مثلما يحتاج اللاعب الرياضي إلى فترة استشفاء يحتاج القارئ وقتا للاستشفاء من الكتب الرديئة التي تسرق وقت القاريء، أحيانا أعود إلى أمهات الكتب في الأدب والتاريخ في محاولة لمحو مفاعيل الكتب السيئة فهي تترك غصة تعتصر القلب لما آلت إليه أحوال صناعة النشر.
أحيانا أبحث عن إصدار لكاتب أحبه ولا أجد؛ لأنني يجب أن انتظر لمعرض الكتاب حتى يصدر عمله الجديد!! والحقيقة أن دور النشر المصرية تقدم وجبات دسمة من حين إلى حين على مدار العام، ولا أفهم لماذا تؤجل الإصدارات ونفاجأ بآلاف العناوين فقط أثناء معرض الكتاب؟!
يمكن القول إن المصري اعتاد ثقافة التزاحم، فمنذ الطفولة أنت تزاحم في طابور المدرسة وتتزاحم في ممر الوصول لفصلك ثم يجب أن تزاحم للوصول إلى المواصلات التي تقلك لمنزلك.. وهكذا. أما حاليا نجد تزاحما للنشر وفوضى في العناوين، كيف للمواطن أن يعد لائحة بالكتب التي يود شرائها ويوميا تطل عليه آلاف العناوين قبيل أيام معدودة من المعرض؟ أرى أن في ذلك ظلم بين للكتب التي اجتهد مؤلفوها في البحث والتنقيب سنوات ليمدوا القاريء بطيف معلوماتي وفكري يعينه على التفكر في الحياة، بينما هناك من الكتب التي تنجز في شهرين أو أقل لتزاحم في عرس الكتب!!
وأظن أن دور النشر عليها أن تعيد النظر في هذه الاستراتيجية، فالقارىء النهم والمثقف لا ينتظر لمعرض الكتاب لشراء ما يود قراءته بل إنه في حالة بحث دؤوب لإلتهام كل جديد. ولا أقصد هنا معرض القاهرة للكتاب بل إن الكتب تصدر وفقا للجدول الزمني لمعارض الكتب العربية. هنا لا نلوم الناشر لنه يود أن يذهب لكل معرض بلائحة كتب جديدة ولكن نطالب بأن يكون العام كله معرضا للكتاب دون موعد محدد للشراء.
ربما لهذا تختلف معدلات المقروئية العربية عن الغربية التي تلاحق القارىء في كل وقت وزمان ولا ترتبط بموعد لنشر الكتب! فكما قال أرنولد توينبي ليست العبرة في كثرة القراءة ، بل في القراءة المجدية.
أما معرض القاهرة للكتاب الذي يقام تحت شعار "في القراءة حياة" يخوض دورة جديدة مليئة بالتحديات في أجواء حارة وموجة جديدة من وباء كورونا وتحوراته، أرى أنها بادرة عظيمة خاصة مع إطلاق مبادرة "ثقافتك كتابك" التي تضم مئات العناوين، وهدفها طرح أسعار مخفضة لجميع العناوين المعروضة وأمهات الكتب تبدأ من جنيه واحد وحتى 20 جنيها. وهي مبادرة تتعاون فيها دور النشر الخاصة مع الحكومية مما يؤكد على أن صناع النشر على وعي كامل بأهمية دعم الكتب، في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها الاقتصاد حول العالم.
والحق أن الحياة ما بعد كورونا تتجسد في اختفاء طقس حفلات التوقيع من المعرض، ونظام زيارة المعرض ولكن الميزة الرائعة هي بث الندوات واللقاءات عبر الانترنت وهي ميزة هامة لنشر الوعي والفائدة خارج حدود أرض المعرض. معرض القاهرة للكتاب من أكبر المعارض عربيا وعالميا وننشد لها النجاح لكن أرى أن خريطة النشر تحتاج لدراسة وتأن وتنقية للعناوين.