تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
قضت المحكمة الإدارية العليا، فحص في الطعن رقم 57813 لسنة 60 قضائية عليا، بإجماع الاَراء برفض الطعن المقام من رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحى، وأيدت الحكم التاريخى الصادر من محكمة القضاء الإدارى بكفر الشيخ برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، بإلغاء قرار التأمين الصحى بكفر الشيخ بعدم تمكين سيدة عاملة بسيطة بالتأمين الصحى من استكمال عملها، بعد تعرضها للتحرش الجنسى في شارع عبد السلام عارف بكفر الشيخ وهتك عرضها، بحجة أن تمكينها من دخول المستشفى يحرج زميلاتها في العمل.
وأمرت المحكمة، التأمين الصحى بتمكين العاملة من استلام عملها وقررت منحها إجازة حتى تتعافى عصبيًا ونفسيًا من أثار التحرش دون عائق أو قيد.
وأكدت المحكمة برئاسة القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة على (10) مبادئ في حيثيات حكمها التاريخى في عمق ظاهرة التحرش الجنسى بالشوارع:
- أن التحرش بالنساء في الشوارع إهانة لكرامة المرأة، وناشدت عام 2014 رئيس الجمهورية المؤقت بتغليظ العقوبة بعد إصداره قرارًا بقانون بثلاثة أسابيع قبل النطق بحكمها وقبل تكوين البرلمان.
- كما ناشدت بإلغاء السلطة التقديرية الممنوحة للقاضى ليختار بين عقوبة الحبس أو الغرامة لتكون العقوبتان وجوبية معًا، وتخيير القاضى يضعف من الأثر الرادع لعقوبة التحرش.
- التحرش الجنسى ينتهك البناء الاجتماعي والسلطة التقديرية للقاضى تنتج التفاوت في العقوبة لمن يرتكبون الجريمة ذاتها مع تماثل ظروفها العينية والظروف الشخصية للجناة، ومن يساهمون في ارتكابها.
- فتاوى غير المتخصصين بإباحة اغتصاب الزوجة حماية للنفس من الأسباب النفسية المؤدية للتحرش بالنساء.
- التصور الخاطئ لدعاة التشدد الدينى ضد المرأة بأنها كائن بيولوجى مثير ومصدر الفتنة والغواية أعاق قدراتها وامكانياتها نحو التقدم والازدهار.
- المحافظون مسئولون عن الأمن والأخلاق والقيم بالمحافظات بالتعاون مع مديرى الأمن وعليهم اتخاذ تدابير لحماية المرأة.
- على التلفزيون والقنوات الفضائية والسينما والمسرح ووسائل الإعلام تغيير النظرة للمرأة بما يتلاءم مع عطائها واستعادة القيم الإسلامية الرفيعة تجاهها.
- العاملة البسيطة ناضلت وحيدة فريدة منذ 2009 حتى 2021 دون أن يساندها المجلس القومى للمرأة في أي مرحلة من مراحل التقاضى مما يقتضى المتابعة الميدانية عن طرق فروعه بالمحافظات.
- حماية المرأة من التحرش مسئولية مجتمعية وليست مسئولية الدولة وحدها حتى يتم استعادة القيم النبيلة التى زين الإسلام بها المرأة.
وترجع القصة الأليمة للعاملة البسيطة في وقائع القضية إلى مايو 2009 حينما غادرت عملها بمستشفى التأمين الصحى بشارع عبد السلام عارف بكفر الشيخ متجهة إلى منزلها وفوجئت بمجموعة من الشباب يحاولون التحرش بها فاستنجدت بالمارة فلم يغثها أحد، حتى هتكوا عرضها.
واُصيبت السيدة بصدمة عصبية سيئة لازمتها عامين، وحينما ذهبت لعملها فوجئت بمدير مستشفى التأمين الصحى يرفض دخولها بحجة أن وجودها يسبب حرج لزميلاتها بسبب ما تعرضت له من تحرش ثم قررت العاملة في أكتوبر 2012 بعد تعافيها من الصدمة العصبية اللجوء إلى المحكمة العمالية بكفر الشيخ طالبة تمكينها من دخول العمل وظلت قضيتها تتداول سنتين.
