الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بالوعي يلفظها الشعب لا تحظرها الدولة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يخطئ من يظن أن الجماعة المحظورة ترتبط بالدين الإسلامى، فهى لم تأخذ منه سوى الاسم الذى نسبته لنفسها، حتى تضمن الوصول لقطاعات أكبر من المسلمين، ولكن لم يكن الإسلام بالنسبة لهم يوما سوى ستار اتخذوه كى يحققوا من خلاله مآربهم وطموحاتهم للوصول للسلطة..ولم يكن غريبا أن تنشأ الجماعة في منطقة الإسماعيلية التى كانت تخضع للاستعمار البريطانى في ذلك الوقت عام ١٩٢٨، وبدعم من شركة قناة السويس التى كانت تعد أكبر رموز الاحتلال في مصر، حيث مولت الجماعة بمبلغ ضخم آنذاك(٥٠٠ جنيه) كدعم لنشاط التنظيم في بدايته!.. كي تستخدمه لخدمة المصالح البريطانية والغربية..ويقول طارق البشبيشى(القيادى السابق بجماعة الإخوان) أن بعد ثورة 1919 نمى شعور المصريين الوطنى وسلكوا طريق الاستقلال ورفض التبعية للاستعمار، والتف المصريون حول سعد زغلول وجعلوا منه زعيما وطنيا، ثم التفوا من بعده حول حزب الوفد ورأوا فيه منقذا لهم من الاستعمار البريطانى... فبدأ التآمر البريطانى على ثورة 19 ونتائجها، وذلك باللعب بورقة الدين لتفرقة هذا التلاحم الشعبى... وبدأوا ينخرون كالسوس في جسد مصر، ورفعوا شعارات دينية وليست وطنية فإذا هتف المصريون لبلدهم أنتى غايتى والمراد... هتف الإخوان الله غايتنا..وقد استخدمت ورقة الإخوان لمواجهة المحور الشرقى والشيوعية والاتحاد السوفيتى، ثم بعد ذلك في مواجهة النظام الناصرى التحررى صاحب مشروع الوحدة العربية، والذى نجحت بريطانيا في تقويضه..وربما يعتقد البعض أن فكرة الإنجليز في تأسيس وتمويل جماعة تتخذ الإسلام شعارا لها، يرجع لكون الشعب المصري متدين بطبعه (كما نصف أنفسنا)، ولكن الواقع أن تاريخ بريطانيا في استغلال الجماعات الإسلامية لتحقيق أهدافها السياسية يتجاوز المائة عام..ففى ظل الاحتلال البريطانى وتحت رعايته نشأت واحدة من أكبر حركات إحياء الإسلام السنى، وهى "حركة ديوباندى" في شمال الهند عام 1866 (والتى تأثر بها أبوالأعلى المودودى مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان والذى ألهم الأفكار التكفيرية لسيد قطب لاحقا)، وقد لخص المؤرخ/لديفيج فروميكين موقف بريطانيا من الجماعات الإسلامية المختلفة في كتابه"السلام الذى يقضى على كل سلام" بأن القادة البريطانيين كانوا يعتقدون دوما أن الإسلام يمكن التلاعب به واستغلاله بشراء قياداته الدينية أو الاحتيال عليهم، ولأسباب كثيرة كانت بريطانيا تجد ضالتها في الإسلاميين..فبريطانيا تتمتع منذ نهاية القرن الـ18 بنفوذ كبير على العالم الإسلامى، إذ شملت الإمبراطورية البريطانية أكثر من نصف شعوب العالم الإسلامى، ووفقا للمؤرخ/ فرانسيس روبنسون المتخصص في علاقة الإسلام بالإمبراطورية البريطانية، فإن بريطانيا سعت دوما لدعم سلطة إسلامية تقليدية كحصن لاستمرار سلطتها، وكثيرا ما سمحت باستمرار الشريعة والحكم الأصولى المتشدد، وهذا يساعد في تفسير تقاعس المسلمين في كثير من البلاد الإسلامية التى كان البريطانيون يحكمونها عن الاستجابة لدعوة الإمبراطور العثمانى للجهاد ضد بريطانيا، في بداية الحرب العالمية الأولى..ويضرب مارك كورتيس مؤلف كتاب"التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع المتطرفين الإسلاميين" عدة أمثلة على رغبة وقدرة بريطانيا على تطويع الإسلاميين والتعامل معهم، أولها:"خلافة سوكوتو" الإسلامية، ففى أوائل القرن الـ19 قام الشيخ عثمان بن فودى برفع لواء الجهاد لتجديد الإسلام، وتمكّن من توحيد إمارات الهوسا تحت سلطة مركزية واحدة ممثلة في خلافة سوكوتو (1802-1903)، التى تأسست في شمال نيجيريا وضمت 30 إمارة، وفى ظل هذه الخلافة، أصبح الإسلام هو القوة السياسية العليا في نيجيريا وطُبِّقت الشريعة في أنحاء السلطنة، وقررت بريطانيا سحق هذا السلطان المتمرد بمدافعها، لكن بعد هزيمته بصورة وحشية عام 1902 فضّل الإنجليز الإبقاء على سلطان سوكوتو، وتحولت هذه الإمارة إلى نموذج لـلحكم غير المباشر، كررته بريطانيا لاحقا في مستعمرات أخرى.. وفى السودان هزم البريطانيون الحركة المهدية عام 1898، لكن بحلول عشرينيات القرن الماضى أصبحت بريطانيا تعتبر زعيمهم السيد عبدالرحمن حليفًا يمكن أن يكفل لها ولاء سودانيين كثيرين.. ويبدو أن طموح حسن البنا السياسى كان أكثر ما أغرى الإنجليز بإنشاء جماعة الإخوان واستغلالها بما يحقق الأهداف البريطانية..ثم كان استخدامهم لإعادة رسم خريطة المنطقة العربية من جديد بعد 2011، لولا 30 يونيو 2013 الذى أفشل مخططاتهم، وأعاد الأمل للمصريين ولكل العرب الذين يدركون أن مصر هى رمانة الميزان، والتى لا يمكن أن تستقر المنطقة دونها.. ولكن علينا أن نرسخ الوعى في العقول والقلوب، ونحاول نزع الأفكار المغلوطة من المجتمع ككل، بالتوعية بالحقائق التاريخية والتهديدات الحالية والمستقبلية، مع وجوب تصحيح مفاهيم من ضلوا وأضلوا والذين أصابهم شطط الفكر، وذلك لإنقاذ وتحصين الأجيال القادمة.