تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ثماني سنوات مضت على ثورة الثلاثين من يونيو، هي الحد الفاصل بين أن تحكمك جماعة فاشية، أو أن تستعاد الدولة المصرية كما يحدث الآن،
حيث ثمة حركة محمومة على مسارات متعددة، ورغبة يومية في صناعة الإنجاز.
تاريخ مؤرق بمحاولة اختطاف الأمة المصرية لمصلحة نقائضها، حيث حصار الهوية المصرية وتفتيتها، أما المحصلة النهائية فهي حتمية الرهان على الوطن، فهو وحده الرهان الذي لا يخيب.
لم تهاجم ثورة بمثل ما هوجمت به 30 يونيو، ولم تتعرض للتشويه ومحاولة المحو من الذاكرة الوطنية بمثل ما تعرضت له، إلى الحد الذي أطلق فيه المتطرفون ومناصروهم على الملايين التي احتلت الميادين والشوارع بأنهم"فوتو شوب" ، وبما يعني أن الإنكار الذي صاحبها، وهو رد فعل نفسي بالأساس، كان مرده إلى التأثير الذي أحدثته الثورة، حتى قبل أن تؤثر وتخلق سياقها الخاص، ففكرة أن تثور على المرشد وجماعته التي تقدم نفسها بوصفها وكيلة السماء على الأرض، وحاملة المفاتيح للجنة الموعودة، هي فكرة عميقة المغزى، تحيلك على الفور إلى تراث الصبر والحكمة لدى المصريين، وإمكانية الخروج من المحنة مهما اشتدت، لتعني 30 يونيو الكثير لكل من شارك فيها منذ لحظتها الأولى، ولكل من دافع عنها حتى النهاية، وهي ثورة الفرز والكشف بامتياز، ففيها تتجلى الخنادق على نحو أكثر، من يقف مع الظلام ومن يقف مع النور، من في خندق التطرف ومن في خندق الاستنارة، من مع الجماعة والرجعية ومن مع الوطن والتقدم.
دوائر لا تنتهي من المعنى كشفت عنها ثورة تجادل فيها السياسي مع الثقافي، وحملت أشواق المصريين في الخلاص من جماعات العنف والإسلام السياسي وداعميهم من الموتورين.
مثل أية ذروة تصعد إليها الأحداث، بدت اللحظات التي تسبق الثلاثين من يونيو كاشفة ومحتدمة، تلويح مستمر بالإرهاب والفوضى، تحالف الدمويين تحت لافتات إسلامية، خنادق التطرف تتضح أكثر، تحركات مشبوهة للاستقواء بقوى إقليمية ودولية، محاولة خلق رأي عام مخادع في الميديا العالمية، تناقضات لا حصر لها، إرهابيون يتحدثون عن الحريات، ويبطشون بالمخالفين لهم في الوقت نفسه، مشهد ينفتح قليلا ليعود شهورا إلى الوراء، في الاتحادية والتحرير، حركة الملايين تسبق الجميع، والجماعة تسفر عن وجهها الدموي القبيح أكثر، فتبدأ في ملاحقة المتظاهرين وسحلهم، سقوط جديد لقتلى، تبدد مؤقت للأمل، يعقبه حراك مستمر، رفض شعبي هائل، ثم ثورة عارمة.
يمكن أن نتأمل ما حدث بالنظر العميق إلى السياق الذي صاحب الثورة، فبعد سقوط النظام المباركي في العام 2011، تجلت حالة من التشظي عمت المجتمع كله، سيولة لا نهائية، تعددت فيها المشارب والأهواء، لم يكن التنوع هو المشكلة، فالتنوع دليل صحة، لكن المشكلة في محاولة الهيمنة على هذا التنوع، وتطويعه لخدمة تيار بعينه، وهذا عين ما حدث بالضبط عقب ثورة يناير 2011، عوامل كثيرة جعلت الكثيرين يخضعون لسطوة الجماعة، حتى لو كانوا من خصومها الأشداء فكريا، فتحالفت قطاعات من اليسار والليبراليين مع الجماعات الإسلامية التي تصادر حق وجودهم في الحياة من الأساس، لكن المال السياسي الذي تدخل في المعادلة آنذاك وكان له رافد ثقافي أيضا، مثل رابطا بين المتناحرين، فضلا عن أسلوب العرائس التي يتم تحريكها من قبل قوى فاعلة في المشهدين الإقليمي والعالمي، وأصبحنا أمام وكلاء متعددين، يدينون بالولاء لأكثر من سيد، وتجلت الجماعات المتشددة على نحو أكبر في توظيفها العمدي في تفتيت الكيانات الوطنية الموحدة.
كان كل شيء على المحك، الأرض والتاريخ والمستقبل. واعتقد الإخوان في قدرتهم على محو الهوية الوطنية أو إلحاقها - على أقل تقدير- بماض لا يخصنا، وأصبحنا أمام شبكة جديدة من التفاعلات السياسية، مفادها أن بلدا كبيرا وخارجا من رحم معركة فاصلة حول هويته يريد استعادة استقلالية قراره الوطني، لكن عشرات الأشياء تجره إلى البقاء في مكانه.
ثمة تحديات مهمة تواجه الدولة المصرية بعد ثماني سنوات من قيام الثورة، تبدو فيها 30 يونيو هي المستهدفة من التحديات جميعها التي يخوضها الوطن، لذا ستجد الملفات الخارجية جميعها تتشارك في سلة واحدة، وستجد استحضارا للشائعات في المناخ الداخلي، صحف وقنوات تليفزيونية ولجان إليكترونية ومراكز دراسات وأبحاث ودور نشر صعدت في أعقاب السنوات الفائتة، بعضها جعل مهمته الأساسية في النيل من الثورة، والحط من قدرها، مهمة تحالف فيها المال السياسي مع المال الثقافي، وبدأ الاثنان يشكلان محورا للانقضاض على الثورة بأية وسيلة، ولذا ستجد أن هذا المحور ينشط كثيرا في أوقات الأزمات التي تواجه الدولة المصرية.
وبعد.. على المصريين أن يفرحوا حين يتذكرون أن ثورة عظيمة قد مرت بهم، وعلى الأجيال التي شاركت وعايشت الفعل الثوري ان ترفع رأسها عاليا، بمزيد من الكبرياء والنبل، سنواجه التحدي بالإنجاز، والكراهية بالمحبة، والجهل بالمعرفة، وسنكون في تلاحم مع القلب الصلب للدولة الوطنية مدركين تماما أن الوطن هو الفردوس الوحيد الذي لا يجب أن يغيب عن أعيننا، أو يصبح محض ذكرى عابرة.