وفى عام 2014 حكمت المحكمة العمالية بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وأحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى بكفر الشيخ، وحدد القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة جلسة عاجلة وأمر بسريتها لسماع الممرضة، إلا أنها انهارت في البكاء الهيستيرى، فهدأ القاضى من روعها ومنح هيئة التأمين الصحى أسبوعين فقط لبيان أسباب امتناعها عن تمكين السيدة من العودة لعملها.
وتقدمت هيئة التأمين الصحى بمذكرة طلبت فيها برفض القضية بحجة أن وجودها سيسبب حرجا لباقى السيدات بالتأمين الصحى، فقرر القاضى على الفور حجز الدعوى للحكم ونطق بأحقية السيدة باستلام عملها بالتأمين الصحى بكفر الشيخ فورا دون عائق أو قيد واعتبار المدة السابقة إجازة حتى تتعافى واستقبلت نطق القاضى بالبكاء أيضا لكنه بكاء الفرحة بعد الصبر.
ولم تدم فرحة السيدة المسكينة طويلًا بعد أن أنصفها القاضى الإنسان الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ولم تسلم من ملاحقة هيئة التأمين الصحى لها بعد انصافها، فأقامت هيئة التأمين الصحى طعنها رقم 57813 لسنة 60 قضائية عليا أمام المحكمة الإدارية العليا في أغسطس عام 2014 في الحكم الصادر لصالح العاملة، واستمرت المحكمة الإدارية العليا في نظر الطعن حتى قضتت في 2021 بإجماع الآراء برفض الطعن وتأييد حكم القضاء الإدارى بكفر الشيخ بكامل حيثياته وأصبح حكماُ نهائيا وباتا.
وقالت محكمة القضاء الإداري بكفر الشيخ برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة في حكمها النهائى المستنير أن العنف ضد النساء خاصة التحرش الجنسى بهن ينطلق من تصور خاطئ لدعاة التطرف غير المقبول والتشدد الدينى غير المعقول، فتاويهم الضالة وهم غير متخصصين في غيبة من مؤسسات الدولة الدينية بإباحة اغتصاب الزوجة حماية للنفس من أهم الأسباب النفسية المؤدية للتحرش بالنساء، وقولهم المغلوط بأن المرأة مجرد حلية في المنزل وكائن بيولوجى مثير ومصدرًا للفتنة والغواية وزعمهم الباطل بأنها في حاجة لمن يرشدها ويستحكم العقل فيها حتى لا تكون سببا في فضح الأسر وتصورهم المدلس بأن مشاركة المرأة للرجل يسلبه دوره الحقيقى في الحياة هو تصور خاطئ يتجافى مع الفهم الحقيقى للدين ينال من قدرتها على المشاركة والإنتاج والمساهمة في إدارة شئون المجتمع، وهو ما أعاق المرأة كثيرا في إظهار ابداعاتها وقدراتها وامكانياتها نحو التقدم والنمو والازدهار، وكل ذلك يلقى عبئا تنويريا لمؤسسات الدولة الدينية بتجديد لغة الخطاب الدينى تجاه المرأة، ضبطًا لنظام الفتاوى بمنع غير المتخصصين ليتفق مع وسطية الإسلام، وفضلا عن ذلك يتعين استنهاض الهمم للدور الجوهرى المؤثر للمؤسسات التعليمية والتبربوية والثقافية والفنية وعلى قمتها نهج خريطة التلفزيون والقنوات الفضائية والسينما والمسرح ووسائل الإعلام تجاه قضايا المرأة وتغيير النظرة إليها بما يتلاءم مع عطائها لينهض كلٍ بدوره في حمايتها، ذلك أن حماية المرأة من التحرش مسئولية مجتمعية وليست مسئولية الدولة وحدها حتى يتم استعادة القيم النبيلة التى زين الإسلام بها المرأة.
وأضافت المحكمة في حكمها الصادر عام 2014 لمؤيد بحكم المحكمة الإدارية العليا عام 2021، أن رئيس الجمهورية المؤقت أصدر قبل النطق بحكمها المحدد 24 يونيو 2014 بثلاثة أسابيع تحديدا بتاريخ 5 يونيو سنة 2014 القرار بالقانون رقم 50 لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 متضمنًا المادة الأولى باستبدال نص المادة 306 مكررًا ( أ ) من قانون العقوبات نص المادة 306 مكررًا (أ).
