أربعة أعمال هي كل رصيد الكاتب عمرو عاشور، ورغم قلة عدد أعماله إلا أنه استطاع أن يلفت أنظار القراء منذ روايته الأولي "دار الغواية"، ثم "كيس أسود ثقيل" و"رب الحكايات" وأخرها "قانون البقاء" الصادرة عن دار العين عام 2018.. حول الكتب والقراءة أجرت البوابة نيوز هذا الحوار مع الكاتب، وإلى نصه..
ماذا تقرأ حاليًا؟
الأعمال الكاملة لـبديع خيري،تحقيق الدكتور نبيل بهجت.هذا الكتاب من وجهة نظري توثيق تاريخي لمرحلة من أهم مراحل مصر، يرصد الحالة السياسية والاجتماعية في مصر مطلع القرن الماضي كما يحتوي على فنون شعرية اندثرت ومنها فن الطقطوقة والمونولوج. ويبرز دور الغناء في نهضة الشعوب. إنه التاريخ الموازي والفعلي لما نقرأه بالكتب دون تدليس أو تزييف، كما يحتوي على عشرات العروض المسرحية التي قدمها كبار صُناع الكوميديا مثل الريحاني والكسار وفرقة سيد درويش.
ماهو الكتاب الذي أعجبك خلال السنة الماضية؟ ولماذا؟
رواية قيام وانهيار الـ ص، ش.. للكاتب حمدي أبو جُليل. ويعرض فيه حمدي حكايتين بشكل موازي، الأولى عن الراوي نفسه ورحلته إلى صحراء ليبيا، وعمله هناك كـحال الكثير من المصريين في التسعينيات والثمانينات، والخط الثاني، يخص شخصية محي البدوى الجامح الطامح ورحلته إلى إيطاليا واختلاطه بعالم الجريمة، وانضمامه للمافيا وصولًا لهروبه وعودته إلى دياره، وقد استخدم حمدي الدمج بين اللغة العامية والعربية بالإضافة إلى عدة لهجات، وهي رواية عالمية بكل المقاييس، حيث إنها لا تقف عند أزمات المواطن العربي بل امتدت لتشمل الإنسان وأزماته في كل البلدان.
ماهي ترشيحاتك القراء في معرض القاهرة؟
أنا شخصيًا لا أزور معرض الكتاب إلا في الضرورة القصوى، أعتقد أن آخر مرة زرت المعرض يوم توقيع روايتي الرابعة (قانون البقاء) من يحب الكتب يبحث عنها ويتابعها طوال العام، أما عن إصدارات هذا العام فهي ككل الأعوام مزدحمة بالأغلفة الجديدة، وهي كتب لم تقرأ بعد لذلك الترشيح يجب أن يأتي من قبل القارئ الذي يفضل كاتب عن آخر وكتاب عن غيره.
من هو الكاتب العربي الأكثر تأثيرًا لديك؟
أولًا: نجيب محفوظ، منه تعلمت الكثير، وأهم ما تعلمته أن الانصراف إلى الكتابة والإخلاص لها لا بد وأن يحقق هذا في النهاية نتائج مرضية للكاتب. وكذلك لأنه كاتب متنوع، كتب الرواية الواقعية والرواية الخيالية، والرواية التاريخية، والواقعية السحرية كرواية أبناء حارتنا، حتى القصة القصيرة طور فيها كثيرًا، هذا التنوع السبب الرئيسي في إثراء المكتبة العربية بأعمال خالدة. وهذا أيضًا ما أسعى إليه، التنوع في كل عمل.
ثانيًا أحمد خالد توفيق وهي مرحلة تقع ما بين حكايات أبي والقراءات الأولى.. فقد تعرفت على فن الرواية - في البداية- من أبي حيث كان حكاء مدهشًا من طينة خيري شلبي، بإمكانه أن يرتجل حكاية ويخلق شخوصها ويضع الحبكات المعقدة ليصل إلى نهايات أكثر إدهاشًا من افتتاحيتها التي حتى يومنا هذا أبحث عن مثيل لها، وهناك من الأصدقاء الكاتب إيهاب عبد الحميد الذي أعتبر أعماله بمثابة هدايا ثمينة وشحيحة للأدب العربي، فـ إيهاب كاتب قليل النشر غير أنه لا ينشر عمل إلا إذا تأكد تمامًا أنه يستحق أن يصل للقارئ.
