الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

بعد الانسحاب الأمريكي.. صراع الضعفاء يشكل المستقبل في أفغانستان

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يتوقع كثيرون، عند انسحاب الجيش السوفييتي من أفغانستان عام 1989، أن تصمد حكومة الرئيس الأفغاني، محمد نجيب الله، أكثر من بضعة أسابيع في مواجهتها مع الحركات الإسلامية المسلحة، لكن على عكس التوقعات، نجحت في التصدي لهم لنحو ثلاثة أعوام، قبل أن تنهار بعد توقُّف الروس عن دفع فواتير الجيش الأفغاني.
الآن، وبعد أكثر من 3 عقود، تردَّد صدى تلك التجربة في آذان من عاصروها مع إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، اعتزامه سحب كامل القوات الأمريكية من أفغانستان، والذي أعلن البنتاجون، أمس الثلاثاء، إتمام 90 بالمئة منه، ومن المتوقع أن يغادر آخر جندي أمريكي بنهاية الشهر المقبل، تاركا خلفه الجيش الأفغاني وحيدا - بعد انسحاب قوات الناتو الأخرى - في مواجهة طالبان، وسط شكوك في قدرته على الصمود طويلا أمام الحركة، تماما كما تركه السوفييت.
تحمل التجربتان الأمريكية والسوفييتة الكثير من أوجه التشابه، لكنهما تنطويان كذلك على بعض الاختلافات التي قد تكون فارقة في مآلات الصراع بين الحكومة الأفغانية ومتمردي طالبان، الذين نجحوا، خلال الأيام الـ6 الأخيرة فقط، في السيطرة على 10 بالمئة من أراضي البلاد، معظمها في مناطق مهمة، وفقا لما أكدته "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" الأمريكية غير الحكومية، والتي تراقب الصراع في أفغانستان عن كثب.
في تحليلها لمآلات الصراع المحتملة، رأت مجلة "ذا إيكونوميست" البريطانية أن أحد أهم أوجه الاختلاف بين التجربتين، كون الجيش الأفغاني أضعف حاليا من ذلك الذي تركه السوفييت عام 1989، مستشهدة برؤية أحد قادة سلاح الجوي الأفغاني إبان تلك الفترة، الجنرال عتيق الله أمرخل، والذي يؤكد أن الروس تركوه وزملاءه مسلحين بشكل أفضل كثيرا مما ترك الأمريكيون.
يقول عتيق لـ"ذا إيكونوميست": "الجيش الذي بنيناه آنذاك كان أقوى كثيرا من الذي تركه الأمريكيون خلفهم"، مشيرا إلى أن أسطول الطائرات الذي قاده كان أكبر ومجهزا بشكل أفضل من ذلك الموروث من الأمريكيين، الأمر نفسه أكده خصمه آنذاك، زعيم جماعة "الحزب الإسلامي"، قلب الدين حكمتيار، والذي حظي بنصيب الأسد من تمويل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وحلفائها لمواجهة السوفييت في ثمانينيات القرن الماضي.
يَعتبر حكمتيار أن الجيش الذي تركه الاتحاد السوفييتي كان "بلا شك" أقوى من الذي خلّفه الناتو، مشيرا إلى أن السوفييت عززوا الجيش الأفغاني بدبابات ومدرعات ثقيلة ومدفعية وقوة جوية، بينما في المقابل، لم تجمع الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان، على مدى عقدين كاملين، سوى قوة أمن داخلية مسلحة بأسلحة خفيفية لمواجهة تمرد طالبان.
من زاوية أخرى، يقول جوناثان شرودن من مركز"سي.إن.إيه" الأمريكي للأبحاث العسكرية، إن مقارنة القوى النسبية للقوات الأفغانية سابقا وحاليا هو مجرد عنصر واحد من العناصر المطلوبة للتنبؤ بما سيحدث، منبها إلى ضعف قوى "طالبان" الحالية مقارنة بالحركات الجهادية آنذاك، والتي تلقت دعما باذخا في زمن الحرب الباردة، وصل إلى حد تسليح المتمردين بصواريخ مضادة للطائرات، وهو ما لا تحظي به الحركة حاليا، ما يجعلها أضعف كثيرا حتى إذا اكتسبت قوة بكونها حركة موحدة في مقابل نموذج الحركات المتفرقة السائد في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
يقول شرودن: "عسكريا، أعتقد أن الرئيس الأفغاني أشرف عبد الغني في موقف أفضل نوعا ما من (الرئيس الأسبق) نجيب الله".
