علينا قبل البدء أن نتأمل العنوان جيدًا، وأن نكون مُدركين للفرق بين (الآيات البينات) و(الآيات المحكمات) التي يسميها ربى "أم الكتاب" قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} ( ال عمران 7).
فقبل البدء علينا أن نفرق بين آيات إثبات ألوهية الرسالة، وآيات الرسالة نفسها، فكتاب الله يحتوي رسالة خاتمة، ويحتوي معها أمارة إثبات إنها من الله، كما يحتوى قصة خاصة بالنبى وقومه وزمنه، ويضم أيضًا معجزة لسانية لكل أهل الأرض، اسمها الآيات السبع المثاني.
علينا قبل البدء أن ندرك محتويات كتاب الله الأربعة (القرآن؛ وهو أكبر المكونات 5000 آية، والرسالة 1000 آية، والسبع المثاني، وقصة النبي وقومه 229 وهى الآيات التى وردت بصيغة يا أيها النبي، وهى قصص تاريخي مثل قصة نوح).
* حيث كان طبيعيًا ألا يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم نهائيا (جبريل الأمين) و(الرسول الكريم) عن معاني وشروحات (الآيات البينات) أمارة الرسالة وعددها 5000 آية رغم صعوبتها ورغم صعوبة تفسيرها وفهمها وهى الآيات التى وردت ضمن الكتاب؛ وهى آيات إثبات وبرهان وأمارة ألوهية الرسالة، وتحوى ثلاثة أشياء؛ أولها: أسرار ومراحل خلق الكون، ثم أسرار ومراحل خلق الإنسان، ثم المراحل الأساسية للتطور البشرى بداية بآدم ثم محطة نوح، ثم هود وصالح، ثم شعيب، ثم إبراهيم ونسله.
والآيات البينات هى معجزة النبى الكبرى التى خصه الله بها، وهى دليل الوهية رسالته التى بين يديه، وقد أتى الله بها من مخازنه الربانية (اللوح المحفوظ) و(الإمام المبين)، حيث (قرن) بين بعضها من المخزن الأول وبعضها من المخزن الرباني الثانى، وسماها قرآنا، وهى أكبر مكونات كتاب الله حجما؛ ولذلك سمى الكتاب كله بها (قرآن).
وهى آيات نبوة النبى الخاتم، وتختلف عن آيات الرسالة، قال تعالى: (وَمَا كَانَ هَٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) (37) يونس.
وهى آيات يفتح العلم مغاليقها كل ألف عام قليلا، ولن تفهم بشكل دقيق وكامل إلا قبل قيام الساعة بقليل، حيث كان من المستحيل أن يشرحها جبريل الأمين له، وكان مستحيل أن يفهمها الرسول (ص) وفق فكره المعرفى لعصره أو يستوعبها من حوله نظرا لبساطة الإطار المعرفى والسقف المعرفى لعصر الرسالة، فالموضوع يحتاج إلماما بقواعد علوم عديدة الكيمياء والفيزياء والأحياء والطب والتشريح والفلك، ومن قبلها الرياضيات طبعا والأركيولوجيا، واللسانيات كذلك.
* ولكن كان طبيعيا طبعا أن يسأل الرسول (ص) عن (بعض) المفاهيم الواردة فى الرسالة البسيطة (الآيات المحكمات) وهى حوالى 1000 آية، وبها 27 آية محكمة وتفصيلها، والتى تضم أركان الإسلام، الدين العالمى لكل الملل؛ وهى (3)، ومحرماته (9)، والإيمان أي الشريعة أو الملة، ولها ركن واحد أن تؤمن بالرسول ومحرماتها (5)، ومجتنباتها (7)، وفروضها (16) وأخلاقها 25، وشعائرها (4) وعقوباتها الدنيوية (10).
* حيث قد لا يتضح الأمر فى معنى مصطلح (الشرك) مثلا بوضوح كامل أو يلتبس الأمر بين (الزكاة) و(الصدقة) مثلًا.
وأصعب المفاهيم فى الرسالة هى مفهوم (الشرك) ومفهوم (الصدقة)، رغم أن الله بينهما فى المصحف طبعا وضرب مثالا كبيرا على الشرك الخفى؛ شرك الربوبية الغامض، قال تعالى: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا) (35) حيث جعلها مثل الله ثابتة، بينما الثبات صفة حصرية لله، وهنا وقع فى الشرك شرك الربوبية.
*ويبدو أن الرسول سأل جبريل الأمين فيهما، ويبدو أنه وضح له المقصود ووسعه له، وهناك مرويات عن النبى تؤكد ذلك بهذا الخصوص، وأنا أصدقها، فقد قال النبى واصفًا الشرك بأنه كدبيب النمل، لا تشعر به وتقع فيه، ويقصد شرك الربوبية طبعا، لا شرك الألوهية البسيط الذى هو عبادة الأصنام والتقرب بها إلى الله، وعن الصدقة، أوضح النبي أنها (العطاء العام)، فروى عنه أنه قال: "داووا مرضاكم بالصدقات"، وأنه قال: "تبسمك فى وجه أخيك صدقة"، وأنه قال: "عيادة المريض صدقة". وأنه قال: "إماطة الأذى من الطريق صدقة". وأنه قال: "إن الله يأخذ صدقتك، ويربيها لك، ويزرعها كما تزرع أنت البذرة فتصير شجرة". وأنا أصدق هذه المرويات، وأصدق أن النبى قالها؛ لأنها تخص شرح مفاهيم واردة في الرسالة حصرا، وتتفق تمامًا مع المراد فى المصحف.