من الكاتب الأجنبي الأكثر تأثيرًا لديك؟
في الحقيقة لدي عدة صداقات لعدد كبير من الكُتاب الأجانب.. أشعر من خلال أعمالهم أنني أعيش معهم عوالمهم حتى وإن كانت في حقب بعيدة أو أماكن أبعد، مثلا خوان خوسيه.. حين قرأت له رواية "العالم" أحسست أنني أصبحت أقرب له من أخواته. ومويان هذا الاكتشاف العظيم، وشقاوته في طفولته وكأنه يشاركنا ألعابه. أما همنجواي فيبقى دائمًا الأحب إلى قلبي وعقلي، خصوصا روايته وليمة متنقلة التي سحرتني ولا تزال. أكره بؤس كافكا وضعفه، وأتمنى النضال مع جورج أوريل، وانحنى لمثابرة ماركيز وإخلاصه للكتابة، وأتعجب من جملة بورخيس، لا يمكن أن أحدد كاتب بعينيه. الأمر يشبه الاختيار بين محبة الأبناء.. قد أميل لطفل من أطفالي ولكن الجميع في منزلة واحدة.
ما الكتاب الذي تعيد قراءته من وقت لآخر؟
دائمًا ما تحيطني عدة كتب أتنقل بينها في قراءة غير منتظمة أثناء الكتابة، منهم: رواية (الخزي) لكوتيزي، رواية العالم لخوان خوسيه، مجموعة قميص هواي إيهاب عبد الحميد، الأعمال الكاملة لـ يحيى الطاهر عبد الله.. أشعار فؤاد حداد وعبد الرحيم منصور.
من الكاتب الذي ترى أنه أخذ شهرة لم يستحقها؟
لا أحد يحصل على الشهرة دون استحقاق، قد يكون الكاتب محدود الموهبة أو له طريقة مبسطة في الكتابة غير أنه يعرف كيف يصل إلى جمهوره، اليوم أصبحت السوشيال ميديا ميدان للعرض والبيع لمن يجيد التعامل مع هذه الوسائل الحديثة. كما أن تحويل الأعمال الأدبية إلى أعمال سينمائية أو درامية قادر على خلق قاعدة جماهيرية عريضة. ولكن، هل يمكن أن نلوم كاتب لأنه متحقق ولديه شعبية؟ وكأنك تطلب من شخص ناجح أن يفشل حتى ترضي غرورك.. في الواقع أنا أحترم الكُتاب أصحاب الشعبية. هم يفعلون ما لا أستطيع فعله، يديرون الندوات والورش الأدبية ويتحركون هنا وهناك بهمة تحسب لهم لا عليهم. كما أن الكاتب صاحب الجماهيرية أداة جذب. كما قلت لك سابقًا بدأت بقراءة أحمد خالد توفيق الذي كان مدخلًا لعالم واسع لكتاب بلا حصر..
من الكاتب الذي لم يحظ بشهرة أو لم تقرأ أعماله جيدا؟
هذا أيضًا قرار من الكاتب، البعض يفضل الأضواء ويعشقها والبعض الآخر يفضل أن يظل في الظل، أذكر مثلًا الكاتب حسين عبد العليم.. ذلك العملاق الذي قدم عشرات الروايات التي أعتبرها أهم ما كُتب في الأدب المعاصر، ومنها سيرة النمل والتراب وسعدية. كلها كتابات ذات قيمة فنية عالية، عالية لدرجة تجاهل النقاد، ومع ذلك فإن عبد العليم لم يقدم في مسابقة أدبية في حياته وغير معني بالندوات وحفلات التوقيع، وفضل أن تكون المحاماة مهنته بينما الكتابة هوايته التي احترفها حقًا..