لكن رغم ذلك، تعاني القوات الأفغانية بشدة في مواجهة مسلحي "طالبان"، إذ تشير "ذا إيكونوميست" إلى تكرار هروب رجال الشرطة من مواقعهم، خلال الأشهر الأخيرة، عند مهاجمتهم من جانب المسلحين، الأمر الذي ربطه شيوخ القبائل المحلية خارج ولاية قندهار بعدم حصولهم على رواتبهم ومعاناتهم من نقص التغذية إلى الحد الذي يدفعهم للهروب حتى من دون قتال.
ومع صعوبة الموقف بالنسبة للشرطة، تعوّل الحكومة الأفغانية على القوات الخاصة المدرّبة جيدا والتي عملت بشكل وثيق مع قوات الناتو وأثبتت قدرتها على هزيمة عناصر طالبان في المواجهات المباشرة، لكن قلة عددهم تجعلهم يتنقلون من منطقة لأخرى سعيا وراء المسلحين، وأدت كثرة المواجهات لخسارة عدد كيبر منهم أيضا. بيد أنها منعت عناصر "طالبان" من السيطرة على مدن كبرى، لاسيما مع قلة العدد اللازم لتحقيق تلك الخطوة، فضلا عن قلة العتاد، الأمر الذي يتوقع معظم المحللون أن يستمر، بحسب مجلة "ذا إيكونوميست".
على جانب آخر، يقول العسكريون الأمريكيون إنهم لا يودون تكرار الخطأ الروسي بقطع التمويل عن الحكومة الأفغانية قبل الأوان. وقال البنتاجون، مطلع الشهر الماضي، إن دعمه للأفغان سيكون ماليا بشكل كبير، إلى جانب بعض عمليات صيانة الطائرات.
على المستوى السياسي، يرى شرودن أن الوضع بالنسبة لنجيب الله كان أفضل مما هو عليه بالنسبة لعبد الغني حاليا، لافتا إلى أن حنكة الأول ومرونته السياسية كانت بين أسباب صموده لفترة أطول مما كان متوقعا، فضلا عن منحه الحربة من جانب موسكو لفعل ما يراه ضروريا للبقاء، في حين يواجه الرئيس الحالي موقفا أكثر حرجا، إذ عليه الاتحاد مع "فصائل انتهازية ومتناحرة" في الدولة الأفغانية، في ظل ضغط من الأمريكيين للتوصل إلى اتفاق سلام مع طالبان، ومنع تحول أفغانستان، خلال الأشهر المقبلة، إلى "إقطاعيات متنافسة".
بوجه عام، يبدو - وفقا لـ"ذا إيكونوميست" - أن مدى التوازن العسكري بين الطرفين سيتحدد خلال "صيف القتال" الجاري، في ضوء محاولة طالبان الضغط على الحكومة بالسيطرة على أراض وبلدات. ويشار هنا إلى تقرير نشرته الأمم المتحدة، مطلع الشهر الماضي، مفاده أن 70 بالمئة من الأراضي الريفية إما متنازع عليها أو تحت سيطرة طالبان.
يحذر بيل روجيو، زميل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، من أن أفغانستان "في خطر الانهيار الكامل"، مضيفا أن قوات الأمن الأفغانية تستسلم لعناصر طالبان دون قتال في مختلف أنحاء البلاد، فيما حذّر مسوئولون بالاستخبارات الأمريكية من انهيار الحكومة الأفغانية خلال 6 أشهر.
وقال روجيو لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية: "إذا لم تتعامل الحكومة الأفغانية مع الموقف الأمني وتجد طريقا لاستعادة السيطرة على الشمال، فإن مدتها في الحكم ستُقدَّر بأسابيع أو أشهر"، على حد تعبيره.
ومع نشاط "طالبان" وقتامة التنبؤات القادمة من واشنطن، تعتقد "ذا إيكونوميست" أن المعنويات العسكرية قد تكون الفيصل في النزاع، مشيرة، على لسان دبلوماسي أفغاني، إلى أن "الأمر نفسي بالأساس الآن، إذا استطعنا تجاوز الضغط هذا الصيف فسنكون بخير"، الأمر الذي اتفق معه الجنرال أمرخل، والذي قال: "إذا استطاعت قواتنا الصمود لشهرين، فسننجو".