خطة واعية، وضعتها مصر، لتحقيق الأمن الغذائى، وتوفير السلع الإستراتيجية المهمة، من خلال زيادة معدلات الإنتاج، وتخفيض فاتورة الاستيراد؛ حيث عملت على تطوير خطوط إنتاج السكر المصرى، المعروف بجودته العالية، بداية من التوسع في زراعة قصب وبنجر السكر، وضخ المزيد من الاستثمارات في صناعة السكر ومشتقاته.
وعملت مصر خلال السنوات القليلة الماضية، على تطوير وتحديث خطوط الإنتاج، ورفع كفاءة طاقة التشغيل، بمختلف مصانع السكر، واستحداث مصانع جديدة، مما ترتب عليه تحقيق طفرة نوعية والتحول من سنوات الشح وارتفاع الأسعار، إلى الوفرة، وقاربت مصر على تحقيق الاكتفاء الذاتى من السكر. ويعد السكر، من السلع الإستراتيجية، التي اهتمت بها الدولة في الآونة الأخيرة، فبعد أن كانت مصر تعانى من عجز شديد في هذه السلعة، مع حدوث تقلبات سعرية شديدة بها، من ناحية ارتفاع الأسعار، وأصبحت الآن سلعة تتميز بالاستقرار، والثبات السعري، والوفرة والإتاحة، ليقترب معدل الاكتفاء الذاتي من السكر، إلى نحو 90%، ويرتفع المعدل النسبي للمخزون الإستراتيجى للسكر، لما يزيد على 6 أشهر، بحسب تصريحات الدكتور على المصيلحى، وزير التموين والتجارة الداخلية.
الإنتاج في مصر
ينقسم إنتاج السكر في مصر، إلى ٩٠٠ ألف طن سكر من قصب السكر، و١.٧ مليون طن سكر من بنجر السكر، كذلك إنتاج ٢٥٠ ألف طن/ سكر من محليات صناعية (جلوكوز- وهاى فركتوز) من الذرة، ليشكل مجمل الإنتاج المحلى ٢،٨٥٠ مليون طن، من إجمالى استهلاك محلي ٣،٢ مليون طن سكر سنويًا.
فبعد أن كانت الفجوة في استهلاك السكر تتعدى المليون طن، أصبحت الآن الفجوة لا تتعدى ٣٥٠ ألف طن، حيث تركزت جهود الدولة على الفجوة الغذائية، وتطوير المصانع المنتجة للسكر.
زراعة البنجر
من أهم أسباب الاقتراب من الاكتفاء الذاتى من السكر، التوسع في زراعة البنجر، حيث زادت المساحة المزروعة ببنجر السكر، فبعد أن كانت مساحة الزراعات لا تتعدى الـ٣٠٠ ألف فدان، أصبحت الآن تتعدى ٦٤٠ ألف فدان، نظرًا لاهتمام الدولة بهذا المحصول الإستراتيجى المهم، والتوسع في نظام الزراعة التعاقدية مع الفلاحين لتحقيق المنفعة للمزارع والمصانع في آن واحد. وعملت الدولة على تشجيع المزارعين لزراعة بنجر السكر، وجذب المستثمرين لضخ المزيد من الأموال في هذه الصناعة الإستراتيجية.
التوسع في المصانع
نتيجة للطفرة في زراعة السكر، حدَّثَت الدولة من المصانع العاملة في إنتاج السكر من البنجر، وهى ٨ مصانع، تنتج سكر من البنجر، وهى كالاتى:
(الدلتا للسكر/ الدقهلية/ النوبارية/ الفيوم/ الشرقية/ النيل/ صافولا متمثلة في الإسكندرية والمتحدة).
وحديثًا انضمام مصنع القناة للسكر، وهو من أكبر المصانع حديثًا، بمنطقة غرب المنيا، والذى قام على مساحة استصلاح، تقترب من ١٨٠ ألف فدان، ستبدأ التشغيل التجريبى هذا العام.