ما الموضوع أو المجال الذي يمثل لك تحديًا ككاتب؟
الكتابة في أساسها لعبة ممتعة، وكلما كانت تلك اللعبة الصعبة كلما كانت أكثر إمتاعًا. والصعوبة تأتي من التحديات التي يضعها الكاتب أمام نفسه. أذكر مثلًا أنني في عام 2010 قرأت إعلانا لمسابقة أدبية تشرف عليها مؤسسة أخبار اليوم للمجموعات القصصية، وقد حددت 30 قصة كحد أدني، وقتها كان باقي على الترشح شهر بالتمام، وعليه كان يجب أن أكتب كل يوم قصة - دا بعد نشر روايتي الأولى دار الغواية- وانتهيت من القصص وارسلت المجموعة وكانت أحدي الفائزات بالمسابقة، بعدها قرأ الكاتب حمدي أبو جليل وإيهاب عبد الحميد المسودة الفائزة، فـ شارا عليّ أن أحولها لرواية، وقد كان لتخرج إلى النور رواية كيس أسود ثقيل الفائزة بالمركز الثاني بمسابقة ساويرس الأدبية في 2013.. دائمًا ما يحدث هذا.. أن تتحول مقالة إلى فيلم سينمائي كما جري مع فيلمي (دنيا الفنان) الذي كان في الأصل مقالة أو يتحول فيلم أنيمشن إلى رواية للفتيان كما حدث مع فيلمي ليلة الذي أصبح رواية بعنوان صوفي.. هكذا الكتابة طوال الوقت، لعب، مرة أغاني أو شعر أو مقالة أو رواية وهكذا.. قوالب وعليك أن تختار الأنسب والأمتع دومًا.. أما التحدي الأكبر بالنسبة لي فهو (المسلسل الإذاعي) وقد اختبرت هذا التحدي مع فوازير أبو لبدة والشاويش بطولة المذيعة آلاء جاويش والمذيع عمرو أبو حمدة وذلك لأن المسلسل الإذاعي يعتمد على الحوار فقط، والحوار كما يعلم صُناع السينما أصعب الكتابات فكيف تحكي حكاية عن طريق الحوار فحسب!
كيف تختار الكتب التي تقرأها ؟
أقرأ الكتاب الذي يقع في يدي أيا كان، مادام الكتاب قد وصل بين يدي لا بد وأن أقرأه بصرف النظر عن الكاتب أو العمل نفسه، ذلك داء متأصل فيّ منذ الطفولة، في البداية كانت مكتبة الأسرة بالمدرسة، بعدها مكتبة خالد بن الوليد القريبة من إمبابة، ثم جاءت مكتبة آداب بجامعة القاهرة، كنز عظيم فعلا، واليوم نقابل الأصدقاء ونتبادل الكتب، ونقرأ قد نستمتع وقد لا ولكن في كل الأحوال لا نتوقف عن القراءة..
كيف تقيس نجاح كتبك؟ الجوائز أم البيست سيلر؟
لا الجوائز ولا المبيعات.. الأديب حالة متفردة حتى في نجاحه، نيتشه مثلا لم يبع من رائعته هكذا تكلم زرادشت طبعة واحدة، وكاد أن يقتل ناشره فعلًا، وأصيب بالإحباط ثم الجنون، واليوم! فإن كتب نيتشه بيست سيللر بلا جدال. غير أنه لم يكن مدركًا في حياته أنه سينجح بهذا القدر. الكلام نفسه يمكن تطبيقه على كافكا الذي لم ينشر في حياته أصلًا. ثم إن هناك عظماء لم يحصلوا على جوائز كنوبل ومع ذلك تبقي أعمالهم هي الأهم دومًا... إذا فالنجاح لا يرتبط بحياة الكاتب أو ما يحصل عليه حاليًا لأن هناك التاريخ والخلود الذي ينتظر دائمًا العمل الإنساني الحقيقي الجاد. هذا ما يبقي. وهذا ما يجب أن يعمل عليه الكاتب الجيد مهما كانت العقبات.