كما تضمنت المادة الثانية منه بأن يضاف إلى قانون العقوبات مادة جديدة برقم 306 مكررًا (ب) باستحداث جريمة التحرش الجنسى، وأن المحكمة ناشدت رئيس الجمهورية المؤقت تعديل القرار بقانون رقم 50 لسنة 2014 – نظرا لعدم نشأة البرلمان عام 2014 - الذى استحدث جريمة التحرش الجنسى، إلغاء السلطة التقديرية الممنوحة للقاضى ليختار بين عقوبة الحبس أو الغرامة لتكون العقوبتان وجوبية معًا، ذلك أن تخيير القاضى بين الحبس أو الغرامة يضعف من الأثر الرادع للعقوبة، إذ يجب أن تكون عقوبة الحبس وجوبية في كل الأحوال للتحرش الجنسى دون تخيير إمعانا في ضبط نشاط المجتمع وتحقيقًا لأغراض العقوبة سواء الردع العام لكل من تسول له نفسه ارتكاب الأفعال الموصوفة في نموذج التجريم، والردع الخاص بإنزال العقاب على من يرتكب التحرش فعلًا، فحماية المجتمع وتحقيق أمنه واستقراره مسئولية دستورية تعلو على أى اعتبارات أخرى.
وأوضحت المحكمة في سبيل التدليل على جدية إلغاء السلطة التقديرية الممنوحة للقاضى بين الحبس أو الغرامة لجريمة التحرش الجنسى أنه إذا كان القاضي في ظل السياسة العقابية الحديثة يختار العقوبة المناسبة لشخصية المجرم وظروف الجريمة، وهو في ممارسته لسلطته التقديرية يخضع لظوابط معينة لضبط عملية تفريد العقوبة على نحو تتحقق معه العدالة المنشودة من توقيع العقاب إلا أنه بالنظر لخطورة جريمة التحرش الجنسى في البناء الاجتماعي فإن السلطة التقديرية الممنوحة للقاضى تنتج التفاوت في العقوبة لأنه لا يوقع ذات العقوبة الحبس أو الغرامة على من يرتكبون الجريمة ذاتها مع تماثل ظروفها العينية والظروف الشخصية للجناة.
كما أنه لا يوقع العقوبة ذاتها على من يساهمون في ارتكاب جريمة واحدة وتساوت بينهم كافة الظروف، وبهذه المثابة لا يوجد لهذا التفاوت تبرير في جريمة مثل التحرش الجنسى تنال من النسق الاجتماعي على نحو يؤدى بهذا التفاوت إلى نتائج غير عادلة وتتعارض مع المنطق الاجتماعي.
وأشارت المحكمة في حيثيات حكمها، إلى أن الدولة المصرية تولى قضية التحرش الجنسى اهتمامًا كبيرًا حتى فوجى الشعب بتصرف نبيل لرئيس الدولة باعتذاره لسيدة التحرير التى تعرضت للتحرش الجنسى في ميدان التحرير في 11 يونيو 2014 قبل النطق بهذا الحكم ب 13 يومًا المخصص له جلسة 24 يونيو 2014، إذ زار الرئيس ضحية حادث التحرش بميدان التحرير ليقدم لها اعتذارًا باسم المجتمع المصرى. وهى مبادرة كريمة قام بها رأس الدولة تجاه مواطنة إزاء ما تعرضت له من تحرش بشع لمواساتها وشمولها بالحماية والأمان النفسى في موقف جديد لم يتعوده الشعب من رؤسائه السابقين. ومن ثم وجب أن ينتهى عصر التوجيهات وينطلق عهد المبادرات إزاء ما تكشفت عنه ملابسات الدعوى الماثلة من تخلى محافظ كفر الشيخ عن العاملة البسيطة التى تعرضت لأبشع أنواع التحرش الجنسى في كافة أنحاء جسدها على نحو ما ثابت بالتقرير الطبى، وطرقت باب المحافظ إلا أنه لم يتخذ ثمة تدابير لصالحها، متخليا عن أداء دوره المرسوم له قانونا.
