تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
أصدرت المكتبة ودار النشر الفاتيكانية، كتابا يجمع كلمات وخطابات للبابا فرنسيس تتمحور حول السلام والأخوّة.
ويأتي هذا الإصدار الجديد، وعنوانه "على الأرض السلام.. الأخوّة ممكنة"، في إطار سلسلة للمكتبة ودار النشر تسعى إلى تسليط الضوء على الروابط بين المسيحيين بغض النظر عن الاختلاف الطائفي، وتشهد هذه السلسلة إسهام ممثلي الكنائس والجماعات المختلفة، وقد كتب مقدمة الكتاب الجديد البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
ينقل الكتاب حديث اليابا فرنسيس بأسف عن أن أهوال القرن العشرين ما بين حربين عالميتين واضطهاد اليهود والإبادة، وأيضا ما شهد العقدان الأولان من القرن الحادي والعشرين ما بين إرهاب ومذابح وخطاب كراهية، يبدو أنها كلها لم تكن دروسا تمت الاستفادة منها، حيث يظل السلام مداسا وغير متحقق، بينما يعاد تقييم الحروب بشكل خطير رغم كونها شرا سيكون الساسة مسؤولين عنه أمام الله والشعوب.
تبدأ تأملات البابا فرنسيس في هذا الكتاب من واقع اليوم حيث يتطلع ملايين الأشخاص إلى السلام، إلا أنهم مهددون بالحروب ويجبَرون على ترك بيوتهم ويضربهم العنف، ما يعني انتهاك تطلعاتهم هذه وخيبة أمل حسب ما يؤكد الأب الأقدس مشيرا إلى أننا ومع غياب الجيل الذي عاش الحرب العالمية الثانية فإننا ننسى دروس التاريخ. ومن بين ما يقول البابا في هذا السياق إن نسيان آلام الحروب يجعلنا نفقد القدرة الدفاعية أمام منطق الكراهية ويسهِّل نمو حمى الحرب، كما وتخنق الكراهية التطلع الطبيعي إلى السلام وتجعلنا نكرر أخطاء الماضي. ويحذر قداسة البابا من سهولة اتخاذ قرار الحرب واستخدام كل أنواع المبررات ما بين الإنسانية والدفاعية أو الاحترازية، وذلك أيضا بالتلاعب بالإعلام.
هذا ويطرح البابا فرنسيس في كلماته وخطاباته التي يجمعها الكتاب الجديد عددا من التساؤلات المهمة: هل نعي معاناة الكثير من الأشخاص بسبب الحرب؟ هل ندرك ما يهدد البشرية من مخاطر؟ هل نسعى بشكل أو آخر إلى إطفاء نار الحرب وتفاديها أم أننا ملتهون بالتركيز على مصالحنا أو مكتفون بأن الحرب لا تمسنا عن قرب؟ ويؤكد قداسة البابا أن هذه أسئلة يجب أن تثير مخاوف رجال السياسة الذين سيساءلون أمام الله والشعوب على الحروب المستمرة.
ويعيدنا الكتاب الجديد للمكتبة ودار النشر الفاتيكانية إلى حديث البابا فرنسيس في أكثر من مناسبة عن حرب عالمية ثالثة مجزأة تدور في جرائم ومذابح ودمار، حرب تسائل ضمير كل منا. ويؤكد الأب الأقدس أنه لا يمكننا التعايش في سكينة مع الحروب الدائرة وكأنها قدر محتوم، واصفا هذا بتحجر للضمائر. إلا أن هذا ما يحدث مع الأسف وخاصة في البلدان التي لا تضربها الصراعات بشكل مباشر بل ببعض التبعات مثل وصول اللاجئين. ويصف قداسته اللاجئين بشهود بشكل أليم على الحرب وعدم الإصغاء إلى طلب السلام، أشخاص يجعلوننا نلمس كم غير إنسانية هي الحرب. ويدعو البابا فرنسيس بالتالي إلى الإصغاء إلى ما يقدم اللاجئون من درس حياة مؤلم، ويؤكد أن استقبالهم هو أيضا طريقة لتحجيم المعاناة الناتجة عن الحروب وللعمل من أجل السلام. يحث الأب الأقدس إذَن على تفادي الانزلاق نحو اللامبالاة وعلى محاولة العمل بلا كلل من أجل السلام، ويؤكد أن الرأي العام بإمكانه أن يعمل الكثير رغم عدم التمكن من العمل بشكل مباشر فيما يتعلق بالنزاعات، حيث يمكن لرأي عام يقظ أن يلزِم الدول بممارسة ضغط على الجماعة الدولية. ويشدد البابا أيضا على أن اللامبالاة تعني شراكة في الحروب.
تتضمن كلمات البابا فرنسيس التي يجمعها الكتاب الجديد من جهة أخرى إدانة للمافيا والمنظمات الإجرامية التي تشن حروبا بمعنى الكلمة وتدمر السلام من أجل مصالحها. ويدعو الأب الأقدس في هذا السياق إلى عدم الرد على العنف بالعنف مؤكدا أن الحياة والخير لا يمكن الدفاع عنهما بالسيف، فمن يرفع السيف سيختبر العنف بدوره. كما ويسلط البابا الضوء على أن الحروب وما أن تندلع فإنها تمتد من جيل إلى آخر في بعض الحالات. كما ويتساءل البابا كيف يمكن أن نكون مسيحيين وننتج السلاح؟ ويؤكد ضرورة إيقاف بيع الأسلحة والذي لا يمكن لشيء أن يبرره، ولا حتى خطر فقدان أماكن العمل.
هذا ويشير الأب الأقدس إلى ما يصفها بتعزية متمثلة في أنه في كل الثقافات الدينية قد تم زرع بذرة سلام، وهو ما أكده لقاء أسيزي الذي دعا إليه البابا يوحنا بولس الثاني سنة ١٩٨٦. ويختم الكتاب ناقلا نداء البابا فرنسيس إلى عدم الاستسلام أمام اعتبار الحرب رفيقة يومية للبشرية، بل يمكن إنهاؤها كما تم إنهاء العبودية. ويؤكد الأب الأقدس أنه لا يمكن التخلي عن الحلم بعالم خالٍ من الحروب.