أفضل نصيحة تلقيتها؟ ومن من؟
النصائح بلا حصر، ولكن أكثر النصائح التي أثرت في أثناء الكتابة مقولة كنت قرأتها في كتاب رسائل إلى روائي شاب.. (أقرأ ما كتبته بصوت مرتفع) ذلك هو الاختبار الفعلي لوقع الجملة، رنين الجملة، أو الصوت، وهو ما أحرص على فعله عقب كتابة كل مقطع.. فإذا شعرت بنشاز في أذني من كلمة ما على الفور استبدلها بما هو أنسب وأسهل وأنعم..
ماهي نصيحتك لمن يريدون للبدء في كتابة روايتهم الأولى؟
النصيحة الأولى: لا تترك عملك أبدًا. إذا كنت موظف أو مهندس أو طبيب.إلخ. أياك وأن تترك عملك وتظن أن التفرغ للكتابة سيكفل لك حياة كريمة، بالطبع قد يحدث ذلك عن طريق جائزة أو الصحافة أو عمل درامي.. ولكن حتى لو حدث فـ عليك بالصبر.. فالوظيفة توفر قدر كبير من الراحة المادية وهو ما يحتاج إليه الكاتب. ثانيا: أقرأ كثيرًا ثم أنس كل ما قرأت.. تعامل مع الكتابة كأنها اختراع جديد، اختراعك أنت فقط، وكأن البشرية لم تكتب حرفا من قبل. ثالثا: حين تنتهي من مسودتك الأولى، وبعد معاناة شهور... ألقي بها كاملة في سلة المهملات، ولا تفكر في الرجوع إليها، كأنك لم تكتبها فالأعمال الأولى لا بد وأن تتسم ببعض الأخطاء الشائعة والتي لن تتعلمها إلا مع المخطوطة الثانية.. لذلك فالكتابة شيء والنشر شيء آخر.. النشر مسئولية، وهي أول تعارف بينك وبين القارئ فلا تتعجل لأن الندم لن يفيد.. أنا شخصيا كتبت رواية بعنوان باب الباب وبعد سنة ونصف من انتظار النشر القيت بها في الزبالة، ثم جاءت المخطوطة الثانية: الكاتب الكبير وبعد ثلاث سنوات من انتظار النشر كان مصيرها مع أختها الكبرى.. وأخيرًا كتبت دار الغواية ونشرتها بعد أن تأكدت من أنها تصلح للنشر. أن تعمل على كتاب أو رواية قد تستغرق سنوات لذلك لا بد وأن يكون الصبر شريكك دائمًا.. رابعا لا توقف القراءات على الأدب،، الفلسفة علم النفس علم الاجتماع السياسة التاريخ حتى العلوم العملية لا بد أن تمر عليها. خامسًا: لا تنتظر أي شيء من الكتابة، اكتب لنفسك وكأنك تلعب، قد تكون محظوظا فتجد من يُعجب بأعمالك أو تنال عليه جائزة، هذا يجوز أو لا يجوز إياك أن تنشغل بغير الكتابة، واعلم أن الكتابة الجيدة ستفرض نفسها حتمًا مهما طال الزمان.
لماذا تحظى الروايات بالمكانة الأكبر لدى القارئ العربي حاليًا؟
لعل السبب في ذلك يعود للجوائز العربية، واهتمام دور النشر بالفوز بهذه الجوائز. مع العلم أن الجوائز العربية اليوم التفتت للقصة القصيرة وأصبحت لها كيان فعال بكل جائزة.
الكتاب الذي تعمل عليه حاليًا؟
الكتاب الذي انتهيت منه وفي انتظار نشره رواية (صوفي) كما أعمل حاليا على مسلسل جديد بعنوان (نور) أتمني أن نراه قريبا بالشاشة الصغيرة.