وأوضحت المحكمة أن المحافظ باعتباره ممثلًا للسلطة التنفيذية بالمحافظة يكون مسئولًا عن الأمن والأخلاق والقيم العامة بالمحافظة بالتعاون مع مدير الأمن في إطار السياسة التى يضعها وزير الداخلية كما ألزمه القانون بأن يتخذ التدابير اللازمة في هذا الشأن، وما من ريب في أن رعاية هذه العاملة البسيطة في ظل ما تعرضت له من تحرش جنسى بشع هو من أجلَ التدابير الواجبة على المحافظ، فالدور الحقيقى للمحافظ ليس مجرد مسئولًا إداريًا أو تنفيذيًا بل يعد كذلك مسئولًا سياسيًا باعتباره رمزأ للسلطة في المدينة لتخليه عن أداء دوره في حماية المرأة من التحرش بها ورعايتها وهى في أحلك الظروف السوداء في حياتها كإنسانة قبل المرأة.
كما أوضحت المحكمة أن الأوراق كشفت عن نضال هذه العاملة البسيطة التى ظلت وحيدة فريدة دون أن يساندها المجلس القومى للمرأة في تعرضها للتحرش الجنسى في أية مرحلة من مراحل التقاضى منذ تعرضها للتحرش الجنسى البشع على أيدى مجموعة من الشباب عام 2009 أو عند لجوئها للمحكمة العمالية عام 2012 أو نظر دعواها وإنصافها أمام القضاء الإدارى عام 2014 حتى صدور حكم الإدارية العليا عام 2021، ولم ينضم إليها للزود عن حقوقها وهو دور مهم للغاية للنهوض بالمرأة لحل المشكلات التى تواجهها، وعلى قمتها ما تتعرض له من انتهاك لجسدها بالتحرش بها، ولن يتأتى له هذا الدور إلا بالإنخراط بين الناس عن طرق فروعه التى تزدان بها جميع المحافظات خاصة وأن مصر مُقدمة على عصر جديد يستلزم استنهاض الهمم بأسلوب علمى متصلا بالواقع العملى مستلهما حلولًا غير تقليدية لمواجهة الظروف المستجدة لتنعم المرأة جنبًا إلى جنب مع شريكها الرجل في مجتمع سوى تسوده الرحمة وتكسوه الفضيلة.
واختتمت المحكمة حكمها التاريخى أن ظاهرة التحرش الجنسى Sexual harassment ظاهرة ليست مصرية الأصل، وإنما ظاهرة عالمية استشرت في البلاد نتيجة الغزو الثقافى لقيم أخرى تختلف عن القيم المصرية الأصيلة التى توارثها الشعب بأجياله المتعاقبة وتتصادم معها، والتحرش إهانة لكرامة المرأة قائم على النوع الاجتماعي ويعبر عن شكل من أشكال التمييز ضدها بسبب الجنس ويعد عملًا مباشرًا من أعمال العنف ضد المرأة لما له من أثار جسدية ونفسية مدمرة للمراة والمجتمع، ولايزال التحرش في الشوراع بعيدًا عن أن ينظر إليه المجتمع باعتباره شكلا من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي خاصة وأنه حينما تُبلغ السيدات والفتيات عن تعرضهن للتحرش الجنسى غالبا ما يُقابلن بالريبة والشك وإلقاء اللوم على الضحية لذا فإن تغليظ العقاب وإلغاء السلطة التقديرية للقاضى بين الحبس والغرامة يمثلان نقطة انطلاق مع النظرة إلى تغيير المسار الثقافى لتكون الشوراع أكثر أمانًا لجميع النساء.
وكان ذات القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى قد أصدر حكمًا نهائيا أخر لسيدة أخرى بكفر الشيخ بإلغاء قرار الجهة الإدارية فيما تضمنه من إنهاء خدمة سيدة كانت تعمل وظيفة عاملة بإحدى المستشفيات بمحافظة كفر الشيخ، لانقطاعها عن العمل بسبب ما تعرضت له من هتك عرض بالقوة مقيدة بجنايات كفر الشيخ، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام الجهة الإدارية بتمكينها من تسلم العمل.