رشيد طفل مصري تخطّى العام ونصف العام من عمره، يعاني من مرض جيني نادر يعرف باسم "ضمور العضلات الشوكي Spinal Muscular Atrophy " و اختصاره "SMA "، اكتشفه والداه مؤخرا، بعد عرضه على 11 طبيبًا في تخصص المخ و الأعصاب ومن شروط تناول الحقنة للتعافي أن يتناولها الطفل مرة واحدة في العمر قبل إتمام عامه الثاني.
انتفضت وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمع المدني مباشرة بعد استغاثة والدي الطفل في وسائل الإعلام بداية الشهر الحالي وأصبح قضية كل يوم بل كل لحظة لدى متطوعين لجمع المبلغ المطلوب وهو 35 مليونا لإنقاذ حياة رشيد. ومنذ ساعات فقط أعلن والده جمع المبلغ من تبرعات المصريين لشراء حقنة " Zolgensma " المتوفرة في مستشفى جامعة عين شمس ولن ينتظروا شحنها من دبي، أو سويسرا منشأها، أو حتى أمريكا كما يتردد. وعمّت الفرحة الأرجاء وهي وإن كانت احتفالا بإنقاذ طفل من مرض نادر يشل حركته ويمنعه من النمو إلا أنها فرحة بشعب جبار لا يوقفه المستحيل.
هكذا هم المصريون بنسائهم ورجالهم وأطفالهم ، بمواطنيهم العاديين و"كباراتهم"، دائما في الموعد عندما يستدعي الأمر حيث نجدهم يقفون وقفة رجل واحد؛ إنه شعب مصر العظيم ليس له "كتالوج". وكما يقول شاعر النيل حافظ ابراهيم: وقف الخلق ينظرون جميعا .. كيف أبني قواعد المجد وحدي وبناة الأهرام في سالف الدهر .. كفوني الكلام عند التحدي!
المبلغ يبدو ضخما و جمعه حلما مستحيلا لكنه "رخص" لإنقاذ رشيد، وفي خلال عشرين يوما تحقق الحلم وأمكن جمع ثمن أغلى حقنة في العالم تكلفتها 2.1 مليون دولار يعني حوالي 35 مليون جنيه مصري كانت ربما تستعصي على شعوب أخرى أكثر ثراء منه. لكن الثراء ليس بالمال وحده!
الأجمل في رأيي أن المجتمع المدني نجح في هذا التحدي ولم يحتج الطفل تدخلا من الدولة للعلاج على نفقتها. وقد واجه المصريون كعادتهم هذا التحدي وكأنما يواجهون حربا صغيرة من حروبهم الكثيرة ولكنها حرب كبيرة وعظيمة في إنسانيتها وعاطفتها الجياشة وتكافلها الاجتماعي وتسابقها نحو الخير. ولا غرابة فقد تعود هذا الشعب الباسل على خوض حروبه ورفض الهزيمة بل وسبق أن هزم الهزيمة في حرب 73 وتحمل الشعب الجبار المقاتل آنذاك الكثير من الصعوبات من أجل استرداد أرضه و عزته و كرامته. وفعلها أيضا الشعب المصري فى نصف يوم فقط عندما خرج الملايين لميادين مصر يوم 30 يونيو وأسقطوا الإخوان وخطتهم التي تحاك في الخفاء بإعلان شمال سيناء ولاية إسلامية ثم اعتراف دولي بها يتبعه قرار تدويل بقية أراضى سيناء وحماية للمجرى المائي لقناة السويس واستدعاء قوات طوارئ دولية لحماية الكيان الصهيوني من الولاية الإسلامية وحماية حرية الملاحة في القناة.
ليس هناك أي مبالغة أو افتعال عند وصف معركة "الطفل رشيد" بأنها انتصار في حرب مهمة .. هذه المرة ضد المرض وفقر الإمكانيات وهي تكتب بسلاح العزيمة و الشجاعة بطولة مجموعة من الجنود المتطوعين ليس في ميدان المعركة وإنما في ميدان الحياة هبّوا هبة قوية لاستنهاض روح الجماعة وتحقيق هدف رائع وهو الحصول على حقنة الحياة لرشيد؛ فمثل هذه الانتصارات تمنح الأمم الثقة والقوة والأمل في مستقبل مشرق يركع المرض تحت أقدام الشعوب.
و تفتح قصة رشيد أبواب الأمل أمام بقية الأطفال في مثل حالته و جار التبرع لها حاليا ولا شك أن نفس المجهودات وأكثر ستُبذل في حملات جمع التبرعات لإنقاذ حياة ليال و آسر و مصطفى وهاندا وغيرهم. كما أن التوعية بهذا المرض النادر أمر ضروري حيث الاكتشاف المبكر يجعل العلاج ممكنا. ولأن من يزرع المعروف لابد أن يحصد الشكر، فشكرا لأصغر طفل تبرع بعدة جنيهات من مصروفه إلى أكبر المتبرعين EFG Hermes"" التي تبرعت بقيمة ضخمة. بفضلهم جميعا وجد رشيد له مكانا ومكانة في هذه الحياة!
olfa@aucegypt.edu