرتها، التي اتخذتها الحكومة الألمانية، لكن في الوقت ذاته فإن اعتراف برلين بخطورة جماعة الإخوان، تشير إلى أن ألمانيا في طريقها إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات في هذا الشأن".
وأضاف: "التزامن الذي صدرت به هذه القرارات، من دولتين بحجم ألمانيا، والنمسا، يشير إلى توجه ربما يفضي إلى إستراتيجية تنتهجها جميع دول الاتحاد"، مشيرا إلى أن المجتمع الأوروبي، أصبح يدرك خطورة الأفكار المتطرفة، لا سيما بعد الحوادث الإرهابية التي توقعت على مدى الأعوام الأخيرة.
ولفت الزغبي، إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيسهم في تغيير سياسات الاتحاد ودولة تجاه الإرهاب، خاصة أن الحكومات البريطانية المتعاقبة، اشتهرت بدعم جماعة الإخوان، وتقديم حاضنة أوروبية قوية لها، وهو أيضا ما يفسر، عدم تعرض المدن البريطانية، للهجمات الإرهابية الخطيرة التي تعرضت لها مدن أوروبية أخرى.
تاريخ دموي
بدوره يرى الدكتور محمد عثمان عبد الجليل، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة بورسعيد، ورئيس قسم التاريخ والحضارات بكلية الدراسات الآسيوية العليا في جامعة الزقازيق، أن موقف ألمانيا والنمسا، تجاه الإخوان، يعبر عن إدراك للتاريخ الدموي لهذه الجماعة، كما يشير إلى أن حكومات أوروبا أدركت أخيرا، أن الإرهاب يمكن أن يطول الجميع، وأنهم يتعين عليه اتخاذ إجراءات لمواجهة خطورة الفكر المتطرف، لأنهم ليسوا بعيدين عن أضراره.
وقال عبد الجليل، إن التحرك الألماني النمساوي الأخيرة، وفي هذا التوقيت الذي تعاني فيه الجماعة لتبقى على قيد الحياة، في المنطقة العربية، يمثل ضربة مؤلمة لها.
وأشار إلى أن هذه القرارات، تشير إلى أن دولتين كبيرتين بحجم ألمانيا والنمسا، لم تعد لديهما الرغبة في وجود عناصر الجماعة على أراضيها، مضيفا: "هذه إشارة إلى التوجه المزاجي للرأي العام الأوروبي، ما يشير إلى أن الجماعة بدأت فعليا في خسارة ملاذ جديد، كانت تعتبره بديلا مواتيا، لهزائمها في المنطقة العربية".
ولفت إلى أن الحوادث الإرهابية الخطيرة التي وقعت في السنوات الأخيرة، بجميع أنحاء أوروبا، كان لها تأثير كبير، في خسارة الجماعة، وما انبثق عنها من تنظيمات إرهابية، لملاذات آمنة، كانت ستؤويها حالة اضطرارها إلى الفرار من المنطقة العربية، بحيث تبقى في الوقت ذاته قريبة من الشرق الأوسط.
وأوضح عبد الجليل، أن جماعة الإخوان تسير نحو نهايتها الحقيقية، بعد أن خسرت وجودها المؤثر بمصر، ومعظم دول المنطقة، ولولا مساندة دولة أو اثنتين بالمنطقة لها، لما استطاعت أن تبقي على وجودها في تونس، أو تقاتل للبقاء في ليبيا.
وقال عبد الجليل: "يجب علينا الانتباه إلى نقطة أخرى مهمة، وهي أن الحكومة الألمانية، حظرت الشعارات التي يستخدمها الإخوان، وهو ما يعني أن المجتمع الألماني لم يعد آمنا لأي أنشطة تتعلق بالجماعة، فلم يعد من المناسب لهم تنظيم مجرد تظاهرة يحضرها ولو عدد ضئيل من عناصر الجماعة، لأن أي استخدام للشعارات المحظورة سيضعهم تحت طائلة القانون الألماني.