قال أبو بكر فضل، الباحث في الشأن الأفريقي، إن هناك تعقيدات وتداخل بين عدة عوامل منها الجغرافي والديني والسياسي والأمني والاقتصادي والعرقي كلها عوامل شكلت بيئة خصبة لظهور تنظيم داعش في شمال وشرق موزمبيق خاصة في إقليم كابو ديلغادو ومدينة بالما وما حولها والسواحل الموزمبيقية وموانئها الإستراتيجية حيث وقعت منذ عام ٢٠١٧م عدة هجمات إرهابية في هذه المناطق خلفت مئات القتلى والجرحى وموجات نزوح للمدنيين.
وأضاف فضل في تصريحات لـ "لبوابة نيوز"، أن تردد الرئيس الموزمبيقي فليب نيوسي في الاعتراف المبكر بوجود جماعات إرهابية في بلاده، وبعد استفحال العمليات الإرهابية لتنظيم داعش في موزمبيق تردد أيضا في الاستجابة للعون الخارجي لاسيما من الجماعة الاقتصادية لدول الجنوب الأفريقي ( سادك) نتيجة لتقاطعات أجندات دول الجوار وعدم ثقته في تلك التدخلات خوفا على سلطته، في ظل ضعف ألأجهزة العسكرية والأمنية في موزمبيق لمواجهة خطر الإرهاب، كل ذلك عوامل ساعدت في زيادة وسرعة انتشار الأعمال الإرهابية في هذه الدولة الفقيرة في جنوب شرق أفريقيا والتي شهدت منذ استقلالها عن البرتغال في عام ١٩٧٥م حروبا أهلية مدمرة وصراعات حادة أنتجت مجتمعات فقيرة وحدود رخوة وحكومات ضعيفة وتهميش سياسي وحرمان اقتصادي لبعض الأقاليم في البلاد.وتابع فضل، أنه حتى الآن لا توجد جهود كبيرة جادة من دول تجمع (سادك) في إطار المساعي الإقليمية لمواجهة خطر تنظيم داعش في المنطقة مقارنة بخطر التنظيم على موزمبيق ودول الجوار. رغم التصريحات والاجتماعات لقادة دول المنظومة الاقتصادية ومساعيها لدعم الجهود الجماعية لمواجهة خطر الإرهاب.
وأشار فضل، إلى أن تنظيم داعش وجد في المنطقة أرضية خصبة مهدت للتنظيم التمدد والاستقواء وسط المجتمعات المحلية المحرومة ونتيجة لذلك فتح داعش بؤرة إرهابية جديدة في القارة السمراء إضافة للبؤر الإرهابية السابقة في القرن الأفريقي والساحل الأفريقي وحوض بحيرة تشاد.
وأوضح فضل، أنه في ظل عدم تشكيل تحالف دولي لمحاربة هذا التنظيم في المنطقة علاوة على ضعف القوات الموزمبيقية واللامبالاة من دول تجمع (سادك) للخطر الذي يشكله داعش في المنطقة برمتها، إضافة إلى قلة خبرة قوات دول المنطقة في مواجهة حروبات من هذه الشاكلة، فإن تنظيم داعش سيتمدد أكثر ويلحق دمارا أكبر بالمجتمعات المحلية والحاق الأضرار باقتصاديات الدولة والشركات الكبرى العالمية التي تعمل في موزمبيق.
وأكد فضل، أن تنظيم داعش يستهدف في أفريقيا على العموم بالدرجة الأولى مواقع إنتاج الذهب والمعادن النفيسة الأخرى وكذلك مواقع إنتاج الطاقة والبنية التحتية السياحية، كل ذلك لتحقيق هدفين أساسيين:
الهدف الاول الحصول على الموارد اللازمة لتمويل عملياته وأنشطته، والهدف الثاني يتمثل في ضرب اقتصاديات الأنظمة الحاكمة والشركات متعددة الجنسيات العالمية التي تعمل في هذه المناطق لتعطيل أستثماراتها وطردها.
وتابع فضل، أن استئصال الإرهاب في أفريقيا برمتها وعلى وجه الخصوص البؤرة الإرهابية الجديدة في موزمبيق وجيرانها تتطلب إستراتيجية مركبة تنموية وأمنية وسياسية بغرض إحداث تنمية شاملة وتحديث مجتمعي واستقرار سياسي كما تطلب أيضا تطوير جيوش دول المنطقة لتكون جيوش وطنية احترافية عالية التدريب والكفاءة القتالية، وتقوية الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وزيادة التعاون الأمني بين الدول للقيام بالأدوار الوقائية ضد التهديدات الإرهابية قبل وقوعها واستفحالها.
وأشار فضل، إلى انه لا تستطيع دول تجمع (سادك) احتواء داعش وهزيمته في المدى المنظور ويعود ذلك ليست لقوة داعش في المنطقة ولكن لضعف حكومات منظومة (سادك) وضعف التعاون الأمني فيما بينها لمواجهة خطر الإرهاب، كما أن ارتباط تنظيم داعش في موزمبيق بمناطق تعاني من تهميش سياسي وحرمان اقتصادي وتطرف ديني والبعد الجغرافي عن المركز كل ذلك ميكانزيمات ساهمت في تعقيد المشهد هناك.
وفي هذا السياق يمكن القول أن الحالة والظروف في موزمبيق وبالتحديد في شمال البلاد وشرقها تشابه الحالة والظروف في بوركينا فاسو في شمال وشرقها، التشابه في عدة جوانب منها كلا المنطقتين مناطق نائية عن مركز الدولة وتسكنها غالبية مسلمة مهمشة سياسيا واقتصاديا في دول ذات أغلبية مسيحية كما تعيش في هذه المناطق مجتمعات تعاني منذ التهميش السياسي والاقتصادي وضعف هيبة الدولة على الرغم من غنى هذه المناطق بالموارد الحيوية كالغاز في حالة موزمبيق والذهب في حالة بوركينا فاسو.
وأوضح فضل، أنه على الدول الكبرى صاحبة الشركات العملاقة في البلاد إيلاء أمر الإرهاب الاهتمام اللازم وتشكيل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب في المنطقة أسوة بالتحالف الدولي ضد داعش في الشرق الأوسط.
واستطرد: "لا استبعد تورط بعض القوى الدولية في إطار صراعاتها من أجل أمن الطاقة والنفوذ السياسي والاقتصادي في انتشار الإرهاب في أفريقيا لخلق أزمات إنسانية وأمنية تتيح لها الاستثمار فيها والتموضع عبرها في المناطق المستهدفة والتغلغل في المنطقة، والمسألة تتجلى بوضوح في مناطق مثل الساحل الأفريقي وجنوب شرق أفريقيا والبحيرات العظمى وتحديدا في شرق الكونغو الديمقراطية وهي أماكن غنية بالموارد الطاقوية والمعادن النفيسة".