نهضة مصنع الدلتا
من أهم المصانع التى تم تطويرها، في الآونة الأخيرة "مصنع شركة الدلتا للسكر، بمحافظة كفر الشيخ"، أحد أكبر المصانع المنتجة للسكر من بنجر السكر، حيث أنشئت عام ١٩٧٩، وحصلت على شهادات الجودة، من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، كما حصلت على اعتماد الأيزو. وقد تم تطويرها وتحديثها عام ٢٠١٩، بهدف رفع كفاءة طاقة تشغيل المصنع من ١٤ ألفا إلى ٢١ ألفا طن بنجر يوميًا وإنتاج أكثر من ٣ آلاف طن سكر يوميا، وكذلك فتح مناشئ جديدة للتصدير مثل اعتماد "لب البنجر" المنتج للتصدير للصين.
مشروع الدلتا الجديدة
ولعل جهود الدولة لتحقيق الاكتفاء الذاتى من السكر، كان آخرها إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي، مشروع الدلتا الجديدة، وهو المشروع الذى يتوقع أن يحقق الاكتفاء الذاتى من السكر، وتقليل فاتورة الاستيراد من السلع الإستراتيجية، مثل السكر والقمح والذرة، وهي من المحاصيل الأساسية في المشروع.
وأكد السيد القصير، وزير الزراعة، أنه خلال عام، سنحقق الاكتفاء الذاتى من السكر، وسنصدر للخارج، وسنلجأ إلى تطوير صناعة السكر، من خلال استخدام أدوات الري الحديث.
التوسع في زراعة البنجر وضخ استثمارات في صناعة السكر
قال الدكتور صلاح يوسف، وزير الزراعة الأسبق، إن مصر اهتمت بإنتاج السكر، على محورين، هما: تنمية الزراعات من قصب السكر وبنجر السكر، والاهتمام بتصنيع السكر، من خلال التوسع في بناء المصانع والاستثمارات، وعلى رأسها مصنع القناة بالمنيا.
وأضاف «يوسف»، لـ«البوابة»، إن الدولة ممثلة في مركز بحوث المحاصيل السكرية، اهتمت بالتوسع في الزراعات الحديثة، خاصةً زراعة قصب السكر بنظام التقطير، بالاعتماد على سلالات جديدة، تستهلك قدر أقل من المياه، وتوفر إنتاجية أكبر، وجودة أعلى، ولعل تطوير زراعة وإنتاج السكر من القصب، بهذه التقنيات، إضافةً إلى التوسع في استثمارات السكر والتصنيع، وهو الأمر الذي يعجل من خطة الاكتفاء الذاتي، الذي سيتحقق في القريب العاجل.
من جهته؛ قال الدكتور أحمد زكي أبو كنيز، أستاذ البحوث بمعهد بحوث المحاصيل السكرية، إن من أهم أسباب اقتراب مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتى من السكر، هو الزيادة الرأسية والأفقية في المحاصيل المنتجة للسكر، بداية من زيادة المساحة المزروعة، وبخاصة الزيادة الكبيرة في المساحة المزروعة بالبنجر، التي حصلت في السنوات الأخيرة، إضافةً إلى التوسع في التصنيع بإقامة مصنع القناة بالمنيا.
وأضاف «أبو كنيز»، لـ«البوابة»: «أدى ارتفاع أسعار البنجر في السنوات الأخيرة، إلى زيادة إقبال المزارعين على زراعة البنجر، ولعل التوسع في الزراعات، أثر بشكل أساسى على حل مشكلة نقص السكر، التي عانت منها مصر في بعض الأوقات، فبالإضافة إلى الزيادة في المساحات التقليدية، في شمال مصر ووسط الصعيد، لدينا الأمل الكبير في التوسع في زراعة البنجر، في أماكن وأراض جديدة، وإقامة مصنع للسكر في توشكى، وبدأت زراعتا تجريبية في توشكى وشرق العوينات».
وأكد «أبو كنيز»، أن المساحة الإجمالية لزراعات السكر في مصر، تشير إلى أن حلم الاكتفاء الذاتى سيتحقق قريبا، فبالنسبة لمحصول قصب السكر فمساحته تكاد تكون ثابتة ٣٢٠ ألف فدان، وقد تزيد قليلا لتصل إلى ٣٣٠ والجزء الأكبر في صناعة السكر من القصب، والتى تنتج من مصانع «كوم امبو وادفو وأبو قرقاص وقوص ونجح حمادى وأرمنت ودشنا وجرجا».
