تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
عشرون عامًا تحت وطأة الشعر.. ينقصك الجرأة للجهر بما يطوف بمخيلتك الزرقاء.. عشرون عامًا من الحب والعزلة، ومع ذلك لم تكن هذه السنوات الصفراء كافية لأكثر من أربع عشرة قصيدة، تختزل العالم في سِفرك الأول يا أثير "إيثاكا".
على الرغم من روحك الهشة في مواجهة الضوء المتسرب من خصاص نوافذك المطلة على البحر.. والفقد المتسلسل للأحبة.. واللعين الذي شق حنجرتك لتفقد الكلام، لكنك كما أنت يا كفافيس: طيب القلب، مفعم بالمودة، تزعجك الخرائب السوداء وأفعال البرابرة العصية على التلاشي أمام دخان شموعك أيها اليوناني العتيق.
سنواتك المثقلة بالحنين والأسى، هوة سحيقة في أعماقك: "الأيام المنصرمة/ تبقى وراءنا/ صف مفجع من الشموع المحترقة/ أقربها لا يزال يزفر الدخان/ الشموع الباردة، ذائبة، ومحنّية/ لا أريد أن أرنو إليها، إن جرمها يحزنني/ كما يحزنني أن أتذكر ضوؤها الأول".
الحزن والوحدة لم يمنعاك من رؤية البرابرة القادمين من الصحراء الموغلة في الجلافة، المستعدون للرقص على موائد الرؤوس المقطوعة، يحتسون بعيون شائهه كؤوس الدم.
على الرغم من أنك أغلقت نوافذك في وجه المنفرين والغرباء، وعلى الرغم أيضًا من حرصك الأبدي على العزلة والاختباء من العابرين أيها المُقيم، لكن كل هذا لم يكن كافيا ليصرف نظرهم عن بيتك، انتظروا رحيلك ليعلقوا على واجهته: "بنسيون" لتتبدد القصائد على وقع الأحذية الثقيلة، والهموم الصغيرة، والحقائب المملوءة عن آخرها بالهزائم.
كيف علمت يا "كفافيس" أن الإضاءة الخافتة ستمنع المتطفلون من زيارة البيت كما يحلو لهم، لا كما يليق به؟!
من أين جاءك الخاطر يا "كفافيس" بأن "إيثاكا" لن يعرف طريقها المخربون والأرواح الكئيبة؟!
ألم تخش على قصائدك أيها الرقيق من البرابرة؟، وأنت تعرف أن "البلاغة والخطابة، تصيبهم بالضجر".. أتظن أيها الطيب أنهم سيجيبونك عندما تسألهم: "لماذا هذا الاضطراب، والهرج المباغت"؟.
البرابرة لا تستهويهم شموعك التي أَضاءت البحر، فهم عشاق خرائب، ومحترفو عتمة، يكرهون أناقتك في الكتابة، يرفعون معاولهم لمحو أثرك من البازلت المنمق بمدينتك الأثيرة؛ لذا: "الذهن مضطرب، العيون مشدوهة/بيأس نخترع مخرجًا/نخطط لنراوغ الخطر المحتوم/الذي يهددنا ويثير الرعب فينا".