ربما يكون الجدل حول حق المرأة فى ارتداء ما يحلو لها جدلا قديما ومتجددا، ويبدو فيه قدر العنصرية والهمجية أحيانا، ففى القرن الحادى والعشرين هناك من يضرب بقواعد الحرية عرض الحائط ويتدخل فى شئون غيره بل فيما يرتدي!! والمفترض فى مجتمع ودولة متحضرة كمصر لا يتم منع سيدة أو فتاة من ارتياد مكان ما بسبب زييها!! وللأسف كل هذا تبعات لمشكلة الحكم المسبق التى ترسخت فى مجتمعنا تحت سموم مقولة:« شايفين لابسة إيه؟ وعاملة فى نفسها إيه!!»
هناك أخطاء كبيرة فى التنشئة الاجتماعية التى هى أولى لبنات الثقافة وأسلوب الحياة،ترسخ فى أذهان الأطفال أنه يجب أن تحكم على الشخص من مظهره حتى تحولنا لمجتمع استهلاكى يهتم بالمظهر وارتداء «البراند» دون اهتمام بالجوهر. ويحكم من المظهر على أخلاقيات الشخص وسلوكه وتفكيره! وقد حدث معى فى موقف غريب من رجل مثقف وأستاذ جامعى أنه تهكم على اهتمامى بمظهر شعرى أثناء حضورى لمحاضرة فى الصباح الباكر واعتبر أننى لا أهتم بالدراسة ولا بالتعليم؟! وكان ذلك عام 2003، وتكرر ذلك عدة مرات ناهيك عن التخيلات والتوهمات التى تقال عن فتاة ليست محجبة وأنها « دايرة على حل شعرها!!»» فى حين أنها قد تكون من أقرب ما يكون لطاعة الله ومواظبة على الصلوات الخمس، وجاءت واقعة فتاة الفستان لتثبت مدى تجذر هذا الفكر فى مجتمعنا.
وجاءت مطالبة بعض السيدات بعودة «لبس الستينيات».. هل حقا كانت النساء تتمتع بالحرية فى الستينيات؟ نعم. لكن كل هذا لأن المجتمع كان يقدر المرأة ويعى جيدا أن لها معاملة خاصة تحترمها وتقدر أنوثتها، فكان المجتمع يتعامل بأبسط قواعد الإتيكيت، بداية من تحية الهانم مرورا بفتح الطريق أمامها واستقبالها بشكل لائق، واحترام حريتها فى ارتداء ما تريد، ففى الصور العائلية القديمة سنجد أمهاتنا بأبهى الفساتين وأقصرها أيضا لكن ذلك لم ينتقص من أخلاقهن!!
وقد أثار إعجابى الشديد أثناء وجودى فى الجزائر الشقيقة منذ 3 أعوام هذا المفهوم فكل سيدة حرة ترتدى ما تشاء يمكن أن تجد الهوت شورت بجوار الحجاب والخمار، ويمكن أن تجد سيدة ترتدى جلبابا بنصف كم ومعه حجابا بسيطا، وهناك من يرتدين الحجاب بالربطة الإسبانية أو الربطة التركية وغيرها.. لا أحد حتى ينظر لملابسك وحتى مع ارتدائى «التربون» لم يتدخل أحد فى شأن ملابسى ارتدت شاطئا خاصا مع فتيات وكل كان يرتدى ما يحلو له.. عجبا إنها أبسط حقوق النساء «الحق فى الحرية»!. والأهم من كل ذلك أن النساء والأطفال فور رغبتهم فى المرور من أى شارع تتوقف السيارات من تلقاء نفسها رفقا بهم، والدولة أيضا لها موقف محترم، ففى المطار طالما أن السيدة معها أطفال فلها الحق من المرور عبر بوابة جوازات السفراء والدبلوماسيين.. يفسح لها الطريق تيسيرا عليها وعلى أطفالها وتخفيفا عليها عبء رعاية وحماية هؤلاء الصغار.. وكم أحببت هذا التعامل الذى يميزنى منذ لحظة مغادرتى للطائرة وحتى دخولى للعاصمة الجزائرية... أتمنى أن تخصص الدولة المصرية أولوية للنساء فى كل مكان، فإذا لم تفلح التنشئة الاجتماعية فى ترسيخ احترام النساء فلتكن قواعد الدولة الرسمية وهى برأيى من أساسيات الجمهورية الجديدة، وليكن احترام المرأة واجبا يفرض وحقا يكسب للمرأة منذ نعومة أظفارها.. حينها ستجدون مصر التى كانت فى الستينيات أو ربما مصر التى كانت تقودها حتشبسوت وكليوباترا.