واختتم «أبو كنيز»، قائلًا إن إنتاج مصر من السكر ستعززه الجهود التي يقوم بها معهد بحوث المحاصيل السكرية، الذى يعمل على تطوير تقنيات وآليات جديدة فر إنتاج السكر من القصب، من خلال عمليات تقلل استهلاك المياه، وتنتج كميات أكبر، وبجودة أعلى، من خلال سلالات جديدة، تصلح للزراعة بنظام الرى بالتنقيط والتقطير، وهو الأمر الذى سيوفر نحو ٢٥٠ ألف طن من السكر سنويا.
أما المهندس حسن الفندى، نائب رئيس شعبة السكر بغرفة الصناعات الغذائية، وعضو مجلس إدارة الغرفة باتحاد الصناعات المصرية، فبرى أن مصر نجحت في التحول من الشح إلى الاكتفاء الذاتى من السكر، عبر العمل على محورى الزراعة والصناعة، وكذلك سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.
وقال «الفندي»، لـ«البوابة نيوز»، إن مصر عملت على إنشاء مصانع كبرى قائمة على الزراعة، مثل مصنع القناة في المنيا، الذى من شأنه الإسهام بـ٧٥٠ ألف طن من السكر، وهذا المصنع يعد أحد أهم المصانع المنتجة للسكر، وأهميته تكمن في أنه أصبح لدينا دورة إنتاج متكاملة، بداية من الزراعة، مرورًا بالصناعة والإنتاج.
وتابع: «مصر كانت تعانى من فجوة تبلغ مليون طن، وبعد اكتمال إنشاء مصنع القناة، بالإضافة إلى إنتاج شركة النيل للسكر، وشركة الشرقية للسكر، سيتحقق الاكتفاء الذاتى قريبا، والجميل في الموضوع أن مصر بدأت من البداية للنهاية، في إصلاح منظومة إنتاج السكر، والقضاء على العجز والنقص الذى كانت تعانى منه، في السنوات الماضية، من خلال التوسع في الزراعات في أراضٍ جديدة، وتكللت تلك الجهود بالنجاح في تحقيق الاكتفاء الذاتى، من واحدة من أهم السلع الإستراتيجية في مصر».
وأضاف نائب رئيس شعبة السكر: «مصر عملت على محوري الزراعة والصناعة، وهو ما أحدث طفرة اقتصادية كبيرة، فمحصول البنجر لا يحتاج إلى أراضٍ ذات طبيعة خاصة، ولا يحتاج لأراضٍ خصبة أو شديدة الخصوبة، وبالتالى فإن هذا يوفر ميزة نسبية في زراعة البنجر، وهو الأمر الذى جعلنا نتوسع في زراعة البنجر في أراض جديدة».
قبل أسابيع قليلة ظهرت أزمة مزارعي البنجر، في العديد من المحافظات، بعد أن اكتست مواقع الأخبار بصور تراكم أكوام من البنجر، في حقول المزارعين، وعلى الرغم من تصريحات وزيري الزراعة والتموين، بحل الأزمة، إلا أن المعنيين بالأمر، بداية من نقابة الفلاحين، ولجنة الزراعة بالبرلمان، وكذلك الفلاحين المتضررين، أكدوا أن الأزمة لا تزال قائمة، وأن المزارعين تكبدوا خسائر كبيرة، نتيجة إخلال شركة القناة بالعقود المبرمة مع الفلاحين.
وفى هذا الشأن؛ ناشدت نقابة الفلاحين، في تصريحات على لسان النقيب حسين أبو صدام، وزيرى الزراعة والتموين، للتدخل سريعًا، لإنقاذ مئات المزارعين المتضررين، نتيجة إخلال شركات السكر بالعقود، التى أبرمتها مع المزارعين، ورفضها استلام المحاصيل، مما يعرضها للتلف. وقال نقيب الفلاحين، إن مزارعى البنجر، في محافظات «المنيا والأقصر وأسيوط وبورسعيد والدقهلية»، يتعرضون لكارثة وخسائر فادحة، بسبب رفض بعض الشركات استلام محصول البنجر منهم، رغم التعاقد مع المزارعين.
وأشار النقيب، إلى أنه لا صحة لما تردد، حول زراعة كميات أكبر من المتعاقد عليه، لأن تقاوى البنجر غير موجودة إلا في المصانع، وتوزع وفقًا للعقود المبرمة، بين الشركات والمزارعين.
أصداء الأزمة في البرلمان
ووصلت الأزمة إلى أروقة البرلمان، بعدما تقدم نائب كفر الشيخ، محمد زكى، بطلب إحاطة، موجها إلى الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، وعلي المصيلحى، وزير التموين، وأحمد أبو اليزيد، رئيس مجلس إدارة شركة الدلتا للسكر، بسبب أزمة تأخر استلام محصول بنجر السكر، وأكد النائب في طلب الإحاطة أن محصول بنجر السكر من المحاصيل الإستراتيجية للدولة.
وقال «زكى»، إن محصول البنجر يمثل الدخل الرئيسي للكثير من المزارعين، وأن رفض المصانع استلام الإنتاج، أدى إلى تلف كميات كبيرة منها، على الطرق والأراضى، مما أدى إلى ضياع حق الفلاحين؛ مشيرا إلى أن الأزمة لا تزال مستمرة؛ مناشدًا الدولة التدخل العاجل، لإنهاء الأزمة، وتعويض الفلاحين عن الخسائر التى لحقت بهم.
«البوابة» تحدثت مع بعض المزارعين المتضررين، الذين قالوا إن الشركات، لا تزال تماطل في استلام محصول البنجر، الأمر الذي تسبب في تضررهم، وتكبد الكثير من الخسائر.
وفى هذا السياق؛ قال رشاد طه، أحد مزارعى البنجر بقرية شلقام، مركز بنى مزار، بمحافظة المنيا، إن الشركات امتنعت عن استلام محصول البنجر، دون إبداء أى سبب واضح، على الرغم من تعاقد هذه الشركات، وهى: "شركة الفيوم للسكر، وشركة الإسكندرية، وشركة القناة للسكر بالمنيا"، مع المزارع على استلام محصوله.
وأضاف «طه»، أن تأخر الشركات في استلام المحصول، تسبب في خسائر كبيرة للمزارعين، حيث إن الازمة تفاقمت منذ شهر رمضان الماضى، عقب مماطلة هذه الشركات في استلام المحصول، الأمر الذى أدى إلى إتلاف جزء كبير من محصول البنجر، لا يقل عن ٧٠٠ فدان، عقب إخلال الشركات بالعقود المبرمة بينها وبين المزارع.
وتابع: «المزارع لا حول له ولا قوة، ولا سبيل له إلا الانتظار، وعلى الجانب الآخر، يجعله يتعرض لتكاليف باهظة الثمن، في الإنفاق على المحصول، لأنه يروى محصوله مجددا، خشية التلف، لكن من المتعارف عليه أنه إذا تأخر جنى المحصول، فإن هذا يؤدى إلى إنقاص وزنه، وبالتالى مضاعفة الخسائر، لكن لا حيلة للمزارع إلا ذلك الأمر».
ويلتقط «العربى عبدالسلام»، طرف الحديث، ليقول إن مشكلات المزارعين مع الشركات متعددة، فمماطلة الشركات في استلام المحصول، فتحت الباب أمام جشع بعض الأفراد القائمين على منظومة الزراعة التعاقدية؛ فمندوبو الشركات يسوفون الأمور، ويماطلون في المواعيد، دون جدوى، كما أن السائقين والسيارات المكلفة بنقل المحصول تبتز المزارعين، فأحيانا يقوم السائقون بنقل جزء من المحصول، وترك الباقي حتى يتلف، لرفض المزارع دفع رشوة مقابل تسهيل عملية نقل المحصول.
أما أحمد عبدالمجيد، صاحب المساحة الأكبر من محصول البنجر في قرية شلقام، فيقول إن الشركات لجأت في النهاية إلى سحب العقود المبرمة مع المزارعين، والموجودة لدى مندوبى الشركات، حتى لا يكون هناك أية ضمانات تحفظ حقوق المزارعين، وبالتالي تضيع حقوقنا ويتلف محصولنا. ودعا «عبدالمجيد»، وزيري الزراعة والتموين، إلى الإسراع بالتدخل من أجل إنقاذ المزارعين، الذين طفح الكيل لديهم، ومحصول البنجر لا يزال في أراضيهم، منذ ما يقرب من ٨ أشهر كاملة، ينفق عليه المزارع من جيبه، ليحصل في آخر الموسم على قوت أولاده